ومثل مجالات عديدة أثبتت فيها إسرائيل أنها «دولة حارس ليلي»، كما وصفها بعض المحلّلين والمعلّقين الإسرائيليين الذين انتقدوا أداءها في رعاية الجبهة الداخلية، ظَهرت مشاكل كثيرة وفوضى في الفنادق التي جرى الإخلاء إليها؛ ففي أحدها في مدينة إيلات، اندلع شجار لفظي بين مستوطني «سديروت»، الذين أُجلوا على نفقة الدولة، ومستوطني «نتيفوت» الذين سدّدوا ثمن إقامتهم الجديدة من جيوبهم. كما اشتكى مستوطنو مستوطنات «غلاف غزة» من أنهم اضطرّوا إلى السفر لساعات طويلة إلى شمال فلسطين المحتلّة في بعض الأحيان، من أجل حضور جنازات معارف أو أقرباء لهم سقطوا في الحرب. كذلك، نقلت الصحيفة عن أصحاب شقق أُجّرت لمستوطنين أخلوا منازلهم، قولهم إن «المستأجرين قرّروا ترك الشقق والعودة إلى بيوتهم»، الأمر الذي دفع أصحاب هذه الشقق إلى إعادة طرحها للإيجار.
وفي وقتٍ سابق، تلقّت «لجنة مراقب الدولة»، برئاسة عضو «الكنيست»، ميكي ليفي، مراجعة شاملة من المسؤولين الحكوميين، ورؤساء السلطات المحلّية المسؤولين عن خطط إخلاء سكان الشمال والجنوب خلال الحرب. وفي أثناء مداولات عقدتها اللجنة، تبيّن أنه على الرغم من «الميزانيات الكبيرة» التي حوّلتها الحكومة إلى الجهات المضيفة للمستوطنين، لا يزال هناك قصور في العديد من المجالات، وأن من جرى إخلاؤهم يعتمدون على المبادرات الاجتماعية والمنظّمات التطوعية، حيث لا تُقدِّم لهم السلطات الإسرائيلية حلاً شاملاً. وعن هذه المداولات، تبيّن، وفق صحيفة «معاريف»، أن «ثمة حالة من الفوضى والاضطراب في الفنادق، تبدّت في عدم افتتاح أطر تعليمية للجميع، وفي عدم تلبية جميع الاحتياجات التي يطلبها المُخلَون». وفي هذا الإطار، قال مدير شعبة الأمن في «مكتب مراقب الدولة»، إيتان دهان، عقب جولة أجراها على الفنادق المضيفة، إن «من تمّ إجلاؤهم يفتقرون إلى الأطر التعليمية لأولادهم»، مشيراً إلى أن «المرحلة الأولى من الإخلاء كانت أفضل من الموجة الثانية، وخصوصاً لمستوطني الشمال». ولفت إلى أن «المخلَين من كريات شمونة، وُزّعوا على فنادق في مناطق مختلفة، في مقدّمها طبريا، ولكن كان هناك أشخاص سافروا لمدّة ثماني ساعات للوصول إلى فنادق في إيلات، وببساطة عندما وصلوا لم يعرفوا أين يجب عليهم أن يتوجّهوا أو أين سيقيمون»، مضيفاً إن «المستوطنين الحريديين أُخلوا إلى فنادق ليست حلالاً وفقاً للشريعة اليهودية».
من جهتهم، تحدّث ممثّلو السلطات المحلّية، خلال الجلسة، عن مشاكل كثيرة لم يتمّ حلّها بشكل جذري بعد، قائلين إنه «بعد جولات قاموا بها على الفنادق، وجدوا أن احتياجات المخلين تُلبّى من خلال متطوعين ومبادرات مدنية، وأن هؤلاء هم مَن يقدّمون لهم أغراض النظافة الشخصية، وأغذية الأطفال، وغسيل الملابس، لا مؤسّسات الدولة». أمّا بالنسبة إلى البلدات الفلسطينية المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان، فتقع في آخر سلّم أولويات الحكومة الإسرائيلية؛ إذ قال سكرتير المجلس المحلي في حرفيش، فرح سباك، إنه حتى الآن لم تُخلَ القرية، حيث من المفترض أن تُخلى من 800 عائلة من أصل 1300 عائلة تعيش في البلدة الفلسطينية الدرزية، غير أن الحكومة كشفت عن نيّتها إخلاء هؤلاء إلى مدرسة، وهو ما لم تقبله البلدية. وبالعودة إلى رئيس «لجنة مراقب الدولة» في «الكنيست»، فهو اعتبر أن السلطات الإسرائيلية تتعامل حالياً مع إجلاء عشرات الآلاف، من الشمال والجنوب، مشيراً إلى أن «السلطات المحلّية أثبتت قدرتها على تلبية احتياجات المخلَين أكثر من مؤسسات الدولة المعنية». وطالب بأن تتلقّى لجنته من جميع الهيئات التحقيقات التي تقوم بها هذه الأخيرة للوقوف على أوجه القصور، «من أجل الخروج بخطّة عمل مستقبلية».
في السياق نفسه، نقل موقع «واينت» عن أفراد عشرات العائلات التي أُخليت من الشمال إلى فندق «إل هيام» (إلى البحر) في نتانيا، قولها إن «الفندق لا يقدّم لهم ثلاث وجبات، كما وُعدوا، ومستوى الخدمات الفندقية متردٍّ جداً، وذلك على الرغم من أنه مسجّل في اتحاد فنادق إسرائيل، وتدفع الحكومة تكلفة الإقامة للكبار والصغار فيه (حوالي 100 دولار للكبار، و50 دولاراً للصغار) في إطار خطّة الإخلاء التي أقرّتها سلطة الطوارئ القومية، في وزارة الأمن». وقال المخلون، في حديث إلى الموقع، إن «الفندق يقدّم لنا فقط غرفة مع أسرّة وحوض استحمام، وباستثناء ذلك لا يقدّم لنا أي شيء آخر. لقد اشتكينا ولم يفعلوا شيئاً حيال شكوانا. الطعام الوحيد الذي يصلنا هو من نساء متطوّعات في المدينة. الغرف لا يتمّ تنظيفها، ولا يبدّلون لنا الشراشف. كما أن سلال القمامة مليئة ولا يجمعونها»، والسبب أن الأموال التي يتلقّاها الفندق «لا تكفي لغير إقامتنا».
وكانت سلطة الضرائب قد قرّرت، ليل الخميس – الجمعة، صرف منحة لمساعدة المستوطنين الذين أُخلوا من «غلاف غزة»، بلغت قيمتها الإجمالية 56 مليون شيكل، موزّعة على 26 ألف عائلة، بحيث يحصل كلّ فرد على ما قيمته 1000 شيكل (حوالي 220 دولاراً) شهرياً، الأمر الذي اعتبره معلّقون إسرائيليون «عاراً» و«بخلاً»؛ إذ لا يكفي هذا المبلغ، بحسبهم، «لشراء سندويشات الفلافل والبيبسي لبضعة أيام». وعلّق آخرون، بالقول: «ما الذي ستفعله عائلة بـ 5000 شيكل شهرياً؟ أين المليارات؟ فَلْتعيدوها من الحريديم (في إشارة إلى الميزانيات الحكومية التي مُرّرت للأحزاب الحريدية)… فَلْتعيدوا الأموال التي صرفتموها على وزارات لا حاجة لها أيها الفَشَلَة».