لبنان في حالة حرب مع العدو الاسرائيلي، سابقه للحرب الصهيونية على عزة، ولم تعد اتفاقية الهدنة التي عقدت بين لبنان والعدو الاسرائيلي عام 1949 نافذة، بل هي سقطت مع سلسلة الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، سواء في قضم اراضيه، او احتلاله للقرى السبع وضمها الى الكيان الصهيوني الغاصب، ثم في منع لبنان من الاستفادة من ثروته المائية في نهري الليطاني والوزاني، وفي منع عودة النازحين الفلسطينيين الى ارضهم وفق القرار 194 الصادر عن الامم المتحدة.
ولم يقرر لبنان التوسع باتجاه فلسطين المحتلة، بل هو العدو الاسرائيلي صاحب مشروع قيام “اسرائيل الكبرى”، وكان يريد حدود دولته المزعومة، ان تصل الى حدود نهري الاولي قرب صيدا، وهذا ما يؤكد ان “اسرائيل” هي من اعلنت الحرب على فلسطين اولاً باغتصاب اجزاء منها في العام 1948، ثم في التوسع بعد حرب حزيران 1967، وضم الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان الى كيانها الغاصب، وبناء المستوطنات، وفتح باب الهجرة اليهودية، الى “ارض التوراة” المسماة “ارض الميعاد”، التي وعد يهوه اله اليهود شعبه المختار فيها، وفق مزاعم تلمودية واساطير توراتية.
فـ “اسرائيل” هي لديها المشروع الجغرافي الاستيطاني، وبدأت بتنفيذه منذ اكثر من قرن، مع المؤتمر الصهيوني الذي انعقد بالعام 1897، ثم وعد بريطاني من وزير الخارجية ارثر بلفور الذي اعطى قبل 106 سنوات فلسطين وطناً لليهود، الذي نشأ في عام 1948، حيث كان الصهاينة ينفذون مشروعهم، تقابلهم خيانات من حكام عرب، وتخاذل من جيوش عربية، ادت الى نكبة فلسطين، ثم الى نكسة حزيران 1967، وخسارة المزيد من الارض، وفشل تحريرها في حرب تشرين 1973.
فمع الهزائم للانظمة العربية وجيوشها، وتواطؤ حكامها مع المشاريع الاميركية والصهيونية والغربية، ظهرت المقاومة الفلسطينية، التي لها ارث منذ ثلاثينات القرن الماضي فاعادت فلسطين الى الذاكرة، لا سيما بعد هزيمة حزيران 1967، وحضرت في الساحة الدولية، ولاقت اصدقاء لها في العالم كقضية حق لشعب لجأ الى الكفاح المسلح ليستعيد ارضه ويعود اليها، وهذا ما ترك رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ان يخطب من على منبر الامم المتحدة عام 1974 حاملاً البندقية بيد وغصن الزيتون بيد، وعندما قرر التخلي عن البندقية، وتقدم الى السلام مع العدو الاسرائيلي في “اتفاق اوسلو” في ايلول 1993، فلم يحصل عليه، فاقام سلطة لا دولة عاصمتها القدس الشرقية، واستمر بناء المستوطنات باستقدام اليهود من العالم عبر هجرات منظمة من الحكومات الاسرائيلية، التي ارادت من “ابو عمار” ضمان امن “الدولة العبرية”، ووقف العمل المقاوم، ولم يتقدم الراعي الاميركي “للسلام” لتنفيذ الاتفاق، بل سمح “لاسرائيل” بقضم الاراضي الفلسطينية ومصادرتها، وبناء جدار عنصري فاصل، حيث يكشف قيادي فلسطيني مناهض “لاتفاق اوسلو”، ان سياسة التنازلات، ومنها التنازل عن البندقية، هي التي اوصلت منظمات فلسطينية للعودة الى المقاومة لانها الطريق الوحيد للتحرير، والوقوف بوجه جرائم العدو الاسرائيلي، وتوقيت حربه.
من هنا، فان المقاومة كاسلوب ونهج، تقدمت على نموذج “السلام” الذي لم يكن مقابل الارض، بل الاستسلام، وقد شكل لبنان نموذجاً بمقاومته، للاجتياح الاسرائيلي في حزيران عام 1982، فحرر ارضه في العام 2000، بدون “اتفاق سلام”، ولا قيد او شرط، وهذا ما لم يحصل في دول عربية اخرى احتلت ارضها، ومنها فلسطين.
لذلك كان تشديد الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته بتكريم الشهداء الذين سقطوا في مواجهة العدو الاسرائيلي عند الحدود مع فلسطين المحتلة، لمساندة غزة في صمودها بوجه العدوان الاسرائيلي، على اظهار اسباب المقاومة، لا سيما عملية “طوفان الاقصى”، التي كسرت الغرور الاسرائيلي، ونظرية “الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر”، وان حركة “حماس” بما تمثل وفصائل فلسطينية معها، اعطوا للمعركة عنوانها الاساسي، وهو فك اسر فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، ومعه يحرر الاسرى، ولا تدنس المقدسات الدينية، وتقف الجرائم الاسرائيلية والمجازر، كما تتوقف هجرة اليهود الى فلسطين لبناء المستوطنات عليها.
فالحرب تقوم بها “اسرائيل” منذ العام 1948، وحققت فيها اطماعها، لكن المقاومة تعمل لردع العدو الاسرائيلي سواء في فلسطين او لبنان، وهذا ما اعطى للصراع بعده الجغرافي في وحدة ساحات المقاومة، التي لكل منها ظروفها، وهذا ما تحدث عنه السيد نصرالله، الذي اكد على مشاركة المقاومة في لبنان، باستنزاف العدو الاسرائيلي على جبهة طولها اكثر من 100 كلم، وادى عملها العسكري الى تخفيف الضغط عن غزة، التي اذا تطورت الاوضاع العسكرية فيها، فان “جبهة الجنوب” تتوسع فيها المواجهة المربوطة ايضاً، بمغامرة عسكرية قد يلجأ اليها العدو الاسرائيلي تجاه لبنان.
فتوسيع الحرب في لبنان له شرطان اساسيان، وفق السيد نصرالله الذي كان كلامه فعلاً “الغموض الصريح”، حيث اعاد التذكير بالرد على كل مدني لبناني يقتل بآخر اسرائيلي، لان المعركة الان هي معركة مواقع عسكرية، مساندة للمقاومة في فلسطين.
وان دعوة اطراف سياسية لتطبيق القرار 1701، فهو اوقف اعمالاً عسكرية، وليس الحرب، ولبنان في حرب مع العدو الاسرائيلي، الذي تردعه مقاومة مع جيش وشعب، فاثبتت هذه المقولة صحتها في الميدان.