أعلن الحوثيون أمس رسمياً، للمرة الأولى، الوقوف خلف استهداف إسرائيل بمسيّرات وصواريخ عبر البحر الأحمر، في خطوة من شأنها أن توسع دائرة الجبهات المرشحة للاشتعال لا سيما مع التسريبات الإسرائيلية عن دراسة الرد على الحوثيين الذين يحشدون منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بما في ذلك عبر إجراء سلسلة مناورات عسكرية باسم “طوفان الأقصى”، وهو ذات الاسم التي أطلقته “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة حماس، على عمليتها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وجاء تبني الحوثيين للهجمات في وقت شهد أمس الثلاثاء إسقاط مسيّرتين، وسط تأكيد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي أن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين على إسرائيل “لا تُحتمل” لكنه أحجم عن تقديم تفاصيل عندما سئل عن الرد الإسرائيلي المحتمل.
وأتى الاعتراف الأول على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال التابعة للحوثيين غير المعترف بها دولياً عبد العزيز بن حبتور الذي أعلن أن الحوثيين أطلقوا مسيّرات نحو إسرائيل رداً على العدوان المتواصل على قطاع غزة.
وقال بن حبتور، لوكالة “فرانس برس” رداً على سؤال بشأن إطلاق مسيّرات في اتجاه إيلات في جنوب إسرائيل، إن “هذه المسيّرات تابعة للجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء” التي يسيطر عليها الحوثيون.
وأضاف: “نحن جزء من محور المقاومة. إننا نشارك بالقول وبالكلمة وبالمسيّرات”. وأشار إلى أنه “محور واحد وهناك تنسيق يجري وغرفة عمليات مشتركة وقيادة مشتركة لكل هذه العمليات”، مؤكداً أنه “لا يمكن أن نترك لهذا العدو المتغطرس الصهيوني أن يقتل أهلنا بدون رقيب”.
وأعقب ذلك تأكيد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، أن الجماعة أطلقت دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة، وعدداً كبيراً من الطائرات المسيّرة على أهداف مختلفة للاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف في تسجيل مصور أن هذه العملية هي الثالثة “نصرة لإخواننا في فلسطين… ومستمرون في تنفيذ المزيد من الضربات النوعية”. وتوعد الحوثيون بـ”تنفيذ المزيد من الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيّرة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي”.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن، في بيان أمس الثلاثاء، أنه أسقط “هدفاً جوياً” كان يقترب من إيلات. وبعد تحذير أولي من احتمال “تسلل طائرة معادية”، قال الجيش، في بيان، إن “أنظمته رصدت هدفاً جوياً يقترب من الأراضي الإسرائيلية”. وأضاف: “لم يكن هناك أي تهديد أو خطر على المدنيين”.
وفي وقت لاحق، أفاد جيش الاحتلال بأن “سلاح الجو أحبط تهديداً جوياً في منطقة البحر الأحمر، وأنه لأول مرة منذ بداية الحرب نُفذ اعتراض عملياتي من خلال منظومة “سهم – حيتس” الدفاعية للمدى الطويل”.
وأوضح الجيش الإسرائيلي في بيانه أنه “تم اعتراض صاروخ أرض أرض أطلِق باتجاه إسرائيل من منطقة البحر الأحمر من خلال منظومة السهم-حيتس للمدى الطويل. وتابعت منظومات الرصد التابعة لسلاح الجو مسار الصاروخ حيث تم اعتراضه بنجاح في التوقيت والموقع العملياتي الأنسب”.
وأضاف البيان: “كما تم استنفار طائرات الجيش الاسرائيلي في ساعات الصباح عقب رصد تهديد جوي في منطقة البحر الأحمر حيث اعترضت أهدافًا معادية حلقت في المنطقة. تم اعتراض جميع التهديدات خارج الأراضي الإسرائيلية ولم يتم رصد أي خرق للسيادة الإسرائيلية”. من جانبها، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الصاروخ أطلق من اليمن.
