مع الإقتراب من دخول “المناوشات” على الحدود الجنوبية شهرا ونصف شهر، تراجع الاهتمام الداخلي بمجريات احداثها التي تحوّلت الى اخبار يومية روتينية، ليتقدم مشهد اهتمام اللبنانيين، مسار ومصير قيادة الجيش ومعها العماد جوزاف عون، الذي شكل حالة نادرة سواء في كيفية وصوله، او في آلية خروجه، وسط “الهرج والمرج” القائم، وما قد يتركه من تداعيات على مستقبل المؤسسة.

للمرة الرابعة على التوالي، وبلهجة قاسية قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالته بوضوح “للمعطلين الذين يتلاعبون باستقرار الجيش”، كما سماهم، معيدا معركة خلافة قائد الجيش العماد جوزاف عون الى الواجهة، خالطا الاوراق ومعيدا البحث والنقاش الى المربع الاول اقله ظاهريا، بعد ما تم تداوله من ان الامور حسمت، والمنازلة انتهت.

وفي هذا الاطار، تكشف المصادر ان البطريرك الماروني علل “مطالعته” بموجبين اساسيين:

– الاول: ربطه التعيين بانتخاب رئيس للجمهورية، علما ان الامور ليست بهذا التعقيد، اذ بامكان حكومة العهد العتيد الاولى ان تستبدل القائد، وهو امر حصل عندما استبدل العماد ابراهيم طنوس بالعماد ميشال عون، والى حد بعيد مع تعيين العماد جوزاف عون قائدا للجيش، رغم ان المدة المتبقية للعماد جان قهوجي بعد التمديد له، كانت بحدود الستة اشهر فوضع بتصرف وزير الدفاع، هذا دون اسقاط احتمال ان يكون القائد المعين على “هوى” الرئيس العتيد.

– الثاني: ربطه مسألة التمديد بموضوع القرار 1701، مع ما يعني ذلك من امتداد دولي واقليمي للمسألة تتخطى الكيدية السياسية والشخصانية، التي اعطيت لملف يفترض ان لا يحمل ما حمل من ابعاد وحديث عن انتقام وتسوية حسابات. وفي هذا الاطار تكشف مصادر مطلعة عن وجود قطب خفية في الكواليس الخارجية، ترتبط بالاوضاع على الساحة الجنوبية ،وامكانية تغيير الاوضاع القائمة والستاتيكو الذي فرضه وجود قوات الطوارئ الدولية بموجب القرار 1701، منذ عام 2006.

وكشفت المصادر ان بكركي ابلغت المعنيين عبر احد الوسطاء، موقفها الرافض لتعيين أي قائد جديد للجيش، معتبرة ان اي مس بالقيادة في الظروف الحالية يشكل انتهاكا للميثاقية، مؤكدة ان موقفها ليس ضد اشخاص ولا دعما لاشخاص، انما من منطلق المصلحة الوطنية العليا.

اوساط مقربة من بكركي اشارت الى ان موقف البطريرك الراعي، ومعه المطارنة الموارنة، لا ينطلق من اسباب شخصية او اعتراض على اسماء مطروحة او فيتوات “فالكل فيه الخير والبركة”، كما ان الصرح البطريركي لا يتدخل في مسائل تعني المؤسسات بحساباتها الضيقة، انما السبب الاساس لاندفاع البطريركية، يعود الى عدم الرغبة في تزكية خيارات وسوابق قد تتحول الى اعراف، تفقد المسيحيين موقع القوة الفعلي الوحيد المتبقي لهم، بعدما تبين ان موقع قيادة الجيش “اقوى” من رئاسة الجمهورية هذا من جهة، ومن جهة ثانية عدم رغبة بكركي بناء لنصائح خارجية في تغيير الستاتيكو الداخلي القائم، خصوصا ان مؤسسة الجيش هي احدى صمامات امان الاستقرار.

واعتبرت الاوساط ان الصرح مطمئن الى ان نظريات الانتقام ليست موجودة، فضباط الجيش معروفون بانضابطهم ومناقبيتهم، كما ان الاسماء المطروحة معروفة لجهة اخلاق اصحابها، وايمانهم والتزامهم بمعتقدات الكنيسة ومبادئها، وبالتالي كل ما يقال خلاف ذلك هو محض افتراء هدفه الايقاع بين الصرح والمؤسسة العسكرية، وتصوير بكركي طرفا في المعركة.

وختمت الاوساط بالتأكيد ان العماد جوزاف عون لم يفاتح بكركي بموضوع التمديد، انما كان تركيزه خلال لقائه البطريرك على عدم جواز ترك المؤسسة معلقة على “حبال الهوى” دون رأس يقودها ولا جدل حول حق امرته.