عماد الشدياق – أساس ميديا |
هل أخطأت شركة “طيران الشرق الأوسط” في خفض حجم الرحلات من أجل حماية طائراتها؟ أم بالغ وزير الاقتصاد في حرصه على “حماية المستهلك”، فاتهم رئيس مجلس إدارة الشركة محمد الحوت بالتفرّد في القرار؟
سؤالان يصعب الإجابة عنهما، إذ لكلّ جهة منهما مقاربة ووجهة نظر لها داعموها، وقد تبدو محقة:
– الأول، أي شركة MEA ورئيس مجلس إدارتها محمد الحوت، يتطلع إلى حماية طائرات الشركة وركابها ويحافظ على ممتلكاتها، فينظر إلى خطوته من باب الحرص وبعين “صاحب المال”، نافخاً من خلال تلك الخطوة “على اللبن” نتيجة حرقته من “حليب” التجارب السابقة، مثل حرب تموز 2006.
– الثاني، أي وزير الاقتصاد يتحدث من نافذة “حماية المستهلك”، وصون الاقتصاد الوطني وقدرة الناس على التنقل والسفر وتنظيم رحلات إلى أكثر المحطات طلباً وإقبالاً، خصوصاً بعد تراجع عدد رحلات الشركة بنحو 80%، وارتفاع منسوب التذمر بين اللبنانيين من تلك الخطوة.
لكن بين هذا الرأي وذاك ثمة من اتهم وزير الاقتصاد بمحاولة “تصفية حسابات” مع الحوت من خلال اتهامه الآن، وفي هذا التوقيت الدقيق والحرج، بالتفرّد في اتخاذ القرار. كما توقّف البعض عند صمت وزير الوصاية المعني بهذا الملف علي حمية (وزير النقل والأشغال العامة)، وفسروه بأنّه يشبه “التوكيل الضمني” لتنفيذ هذا الهجوم باعتبار أنّ سلام هو وزير سنّي ينتقد مديراً عاماً سُنّياً أيضاً!
سلام يطالب بإشراك مؤسّسات لبنانيّة
خلال المؤتمر الصحافي يوم الإثنين، بدا سلام عاتباً على شركة MEA نتيجة عدم إبلاغ المواطنين قراره خفض الرحلات بنحو 80% بشكل مسبق، وذلك من أجل أن يأخذوا احتياطاتهم. اعتبر سلام أنّ للمستهلك حقّاً في معرفة هذه التفاصيل، التي تسببت له بالضرر (تأخير رحلات، عدم القدرة على الوصول في الوقت المحدد، تضرر في العمل…)، عارضاً خدمات وزارته وخدمات قطاع التأمين في لبنان على شركة MEA من أجل إدارة ملف التفاوض مع الشركات الأجنبية التي خفّضت حجم تأميناتها على الرحلات، فوقعت الأزمة.
قال سلام إنّه كان يمكن تدخّل وزارة الاقتصاد باعتبارها جهة وصيّة على شركات التأمين في لبنان، وذلك من أجل تعديل بند التأمين أو الاتفاق مع الشركات من خلال التفاوض بغية الضغط عليها لرفع عدد الرحلات، كاشفاً في الوقت نفسه أنّ خيارات أخرى كانت ممكنة في هذا الصدد، ومنها:
– تعديل البند المتعلق بالطائرات.
– رفع قيمة التأمين للحفاظ على عدد الرحلات.
في الوقت نفسه، طالب سلام بإشراك قطاع التأمين اللبناني في تأمين الطائرات الخاصة بالشركة اللبنانية الوحيدة في هذا المجال، ولو بنسبة 1%، أو اعتمادها جهة استشارية تساعد الشركة على التفاوض مع نظيراتها الخارجية باعتبار أنّها “ابنة كار” وتستطيع تأمين شروط تفاوضية أفضل تخدم MEA واللبنانيين، خصوصاً أنّ السفر من لبنان وإليه بعد الأحداث في المنطقة، “بات محصوراً بشركتنا اللبنانية وبمطار رفيق الحريري الدولي فقط”. ولهذا سأل: هل يُعقل أن تكون MEA هي شركة الطيران الوحيدة العاملة في لبنان، وهي نفسها التي تختار الشركة المؤمِّنة بقرار واحد، فتمسك بمصير قطاع السفر في لبنان؟ كاشفاً في الوقت نفسه عن إجراءات استباقية كان يمكن القيام بها قبل اندلاع الحرب، مثل إعادة موضعة الطائرات في أماكن أخرى داخل لبنان مثل مطار رينيه معوض في الشمال، على الرغم من أعمال الصيانة المطلوبة لهذا المطار من أجل استخدامه، لكن كان يمكن أن توفّر شركة MEA أكلاف ركن الطائرات في الخارج (تركيا، قبرص، الأردن… إلخ).
الـMEA لها رأي آخر…
لم تردّ شركة MEA على كلام وزير الاقتصاد بشكل مباشر أو ببيان يوضح ملابسات القرار الذي اتخذته، إلّا أنّ أوساط الشركة قالت لـ”أساس” إنّ قيمة أسطولها تقدّر بنحو 1 مليار دولار، فأيّ شركة تأمين لبنانية قادرة على تغطية هذا الرقم في ظل هذه الظروف الاقتصادية والنقدية؟
بل أكثر من ذلك، أعطت أوساط الشركة مثالاً عن شركات عربية مماثلة (طيران الإمارات مثلاً) تلجأ إلى الشركات الأجنبية على الرغم من وجود شركات تأمين محلية مليئة قادرة على القيام بالعمل نفسه، وذلك بحسب ما تؤكد أوساط MEA سببه بسيط، وهو أنّ أي شركة محلية ستلجأ في نهاية المطاف إلى إعادة التأمين لدى الشركات الأجنبية الكبرى نفسها… فلماذا كل التعب، أفمن أجل تكبّد أكلاف إضافية؟
أما لناحية خفض عدد الرحلات، فقالت مصادر MEA إن شركات التأمين الأجنبية “غير البعيدة عن الجوّ المتعاطف مع إسرائيل بعد عملية حماس في غلاف غزة”، خفّضت قيمة التأمين على “مخاطر الحرب” من مليار دولار (قيمة الأسطول) إلى ما بين 150 و200 مليون دولار. ولمّا كانت لدى الشركة طائرات جديدة (9 طائرات) يقدّر ثمن الواحدة منها بين 80 و90 مليون دولار، فقد اضطرت إلى الاعتماد فقط على تلك القديمة (قيمة الواحدة منها بحدود 25 إلى 30 مليون دولار)، وتحفّظت على الطائرات الجديدة، وهو ما اضطرها إلى خفض حجم الرحلات بنسبة 80% من أجل الحفاظ على الطائرات والركاب.
تردّ أوساط الشركة أيضاً على من يسأل عن سبب استمرار الطائرات الأجنبية في الهبوط والاقلاع من مطار بيروت، فترد بأنّ الطائرات الإماراتية أو التركية أو غيرها حينما تأتي إلى بيروت تكون بذلك تعرّض طائرة واحدة لمخاطر الحرب، بينما في حالة الشركة اللبنانية ستكون مضطرة إلى تعريض جميع الطائرات باعتبار أنّها تنطلق من المطار في بيروت ثم تعود إليه، وبالتالي لا يمكن مقارنة هذا الأمر بذاك.
انتهى النقاش بين الشركة ووزير الاقتصاد عند هذا الحدّ، لكن الواقع بقي على ما هو عليه: لا رحلات مكثفة من وإلى مطار بيروت، وذلك حتى معرفة مصير الحرب الدائرة في غزة.