في موازاة ذلك، نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة، أمس الثلاثاء، قولها إن الجيش السعودي دخل في حالة تأهب قصوى إثر اشتباكات دامية مع الحوثيين في محافظة جازان على الحدود مع اليمن، والذين حاولوا إطلاق صاروخ فوق الأراضي السعودية لاستهداف إسرائيل. ووفق ما جاء في تقرير الوكالة، فإن قوات الدفاع السعودية تمكنت من اعتراض صاروخ فوق الأراضي السعودية أطلقه الحوثيون خلال الأسابيع القليلة الماضية.
مناورة عسكرية للحوثيين
وتأتي هذه التطورات مع إعلان الجماعة، الأحد الماضي، عن بدء سلسلة مناورات عسكرية باسم “طوفان الأقصى”، وهو ذات الاسم الذي أطلقته “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة حماس، على عمليتها في 7 أكتوبر الماضي.
ونفذت “قوات الدعم والإسناد” لدى الحوثيين، الأحد الماضي، مناورة عسكرية، تم فيها استخدام الذخيرة الحية وطوافة، حاكت فيها الطرق التي استخدمتها “كتائب القسام” في اقتحام السياج الحدودي في غلاف غزة.
وقال قائد “قوات الدعم” اللواء قاسم الحمران، خلال المناورة بحسب وكالة “سبأ” التابعة إلى الحوثيين، إن “هذه المناورة تأتي في وقت تواجه فيه غزة أبشع عدوان عرفته البشرية”.
وأضاف: “في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة الإسلامية بشكل عام وما يتعرض له شعب فلسطين من عدوان غاشم وهجمة بربرية إسرائيلية، فإن كتائب الدعم والإسناد على أتم الجهوزية لمواجهة تلك الأخطار والتحديات ومساندة المجاهدين في غزة”.
واعتبر أن “مناورة طوفان الأقصى قطرة من فيض”، مضيفاً أن “مناورة هذه الكتائب اليوم (الأحد الماضي) تعتبر رسالة للعدو الصهيوني وأذنابه في الداخل والخارج بالجهوزية التامة والحضور الفاعل لأي مواجهة يتطلبها الميدان في أي مكان وزمان”.
وفي 19 أكتوبر الماضي، نفذت “قوات الدعم والإسناد”، بحسب “سبأ”، مسيراً لعناصر فيها، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، قطعوا مسافة 100 كيلومتر، بدءا من مديرية نهم في صنعاء وصولاً إلى محافظة الجوف شمال شرق اليمن، وهي منطقة صحراوية واسعة، يجري فيها الحوثيون، في العادة، المناورات العسكرية.
وظهرت “قوات كتائب الدعم والاسناد”، المرتبطة بزعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، رسمياً في العام 2020، وهي عبارة عن قوة احتياط توكل إليها مهام قتالية في جبهات غير محددة النطاق الجغرافي.
هدف الحوثيين تأطير الحشد الشعبي عسكرياً
وقال الباحث العسكري اليمني علي الذهب، لـ”العربي الجديد”، إن الهدف من تلك “القوات هو تأطير أي حشد شعبي عسكرياً في أي لحظة”، موضحاً أن “قوات الدعم والإسناد” هي “عبارة عن قوات احتياط، ونظامها غير رسمي، وتتحرك كمليشيات، وتعتمد على الحشد المفاجئ بلا تأطير رسمي”.
وكان الحوثيون أعلنوا، الأحد الماضي، تدشين العمل باللجنة العليا للحملة الوطنية لنصرة الأقصى. وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين مهدي المشاط، خلال التدشين إن “اللجنة ستتحرك على المستويين الرسمي والشعبي لاحتواء طاقات هذا الشعب، وتوجيهها لصالح القضية الفلسطينية”.
وأضاف: “هناك غرف عمليات مشتركة وجهود تراقب وتعمل لمواجهة أي حماقة صهيونية باقتحام غزة، ونحن نراقب الوضع عن كثب”. وتابع: “موقفنا واضح، إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني، كامل السيادة، ولا نعترف بالـ 48، ولا بالـ67، بل بدولة فلسطينية كاملة السيادة على كامل التراب الفلسطيني”.
