غزة | في اليوم السابع والثلاثين على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبعد ثلاثة أيام حفلت بقصف جوي كان الأعنف منذ بدايتها، استمرّت قوات الاحتلال في تخبّطها، من دون أن تستطيع الإعلان عن أيّ إنجاز ميداني. إذ لم تتمكّن من منع هجمات المقاومة عند نقطة بداية الهجوم البري قبل أكثر من أسبوعين، وتدميرها للدبابات المتوغّلة، وإطلاقها للصواريخ في اتجاه المدن والمستوطنات الإسرائيلية، على رغم أن دبابات العدو نفّذت عدة خروقات وصلت خلالها إلى بعض الأحياء المدنية في وسط شمال غزة، فضلاً عن خروقات أخرى في غرب مدينة غزة، بالقرب من مراكز المدينة قرب «مستشفى الشفاء»، وعلى بعد عدة مئات من الأمتار من مقر المجلس التشريعي الفلسطيني.
واستمرت هجمات «كتائب القسام» في المربّع الذي بدأت فيه الحرب البرّية، أي في أقصى شمال القطاع، حيث أعلنت أنها استهدفت قوة إسرائيلية خاصة كانت متحصّنة في مبنى شمال بيت حانون بعبوة مضادة للأفراد. وأكدت، كذلك، تدمير دبابتين للعدو في محور جنوب غرب غزة بقذيفتين من نوع «الياسين 105»، وناقلة جند في محور شمال غرب مدينة غزة بقذيفة مماثلة. كما لم يمنع التوغل البري المقاومة من الاستمرار في قصف المدن والمستوطنات الإسرائيلية، حيث طاول قصفها، بعد ظهر أمس، تجمعات لقوات العدو في «كيبوتس حوليت»، بقذائف «هاون» من العيار الثقيل. وفي جنوب القطاع، استهدف المقاومون قوة راجلة للعدو بعبوة مضادة للأفراد في منطقة خزاعة شرق خانيونس، وحقّقوا فيها إصابة مباشرة، وفق ما أعلنت «القسام»، فيما بثّ «الإعلام العسكري» التابع للكتائب شريطاً مصوراً يوثّق إطلاق عشرات الصواريخ على عدة مدن ومستوطنات في أنحاء مختلفة من فلسطين المحتلة.
ليلة الالتفاف
وفي تتبّع لمسار الحرب البرية، يتبيّن أن المناطق الغربية لأحياء النصر والشيخ رضوان ومخيم الشاطئ، شكّلت على مدار الأيام العشرة الأخيرة، محور القتال الأكثر ضراوة على الإطلاق. هناك، تعرّضت الدبابات المتقدّمة لضغط ناري شديد، والتحم مقاومو «كتائب القسام» مع عشرات الآليات من مسافة صفر، واستطاعوا استهداف وتدمير أكثر من 46 دبابة في المحور الغربي لشمال غزة خلال تلك الفترة. كل هذا الزخم الناري، أوحى باستحالة تنفيذ اختراق من نقطة مخيم الشاطئ، ما دفع بقوات العدو إلى التهديد باستخدام القوة الساحقة لإبادة المخيم بالكامل. وكان ليل الأحد، في الخامس من تشرين الثاني، قد شهد أكبر عملية تمهيد بالنار في مخيم الشاطئ الشمالي، تضمنّت تدمير عشرات المنازل دفعة واحدة. ورغم ذلك، واصل المقاومون على المحور المذكور تنفيذ عمليات التصدي للقوات البرية.
غير أن دبابات العدو نفذت، ليل الخميس الماضي، وتحت غطاء مكثّف من القصف الجوي والمدفعي، عملية التفاف تجاوزت فيها الآليات عقبة مخيم الشاطئ، وتوغّلت من طريق يربط مفترق بهلول المحاذي لحيّ الشيخ رضوان، بشارع الرشيد، وطريق آخر يصل مفترق العيون بشارع الرشيد. واستطاعت الولوج إلى عمق حي الشيخ رضوان، ليتمركز عدد من الدبابات على مفترق العيون، وأخرى بالقرب من مستشفيات العيون والرنتيسي والصحة النفسية.
خروقات أخرى
ويُعدّ الاختراق على المحور الغربي لوسط شمال قطاع غزة، الأعمق منذ بدء العملية البرية في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي، إذ إن الأحياء الحضرية التي تمركزت في وسطها الآليات، وخصوصاً الشيخ رضوان والنصر وشارع الشفاء، تمثّل أول اقتراب للعدو من مراكز الثقل في شمال القطاع. ورغم أن العدو لم يستطع تثبيت قواته في تلك المناطق حتى اللحظة، فإن العملية البرية تشهد تسارعاً وسباقاً مع الوقت لتحقيق صورة الإنجاز الذي يستميت الاحتلال للوصول إليه، حيث استطاع عدد كبير من الدبابات التوغل في المناطق الغربية من مدينة غزة، والوصول إلى مقربة من مفترق العباس، غير بعيد عن مستشفى الشفاء غرب المدينة. كذلك، استطاعت العشرات من الدبابات التوغل في حي الشيخ عجلين، جنوب غرب مدينة غزة. أما في محاور القتال الشرقية، أي شرق أحياء الشجاعية والتفاح، وشرق حي الزيتون، جنوب القطاع، فقد حافظت الآليات على تموضعها، ولم تستطع تنفيذ أيّ عملية اختراق من ذلك المحور.
القتال يبدأ الآن
كان مفهوماً أمام حدة النار التي استُخدمت في التمهيد ومساندة القوات البرية، أن القتال على خطوط الدفاع الأولى لن يستمر إلى الأبد، إذ لا بد من لحظة تنتقل فيها المواجهة إلى عمق الأحياء الحضرية. ففي المناطق الغربية من حيَّي الشيخ رضوان والنصر، سوّت الطائرات الحربية خلال أكثر من شهر من التمهيد الناري، مجمّعات عمرانية كاملة تتربّع على أكثر من 5 كيلومترات مربعة، وتحوي الآلاف من الوحدات السكنية، بالأرض. ويمكن التقدير بأن الدبابات الإسرائيلية عبرت على «جماجم» الخطوط الدفاعية في تلك المناطق. ورغم ذلك، فإن هذا التمدّد الأفقي الكبير في وسط الأحياء الحضرية يُطلق موجة جديدة من المواجهة، من المتوقع أن تكون أكثر ضراوة، ولا سيما أن المقاومين استطاعوا، خلال الأيام الماضية، أن يعملوا في مناطق ساقطة عسكرياً، وتحديداً في شارع الرشيد، قرب الساحل المنبسط. وتلك مناطق لا تحوي أيّ سواتر اسمنتية من الأبنية والأزقة، فيما تشير مناطق التمدّد الأفقي الحالية بين الأحياء الحضرية، إلى أن شكل المواجهة وقدر الخسائر المرتقب سينتقلان إلى مستوى مغاير تماماً.
جدير بالذكر، هنا، أن مصادر عبرية أكدت أن جيش الاحتلال يعاني استنزافاً كبيراً في أعداد الآليات، إذ اضطرّ أخيراً إلى تدشين لواء جديد من دبابات «الميركافا 3» التي كان مقرراً أن تخرج من الخدمة تماماً، ما يعزز صدقية توثيق «الإعلام العسكري» الذي يؤكد أن المقاومة دمّرت أكثر من 150 دبابة منذ بدء المواجهة البرية.