فرنسا: بحث الحلول يبدأ بإدانة “حماس” وتحييدها

فرنسا: بحث الحلول يبدأ بإدانة “حماس” وتحييدها

وليد شقير -أساس ميديا

حتّى اللحظة لا يبدو أنّ التغيير النسبي في اتجاهات الرأي العام الغربي نحو التضامن مع غزّة، سيغيّر في موقف الحكومات بالدعم المطلق لانتقام إسرائيل من عملية “حماس” في 7 أكتوبر (تشرين الأول).
شهد الأسبوع الثالث تعديلاً في المزاج الشعبي الغربي، بدليل أنّ بعض وسائل الإعلام التي انحازت في شكل ساحق لإسرائيل إثر انتشار فيديوهات، بعضها تبيّن عدم صحّته، عن تعرّض مقاتلي الحركة للمدنيين الإسرائيليين، أخذت تتقبّل استضافة المدافعين عن الفلسطينيين والرافضين للظلم الذي يلحق بهم منذ سبعة عقود.
في الأسبوعين الأوّلين كان السؤال الأوّل للضيف، أجنبياً أو عربياً، الذي تبدأ به البرامج: “هل تدين “حماس” وتعتبرها إرهابية أم لا؟”. عرضت إحدى المحطّات مقاطع من مقابلة على محطة منافسة وأحصت طرح المذيع السؤال نفسه على ضيفه سبع مرّات خلال أقلّ من نصف ساعة، لأنّه لم يحصل على الجواب الذي يرضيه.
دقّق بعض الأوروبيين من أصل عربي بمفردات بعض شاشات التلفزة، كأن تسمّي القتلى الإسرائيليين “ضحايا لهجمات حماس”، وأن تصف ضحايا القصف الإسرائيلي من المدنيين الفلسطينيين بـ”القتلى”، من دون ذكر سبب وفاتهم أحياناً، أي القصف الإسرائيلي. وبعض الإعلام أطلق على هؤلاء تسمية “الغزّيّين” لا الفلسطينيين.

خرق في الغرب لرأي عامّ بدا ساحقاً
فرنسا بلد الحرّيات التي غرّمت من يتضامن مع غزّة بسبعة آلاف وخمسمئة يورو، وبالسجن، وعمّمت قراراً بالطرد لغير الفرنسيين، ورفضت إعطاء تراخيص لطالبي التظاهر احتجاجاً على قصف المدنيين في غزّة، كانت الأكثر تشدّداً، إلى أن أفتى مجلس الدولة (الدستوري) بحقّ التظاهر تحت شعار “إدانة استهداف المدنيين”، خلافاً لقرار سابق بالمنع، فتجمّع الآلاف في 22 تشرين الأول في ساحة الجمهورية وحملوا العلم الفلسطيني، وندّدوا بالقصف الإسرائيلي.

شمل التغيير ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، ثمّ موجة من الانتشار للعلم الفلسطني في ملاعب كرة القدم وسط صيحات مناصرة لفلسطين من قبل مناصري نادي “سيلتيك” الاسكتلندي، في مباراة “البريميير ليغ”، وكرّت السبحة في ملاعب أوروبية أخرى.
خرق التعاطف مع فلسطين رأياً عامّاً منحازاً لإسرائيل، كان شبه ساحق في الأسبوع الأول، في سياق الحرب الإعلامية، التي كرّست أولويّتين غربيّتين:
– التنديد بـ”حماس” كتنظيم إرهابي.
– والإقرار بـ”حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس”.
أطلقت الأولويّتان سجالاً في كنف زيجات وصداقات غربية-عربية. وعلى المستوى السياسي منعتا أيّ بحث حتى في وقف إطلاق النار، وحالتا دون إصدار بيان مشترك عن قمّة السلام الإقليمية الدولية في القاهرة، ثمّ أفشلتا ثلاث محاولات لإصدار قرار عن مجلس الأمن، وحصرت الاتصالات الدولية الإقليمية بالسياق “الإنساني”، وبموضوع الإفراج عن الرهائن الغربيين ثمّ الإسرائيليين لدى “حماس”، الذي قدّم وزير الخارجية الإيراني عرضاً في شأنه أول من أمس.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دراية مسبقة بأنّ اقتراحه قيام تحالف دولي ضدّ “حماس”، شبيه بالتحالف الدولي ضدّ “داعش” الذي يضمّ 30 – 40 دولة بما فيها الدول العربية، لن يلقى قبولاً عربياً. وقد لقي الصدّ خلال محادثاته في الأردن ومصر، إثر زيارته لإسرائيل للتعاطف معها، من الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي. لكنّه صمّم على طرحه لأنّ “الحرب ضدّ الإرهاب ليست مسألة وجود فقط لإسرائيل، بل هي كذلك لنا جميعاً”، وفق تعبيره.