ورغم حالة الانقسام التي أفرزتها الحرب في اليمن خلال تسع سنوات من الحرب، إلا أن غالبية المحافظات اليمنية شهدت خلال الأيام الماضية تظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني وتنديداً بجرائم الإبادة التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة.
هجمات صاروخية وبالمسيرات
وخلال الأسابيع الماضية، اتُهم الحوثيون بمحاولة شن هجمات على إسرائيل. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في بيان في 19 أكتوبر الماضي، اعتراض البحرية الأميركية ثلاثة صواريخ “كروز” ومسيرات أطلقت من اليمن، و”ربما كانت متجهة نحو إسرائيل”.
من جانبه، أعلن متحدث عسكري مصري، في بيان في 28 أكتوبر الماضي، أنه “في إطار متابعة نتائج التحقيقات الجارية بمعرفة اللجنة المختصة في حادثتي سقوط جسم غريب بنويبع وطائرة موجهة بدون طيار بطابا، وبتحليل وجمع المعلومات، أكدت نتائج التحقيقات أن طائرتين بدون طيار كانتا متجهتين من جنوب البحر الأحمر إلى الشمال، حيث تم استهداف إحداهما خارج المجال الجوي المصري بمنطقة خليج العقبة، ما أسفر عن سقوط بعض حطامها بمنطقة غير مأهولة بالسكان بنويبع، إضافة إلى سقوط الأخرى بطابا”.
ووفق تقديرات إسرائيلية، فإن الحوثيين يمتلكون صواريخ باليستية فعالة، من طراز “قدس 2” و”قدس 3″، يتراوح مداها من 1300 إلى ألفي كيلومتر، ويمكنها إصابة أهداف في إسرائيل، التي تبعد عن اليمن بنحو 1500 كيلومتر.
وبحسب “مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب على اسم اللواء مئير عميت”، وهو مركز إسرائيلي، فإن الحوثيين يمتلكون ترسانة ضخمة من المسيرات التي يمكنها الوصول إلى إسرائيل، مثل “صماد 3″، التي يصل مداها من 1500 إلى ألفي كيلومتر، و”صماد 4” التي يزيد مداها عن ألفي كيلومتر. كما أن لديهم أيضًا مسيرات انتحارية من طراز “شاهد 136” إيرانية الصنع.
وتزداد المخاوف الأميركية من توسع الحرب في غزة إلى الإقليم، ودخول أطراف من الجماعات الموالية لإيران، في لبنان والعراق واليمن، فيها. وكان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أكد، في 10 أكتوبر الماضي، “جهوزية اليمن للمشاركة بالقصف الصاروخي وبالمسيّرات، وبأي خيارات عسكرية أخرى، إذا تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر في العدوان الإسرائيلي على غزة، أو قام الاحتلال باجتياح بري للقطاع”.
الحوثيون يرسخون أنفسهم في “محور المقاومة”
ورأى الباحث اليمني في الشؤون الإيرانية، عدنان هاشم، أن “الحوثيين يرسخون أنفسهم بشكل أكبر في محور المقاومة، والوقت مناسب الآن لإثبات أيديولوجية الجماعة التي تواجه الغرب والاحتلال الإسرائيلي”. وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”: “يمتلك الحوثيون القدرة على مهاجمة إسرائيل والتأثير على نشاط ميناء إيلات. وأعتقد أن الأمر سيكون مرتبطاً بمدى مشاركة حزب الله في الحرب الحالية”.
من جانبه، اعتبر الباحث العسكري علي الذهب أن “الجماعات المسلحة الموالية لإيران، في العراق وسورية واليمن، ستشارك في الحرب إذا دخلها حزب الله”. وأضاف، لـ”العربي الجديد”: “سيبدأ نشاطها في إطار استهداف المصالح الأميركية والدول التي تنخرط في الحرب”.