عكس لقاء نيويورك، الخلاف الداخلي بين خطّين فرنسيين يعملان من دون تنسيق من أجل التقدّم برؤية نهائية. وهذا أمر لا بد من التعامل معه بحذر، لأنه يعكس استمرار الأخطاء الفرنسية، سياسياً ودبلوماسياً، في مقاربة ملف الرئاسة بطريقة متخبّطة. في المقابل، وفيما أتت فرملة الاندفاعة الفرنسية مجدّداً لتوجّه رسالة إلى باريس، لناحية تنشيط مساعي قطر على حساب دورها، إلا أنها رسالة تعني لبنان بالدرجة الأولى، لأن ما نُقل إلى مسؤولين فيه عن عدم التسرّع في الخروج بخلاصات مبكرة عن حوار سعودي – إيراني، أو تفاهمات أميركية – إيرانية محدّدة بالزمان والمكان، ثبتت صحته في نيويورك، إذ تأكّد مرة جديدة أن ملف الرئاسة لا يزال بين يدَي واشنطن والرياض حصراً. وعطفاً على ذلك، فإن ملامح الجو الخارجي توحي بأن احتمالات «قرار» إبقاء لبنان متعثّراً تزيد يوماً بعد آخر. أكثر من مرة، دار الحديث الجدي في أوساط دبلوماسية غربية، عن عدم التقاط حقيقة ما تريده واشنطن من لبنان، وهل يمكن لها أن تعمل على زيادة عوامل انهياره بعدما تخطّى الأمر الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار فيه، من أجل خلق واقع جديد؟ وهذا النقاش يأخذ بعداً أكثر جدية، مع الرسائل المتناقضة التي تحملها مواقف الدول الخمس التي تُعنى بأزمة الرئاسة، والتي كان يُفترض أن يحسمها موقف أميركي واضح من دون التباسات، وهو ما لم يصدر حتى الآن. وإعطاء مهل محددة لإنضاج حلول يبدو مستعصياً، في ظل مراوحة باتت معروفة، بين الأسماء والأهداف المرسومة للحل الرئاسي. لكنّ التعثّر المقصود، يفترض أيضاً إلقاء الضوء على احتمال أن لا يكون الحل المنشود رئاسياً فحسب، بل أن يكون منفتحاً على حلول لمشكلات متأصّلة سياسياً وأمنياً. وهذا يأخذ وقتاً لتفكيك رموزه وترجمته عملياً في ظل موازين القوى إقليمياً ومحلياً، لأن ما رسمه بيان نيويورك الأول وبيان لقاء الدوحة لا يزالان يمثلان غطاء سياسياً محدّداً، لم تتخذ واشنطن أو الرياض قراراً بتخطّيه.
ما جرى في عين الحلوة الذي لم تنته أحداثه بما يفترض أن تنتهي عليه، يشي بأن النار الموجودة تحت الرماد، أُطفئت مؤقّتاً. وما كان مرسوماً للمخيم ومحيطه، أعاد الجنوب مجدّداً إلى الواجهة بعد توالي التوتر فيه، بعد شهور طويلة، من غيابه عن الحضور كعنوان أول. لكنّ توالي أحداثه الأمنية المتفرقة، وتسليط الضوء عليها، سواء من زاوية طبيعة التجديد للقوات الدولية أو تحديد النقاط الحدودية، كلّ ذلك وضعه تحت المجهر، في محاولة فهم ارتباط الأحداث الأمنية داخلياً، ومع إسرائيل، والكلام عن تجمّعات أصولية في عين الحلوة، في خطوط متشابكة، تتداخل فيها عوامل خارج الحدود اللبنانية.كلّ ذلك يبدو للوهلة الأولى مجرد خريطة أمنية متفرّقة الأحداث، لكنها حين تتلازم مع تفكيك الوضع الرئاسي تصبح لها تأثيرات مختلفة، لا تعيد الأزمة الرئاسية إلى مربّعها الأول، بل تضاعف من احتمالات تشريع الأبواب على تحوّلات داخلية غير مسبوقة. وهذا لا يغطيه تحرّك موفدين يعملون على خط مبادرات رئاسية محدودة، فيما اللاعبون الأساسيون يملكون وحدهم سرّ تفكيك القطب الخَفية لأزمة مصير لبنان.