في تمام الساعة التاسعة صباحاً من يوم الخميس، وصلت عربة يجرّها حصان إلى بوابة مستشفى «الإندونيسي» شمال قطاع غزة، وهي تحمل عدداً كبيراً من المصابين، من بينهم أكثر من سبعة رجال مقطّعي الأطراف. أخبر هؤلاء، ضباط الإسعاف، أنهم قطعوا أكثر من 15 كيلومتراً، في ساعات الليل الحالك، للوصول إلى المستشفى، قادمين من محيط حيّ الصبرة شرقي مدينة غزة، حيث استهدفت طائرات الاحتلال الحربية مسجد «أنصار السنة» أثناء أداء نحو 500 مواطن صلاة العشاء. قال أحد الشهود: «قصفوا المسجد والأهالي يصلّون العشاء، هناك أكثر من 100 شهيد، والمئات من الجرحى الذين لم يصل إليهم أحد». على الفور، توجّهت العشرات من سيارات الإسعاف التي اصطحبت أحد الشهود، إلى الموقع المستهدَف، وبعد نحو نصف ساعة، بدأت السيارات تعود محمَّلة بالعشرات من الجرحى الذين يشارفون على مفارقة الحياة. حتى الساعة الـ12 ظهراً، كانت المركبات المدنية ومركبات الإسعاف قد نقلت أكثر من 70 شهيداً، والمئات من الجرحى.

منذ منتصف ليل الأربعاء – الخميس، توقّفت شبكات الاتصال التي كانت تعمل بنحو 20% من كفاءتها عن العمل تماماً، بعدما نفد الوقود المستخدم لتشغيل محطّات الإرسال، ودمّرت الطائرات الحربية المئات من الأبراج، كما تعمّدت تخريب ألواح الطاقة الشمسية. كلّ ذلك دفع «شركة الاتصالات الفلسطينية» إلى الإعلان عن توقّف خدماتها بشكل تامّ عن القطاع، مذّاك. ووفق ضابط الإسعاف، عطية مراد، فإنّ غياب شبكات الاتصالات عطّل الاستجابة السريعة بنسبة 90%؛ إذ أصبحت طواقم الإسعاف تعتمد على وصول أحد المواطنين من الموقع المستهدَف لتعرف بهذا الأخير، وتقوم بدورها بالتوجّه إليه لبدء العمل. يقول مراد، في حديثه إلى «الأخبار»: «نحاول تقصّي مكان القصف عبر تتبّع أعمدة الدخان، وهذا يستهلك الكثير من الوقت والوقود للوصول إلى الموقع. إذا كان القصف بعيداً، نصل إلى موقعه متأخّرين».

في نقطة تجمّع سيارات الإسعاف بالقرب من عيادة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين»، يمكنك أن تسمع أصوات المواطنين الذين يصلون إلى ضباط الإسعاف جرياً على الأقدام، وهم يصرخون «إسعاف». يقول أبو أحمد، وهو أحد الضباط: «العمل يسير ببطء شديد، يقطع أحد المواطنين أو المصابين مسافات كبيرة زحفاً أو مشياً على الأقدام ليخبرنا بالتوجّه إلى نقطة الاستهداف». على أن تداعيات أزمة انقطاع الاتصالات لا تقتصر على عمل طواقم الإسعاف فقط، إذ إن الأهالي فقدوا أيضاً القدرة على التواصل مع عائلاتهم. «الكلّ يعيش في دوامة القلق»، يؤكد المواطن خالد المصري بينما يتجوّل في الشوارع حاملاً هاتفه المحمول بحثاً عن نقطة تصل فيها إشارات الإرسال. ويتابع في حديثه إلى «الأخبار»: «لا يبعد سكن أهلي عن مكان نزوحي سوى كيلومتر ونصف الكيلومتر، قالوا إنّ الغارة طاولت منزلاً قريباً منهم، التنقّل في الليل خطر جداً، أحاول الاتصال للاطمئنان عليهم، لا قلب لديّ للانتظار إلى الصباح».
أمّا الصحافيون، فقد انقطعوا هم الآخرون عن معرفة حتى أقرب الأحداث المحيطة بهم، بعد أن توقّفت الإذاعات المحلّية كافة عن العمل، وفُقدت شبكات الإنترنت بنسبة 98%، ولم تبقَ وسيلة للحصول على الإنترنت سوى بضع شرائح اتّصال إسرائيلية، وتلك نادرة جداً، وتتطلب مِمَّن يمتلك واحدة منها، أن يقترب من مناطق حدودية خطيرة لالتقاط الشبكة. يقول الزميل رمزي أحمد: «أضطرّ للوصول إلى شارع صلاح الدين شرق غزة لكي ألتقط شبكة الاتصال الإسرائيلية سليكوم. أجازف بحياتي لأرسل المواد الصحافية إلى المؤسسة التي أعمل لديها، يحدث القصف في مناطق قريبة مني، لا أتمكّن من المكوث أكثر من عشر دقائق».