وسط التصعيد العسكري الذي يشهده جنوب لبنان، مواكبةً لخطاب أمين عام حزب الله المرتقب اليوم الجمعة، نشرت شبكة “سي إن إن” الأميركية تقريراً لمجتمع الاستخبارات الأميركي، يتحدث عن أرجحية تجنب إيران وحزب الله في المرحلة القريبة لحربٍ مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، لتفادي التكاليف الباهظة التي قد يدفعانها في حربٍ مماثلة. مع طرح تساؤلاتٍ حول حدود قدرة طهران على ضبط سلوك حلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله.
ما حدود قدرة إيران على كبح حزب الله؟
هذا الاستنتاج الذي يستبعد توسع رقعة الحرب بشكلٍ عنيف أقلّه في المرحلة الحالية، يتزامن مع إدراك الولايات المتحدة، حسب الشبكة الأميركية، بأن إيران لا تحتفظ بالسيطرة الكاملة على وكلائها، وخصوصاً حزب الله، الأكبر حجماً والأكثر قدرة بين أذرعها المختلفة.
في هذا الإطار، يقول جوناثان بانيكوف، وهو مسؤولٌ كبير سابق في المخابرات الأميركية: “المشكلة التي تواجهنا في التقييم تكمن بأن الوكلاء لا يحترمون طهران بشكلٍ متساوٍ، فلا يمكن توقع أن يكون رد فعلهم متساوياً. وهنا يُطرح السؤال: إذا ما ظهرت حماس وكأنها حقاً في ورطة، فهل سيتوصل حزب الله وإيران إلى اتفاقٍ يشن الحزب بموجبه هجوماً واسع النطاق لإنقاذ حماس، أم أنهما سيختلفان؟ لا أعتقد أننا نعرف جواباً بعد”.
وتعقيباً على ذلك، نوّه مسؤولٌ أميركي، طلب من الشبكة الأميركية عدم الكشف عن هويته، بأن طهران تعلم أن قيام حزب الله بتصعيد الصراع مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، من شأنه أن يثير هجمات مضادة مباشرة ضدها وقد تكون مدمرة.
الاستعداد للتصعيد
وتشير الشبكة الأميركية إلى تحذير الكثير من المسؤولين الأميركيين، بأن الاستراتيجية المتبعة بين إيران وحلفائها يمكن أن تأتي بنتائجٍ عكسية بطرقٍ تؤدي إلى انتشار الصراع، حتى لو لم يرغب أي من الأطراف في ذلك. وهنا، تذكّر الشبكة بما قالته كريستي أبي زيد، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي يوم الثلاثاء الماضي، حين قالت “الاستراتيجية المتبعة بين حلفاء إيران هي عبارة عن خطٍ رفيع للغاية يجب السير عليه. وفي السياق الإقليمي الحالي، فإن تصرفاتهم قد ينتج عنها سوء التقدير”.
وتنقل الشبكة عن أحد المسؤولين في المخابرات الأميركية قوله أن مسؤولي المخابرات سيتابعون بدقة خطاب نصرالله، لاستخلاص الإشارات حول نوايا حزبه في المقبل من الأيام. فيما ترجح الشبكة أن تكون سلسلة مقاطع الفيديو التشويقية التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي قبيل إطلالة نصرالله، كمؤشر على استعداد الحزب لتصعيد القتال ضد إسرائيل.
وحسب الشبكة، تصرف حزب الله بقدرٍ من ضبط النفس على الرغم من امتلاكه ترسانة تصل إلى 150 ألف صاروخ، إضافةً إلى ذخائر دقيقة التوجيه، مكتفياً بتبادل الصواريخ ونيران المدفعية مع إسرائيل عبر الحدود. ولكن مع استمرار المجازر الإسرائيلية، قد يجد الحزب إياه نفسه عالقاً بين خيارين متناقضين، الحفاظ على شرعيته كمعقل للمقاومة ضد إسرائيل، وعدم جر لبنان إلى حربٍ مدمرة محتملة.
درجات متفاوتة من الاستقلالية
وبناءً على ما تقدم، يقول بعض المحللين الاستخباراتيين للشبكة الأميركية، بأن طهران نفسها تواجه معضلة مماثلة، والتي تبرز في مواقفها المتناقضة. إذ أنها أشادت بالهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول على إسرائيل، لكن مسؤوليها يقولون اليوم علناً بأنهم لا يسعون إلى توسيع نطاق الحرب ويحذرون من خطر تفاقم الوضع. ويستعرض التقرير الذي في متناولنا، تصريح لوزير الخارجية الإيراني لشبكة “سي إن إن” في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، جاء فيه “لا نريد أن تتوسع هذه الحرب. إنّ ربط أي استهداف للمصالح الأميركية من قبل أي مجموعة، وأي هجوم يتم تنفيذه في المنطقة، بجمهورية إيران من دون تقديم أي دليل، هو أمرٌ خاطئ تماماً. إنهم لا يتلقون أوامر منا. إنهم يتصرفون وفق مصالحهم الخاصة”.
وعن سلطة إيران على حلفائها وحجم تحمكها بمجريات الأمور على الأرض، نقلت الشبكة التصريح التالي لأحد المسؤولين الأميركيين “نظراً لأن الحوثيين وحزب الله اللبناني يحصلان على أسلحتهما الأكثر تقدماً كالطائرات من دون طيار، وصواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، وما إلى ذلك، من إيران، فهذا دائماً سيكون بمثابة حافز قوي لمواصلة اتباعهما التوجيهات الإيرانية”.
بَيد أن الشبكة الأميركية تعود لتستدرك قائلةً بأن المجموعات الموالية لطهران تحافظ على درجات متفاوتة من الاستقلالية. فالحوثيون في اليمن، يتمتعون بقدرٍ لا بأس به من الاستقلالية عن طهران. أما في العراق وسوريا، حيث توفر إيران الجزء الأكبر من الدعم لسلسلة من الجماعات، التي تركز جميعها على إخراج الوجود الأميركي، أصبحت سلطة إيران أكثر قوة.