في خضمّ الانفجار الإقليمي المنبعث في غزة والمتشظي إلى لبنان والمنطقة، وجد «حزب الله» الوقت الكافي لإدارة مناورة سياسية مركّبة لحلفائه أوصل من خلالها رسالة مفادها أنّه ضدّ التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، مهدِّداً المؤسسة العسكرية بالفراغ في ظروف لا يمكن لأحد تقدير حقيقة المخاطر التي قد تنجم عنها، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة حول ما يريده «الحزب» في ملف الجيش وما يمكن أن يصل إليه هذا المسار على المستويين القيادي والاستراتيجي وعلى صعيد تماسك الوضع الأمني في البلد.
في قلب الأزمة، وبينما الأنظار مشدودة إلى غزة، فاجأ النائب جبران باسيل الوسط السياسي بغارات مباغتة اتخذت شكل جولة على المرجعيات السياسية والكتل النيابية كانت أهم محطاتها، بل ربما كانت الغاية منها، ذلك اللقاء الذي جمع باسيل بسليمان فرنجية في بنشعي حيث خرج الحليفان اللدودان بموقف موحد رافض للتمديد للعماد جوزاف عون في القيادة، بعد محاولات من باسيل تمرير فكرة تعيين مجلس عسكري ورئيس أركان ضمن محاصصة تضمن له تجاوز رئيس الجمهورية المقبل في مسألة تعيين قائد الجيش وسائر مواقع المؤسسة العسكرية.
كان من عجائب فريق «حزب الله» الرئاسية ذلك اللقاء القسري القهري بين نجمي الدراما الرئاسية وصاحبَي العشق الرئاسيّ الممنوع، ذلك أنّ جبران أسرّ لبعض النواب السنة الذين التقاهم أنّه لا يمكن أن يوافق على دعم فرنجية بأيّ شكلٍ من الأشكال وأنّه يجب الذهاب إلى خيار ثالث يكون مقبولاً من مجمل الطيف السياسي اللبناني، بينما حاولت أوساطه إيهام بعض القريبين من فرنجية أنّ رئيس «التيار الوطني الحرّ» أصبح قريباً من دعمه زعيم «المرده» في إطار تفاهم مع «الحزب».
لم يترك «حزب الله» فرصة لتظهير موقفه السلبي من ملء الفراغ العسكري إلّا وانتهزها، وهو بذلك يثبت مرة جديدة للبنانيين أنّ معاييره مختلفة عن معاييرهم ومواقيته لا تلتقي مع مواقيتهم القانونية والدستورية، وأنّه يعمل على أساس مراكمة الفراغ في المؤسسات الشرعية، وعلى ملء فراغها بالتلاعب والتعيينات التي لا تراعي أصول أعمال هذه المؤسسات، ولا يعنيه ما يمكن أن ينتج عن ذلك من خراب واضطراب في هذه المواقع.
المريب في كلّ هذا أنّ تعامل العماد جوزاف عون مع ملفات «الحزب» كان أكثر من جيد باعتراف قياديين فيه، فالقضية ليست شخصية، وليست افتقاراً للضمانات ولا مخاوف من الطعن في الظهر، بل الخشية أن تكون الرؤية لدى «الحزب» تقضي بتفكيك البُنية القيادية في الجيش اللبناني وإدخال التعديلات الاستراتيجية عليها بفرض الأمر الواقع، ويذهب بعض المتابعين لتوجهات «حزب الله» في موضوع قيادة الجيش إلى التوجس والتأبّط شرّاً مما يجري الآن في هذا المجال، خاصة أنّ الفراغ كبير وشامل لجزء هام من القيادة العسكرية، ويسأل هؤلاء: هل يسعى «حزب الله» إلى تفكيك وضرب تماسكه وصموده في عزّ الأزمات؟
يخشى الكثيرون من تكرار تجربة العراق في لبنان لجهة تقوية وضع الميليشيات الإيرانية وإضعاف الجيش وإفقاده عناصر القوة والوحدة، والوضع اللبناني بات نسخة شبه متطابقة عن الحالة العراقية، خاصة أنّ الإمرة فيهما لطهران ومشروعها المتمادي، وما يزيد الأمور سوءاً أنّ فتح المعركة ضدّ ملء الفراغ في قيادة الجيش جاء في قلب «طوفان الأقصى» وقبل انقشاع غبار هذه المواجهة الهائلة في غزة، وكأنّ «الحزب» يريد تمرير قرارات بأهمية مصير قيادة الجيش في قلب هذه العاصفة وتداعياتها، فيقطف في بيروت ما قد يكون خسره في فلسطين.