جوزفين ديب – أساس ميديا |
بعد غياب دام أكثر من عشرين يوماً، منذ بدء عملية طوفان الاقصى في السابع من أكتوبر، قرّر الأمين العام للحزب أن يكسر صمته، فاعلن عن خطاب سيُلقيه يوم الجمعة المقبل. ومنذ إعلانه هذا المرفق بفيديو له، وكأنه يخطو باتجاه معيّن، كثرت التحليلات حول مضمون وتوقيت الخطاب في وقت تحدّثت بعض المؤشّرات عن ثوابت يتعامل معها الحزب في هذه الحرب، تنطلق من الحرص على عدم استدراجه إلى حرب لن تكون بتوقيته وشروطه تحت شعار: أولوية المصلحة اللبنانية لأنّ الحرب إن حصلت ستكون حرباً اقليمية لا تقتصر على لبنان فقط.
عبد اللهيان للحزب: معركة أبعادها عالمية
في الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان وسوريا، كانت الرسالة واضحة كما أشارت مصادر مقرّبة من الحزب. فعبد اللهيان تحدّث عن هذه المعركة على أنّ أبعادها لا تقتصر على جبهة فلسطينية واحدة، أو اثنتين، فلسطينية ولبنانية، بل تحدّث عن معركة لها أبعاد كبرى تصل إلى الولايات المتحدة الأميركية التي دخلت الحرب منذ اليوم الأول. وبالتالي إنّ أيّ حركة من لبنان باتجاه إسرائيل يفترض أن تكون متناغمة مع المنطقة. الواقع أنّ ربط عبد اللهيان لبنان بسوريا والمنطقة، جعل لبنان محصّناً من الدخول في حرب مع إسرائيل على اعتبار أنّ المعادلة تحوّلت إلى حرب كبرى في الاقليم أو لا حرب خارج غزّة.
نصر الله: لبنان أولوية
لا يمكن لأحد أن يتوقّع بشكل دقيق مضمون كلمة الأمين العام للحزب يوم الجمعة. إلا أنّ التقاطعات حولها تتحدّث عن توقيتها على أنّ نصرالله انتظر قراءة معطيات المعركة في غزة، التقديرات العسكرية، مواقف الدول منها لا سيما الدول الكبرى كالمملكة العربية السعودية وتركيا التي خرج رئيسها في خطاب ناري دفاعاً عن حماس. ثم إنّ نصرالله انتظر في قراءة متأنّية لمدى تدرّج الوضع الأمني والعسكري في غزّة سيما مع الكلام عن غزو بريّ إسرائيلي، والحركة الدبلوماسية الضخمة التي حصلت في لبنان بالتوازي مع هذه الحرب. فقاوم نصرالله رغبة كبيرة كانت لدى بعض مسؤولي الحزب بالخروج بخطاب بعد عملية طوفان الاقصى مباشرة.
إنّ تروّي نصرالله هذا، على ما تقوله مصادر مقرّبة من الحزب يعود إلى إدراك أنّ لا مجال كبيراً للحركة بعدما اجتمعت قوى العالم في إسرائيل، ويعود إلى إدراك الحزب أنّ التروّي أفضل الطرق لتجنيب لبنان أيّ حرب أن يخرج منها سالماً.
وعليه تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب أنّ نصرالله لن يعلن حرباً، ولن يعلن سلاماً، بل سيتطرّق في كلمته إلى الحدود الجنوبية، ومدى اتساع رقعة الاشتباك، وحيثيات المعركة ومداها، سيما مع سقوط شهداء للحزب فيها.
الردّ على رسائل التهديد التي تصل إلى لبنان، وبأنّه سيتحوّل إلى غزّة في حال دخول الحزب في الحرب.
الردّ على مواقف الولايات المتحدة الأميركية ومساندتها العسكرية لإسرائيل مع وصول أساطيلها إلى المنطقة.
إدراك نتائج الحرب وعدم الرغبة بها إلا إذا فرضت على لبنان، فالحزب قادر أن يصيب إسرائيل في صميمها.
تحية إلى أهالي غزة الصامدين في أرضهم.
الإشادة بمقاتلي حماس وقدراتهم على خوض المعركة مع الإسرائيلي، ولو قرّر أن يتوغّل في غزّة .
قراءة السيد للمرحلة والمعركة وما لها وما عليها وإمكانية توسّعها.
بيئة الحزب : لا حرب إلا إذا كانت لزوال اسرائيل
انطلقت منذ أكثر من أسبوع سردية من أوساط مقرّبة من الحزب، تشرح أسباب عدم وجوب الدخول في حرب على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل. وفيها أنّ الحزب إن أراد الدخول في الحرب، فهو سيدخلها ليحقّق النصر الكبير بزوال كيان إسرائيل وتحرير فلسطين. ولهذه الغاية، يفترض أن يتشكّل تحالف عربيّ إسلاميّ في المنطقة لدعم الحرب الكبرى مع إسرائيل.
أما وأنّ الأمر لن يتحقّق، فإنّ الحزب لا مصلحة له بالدخول في أيّ حرب سيما وأنّ أساطيل الغرب، أميركية وبريطانية، وربّما غيرها لاحقا، تساند إسرائيل في حربها على غزّة.
وعلى طاولة الحزب بالإضافة إلى الخلفية الإقليمية التي تحكم أيّ قرار يتّخذه في الحرب والسلم، نقاش ومقارنة بين العام 2006، وواقع الحال اليوم، إذ تشير الإحصاءات التي خلصت إلى حجم الخسائر في حرب 2006 إلى أنّ الدعم العربي والدولي للبنان يومها استطاع أن يسدّ فجوة الدمار الذي سبّبته الحرب. أما اليوم، فالوضع مختلف تماماً، إذ تشير معطيات الحزب إلى أنّ الخسائر ستتخطّى خسائر الحرب الاخيرة، وأنّ المجتمع الدولي والعربي لن يكون مستعداً لمساعدة لبنان على النهوض كما فعل منذ ثمانية عشر عاماً. وبالتالي، فإنّ مقولة “عودة لبنان إلى العصر الحجري” في حال الدخول في حرب ليست كاذبة في نهاية المطاف.
وعليه، لم تكن صدفة أن يخرج المقرّبون من الحزب على المنابر الإعلامية للتحدّث عن ضرر الحرب في هذه المرحلة، أكثر من فائدتها. تماماً كما هو كلام الحزب الواضح الصادر عن نوّابه بأنّ الحزب يعطي الأولوية لمصلحة لبنان.