الاحتياجات الداخليّة للغرب وهمّ الصراع الدوليّ
يقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ”أساس” إنّ رفض اعتبار الدول العربية “حماس” إرهابية، “هذا شأنهم، ولا يمكنهم انتقاد “حماس” فقط في اللقاءات الخاصة، فيما الموقف مختلف أمام الجمهور. ونحن أيضاً يمكننا أن نلعب هذه اللعبة. فلدينا احتياجاتنا في المقابل ولا نريد أن نرى الجالية اليهودية في باريس تهجم على الجالية العربية في الضواحي”.
يضيف المصدر: “مهما كان تفكير المرء في شأن تاريخ هذا الملفّ وخلفيّة القضية الفلسطينية والأسباب العميقة للأزمة ووضع غزة… ونحن لسنا مسؤولين عمّا قام به نتانياهو، ولا عن عجز السلطة الفلسطينية ولا عن صمت العرب، ولا عن حقيقة أنّ سلاح “حماس” أفضل من سلاح الحزب. ما حصل مأساوي، وهو هجوم خطير على الغيتو الإسرائيلي يستحيل قبوله. يجب إدانته بمعزل عن أيّ شيء آخر. ولا يمكن القول إنّ إسرائيل سببه، وإدانة التعرّض للمدنيين (عموماً) غير كافٍ. ثمّ تأتي مسألة تجنّب مفاعيل تخطيط الإسرائيليين لدخول غزّة، حيث الأزمة ستزداد خطورة. وللحصول على نتائج لا يمكن القول إنّنا مع الفلسطينيين ومع الإسرائيليين”.
ويتابع: “الأهمّ بالنسبة إلينا بالإضافة إلى الوجه الشرق أوسطي لمفاعيل ما حصل، أنّ الوجه الداخلي مهمّ جداً ليس في فرنسا فقط، بل في غيرها مثل ألمانيا، وهذا مقلق. يضاف إلى ذلك دينامية الصراع الدولي بين الشمال والجنوب”.

يرى المصدر أنّه على الرغم من التنسيق الدولي “شهد مجلس الأمن انقساماً بين الدول الغربية في التصويت حتى على مشروع القرار البرازيلي مطلع الأسبوع: فرنسا أيّدته، أميركا ضدّه وبريطانيا امتنعت. وهذا يتطلّب القيام بخطوات محدّدة، ولم يكن ممكناً أن نقبل بتبييض صفحة فلاديمير بوتين في المشروع الروسي في وقت يضرب المدنيين في أوكرانيا”.

هدف فرنسا 3 نقاط ولا ذكر لوقف النار
هدف فرنسا (خلال جولة ماكرون وبعدها) من أجل كسر معادلة “إمّا نحن وإمّا هم” يمكن اختصاره بثلاث نقاط، بحسب المصدر الفرنسي:
– أوّلاً: الاعتراف بأنّ إسرائيل تلقّت ضربة رهيبة، تفرض ردّاً على “حماس” لتحييد ضررها، وهو أمر مختلف عن طموح إسرائيل بتدمير الحركة.
– ثانياً: خلق مساحة للقضية الإنسانية بهدف الإفراج عن الرهائن.
– ثالثاً: الإفادة من الأزمة من أجل الحلول بمجرد التطرّق للقضايا الإنسانية: “وهذا يحتاج إدانة واضحة وجليّة لحماس. ونحن نعمل على ذلك، عبر الربط بين الإدانة وبين معالجة الأسباب العميقة للصراع لإطلاق عملية السلام”.
يشير المصدر الفرنسي إلى أنّه “لا يمكن قول كلّ شيء في جملة واحدة. فمثلاً إذا حصل عمل تخريبي أو إرهابي في باريس لن نقبل أن يقال لنا: “ندينه إذا وافقتم على التعامل مع الجالية المسلمة بطريقة مختلفة”. لن نقبل بذلك”.

لا وقف لإطلاق النار
التغييرات في الرأي العامّ الفرنسي والغربي لم ترقَ إلى التأثير على الحكومات وصولاً إلى البحث في وقف إطلاق النار، الذي من الواضح رفضه علناً من المسؤولين الأميركيين وبعض الغرب، ومن إسرائيل حتماً. وهذا واضح من نتيجة القمّة الأوروبية أول من أمس، التي أقصى ما توصّلت إليه بعد الانقسام بين الدول الرئيسة (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا) المؤيّدة لإسرائيل ودول أخرى ترفض اندفاعتها العسكرية وآثارها الكارثية على المدنيين في غزّة، أن تحدّث البيان الختامي عن “ممرّات وهدنة إنسانية”. والمعطيات الدبلوماسية تفيد بأنّ كلمة “هدنة” أُدخلت في النصّ بشقّ النفس.

أما الإعلان عن موافقة مجلس الإتحاد الأوروبي على اقتراح إسبانيا عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، فيبقى موقفاً لفظياً في صياغة القرارت لتفادي الخلافات بين دول الاتحاد.
الإصرار الغربي عموماً على إدانة عربية ودولية لـ”حماس” يعني الغطاء السياسي لإسرائيل في عمليّتها العسكرية المزمعة لاقتحام غزة، التي تأجّلت في انتظار اكتمال الحشد العسكري الأميركي في المنطقة وفي الخليج، وفي انتظار الجسر الجوي التسليحي الذي أقامته واشنطن لضمان قدرة إسرائيل على مواجهة احتمال توسّع الحرب.

 

Exit mobile version