بتعبير أوضح، إذا سلّمت واشنطن وتل أبيب بالأفق المفتوح أمام عمليات «محور المقاومة» من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا، وتراجعتا عن مواصلة الحرب – وهو ما لا يزال مستبعداً إلى الآن -، تكون المنطقة قد تجنّبت مواجهة كبرى ستتجاوز تداعياتها ساحة فلسطين، وستطال الأمن القومي الإسرائيلي في ساحات جغرافية أبعد أيضاً. أمّا إذا تمسّكتا برهاناتهما وخياراتهما الحربية، فهما ستعمّقان بذلك المخاطر، التي سيتّسع نطاقها والحال هذه ليشمل المزيد من المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، بما لا يستثني تحوّل البحر الأحمر إلى مكان غير آمن لكلّ ما يتعلّق بكيان العدو، إضافة إلى الكثير من المفاجآت الأخرى. وفي هذا المجال، أقرّ أحد جنرالات الجيش الإسرائيلي، وهو غابي سيبوني، بأن «الحوثيّين لديهم قدرات غير قليلة بفضل مساعدة إيران… يجب عدم الاستخفاف بها»، معتبراً في الوقت نفسه أن «الردّ الإسرائيلي سيكون محدوداً، وسيتطلّب الأمر التنسيق مع الأميركيين».
أمّا على المستوى الاقتصادي، فتتعدّد نتائج حظر الملاحة البحرية الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، ولا سيما أن الأخير يشكّل ممرّاً ضروريّاً للاستيراد والتصدير مع قارة آسيا، ومن شأن تعطيله أن يولّد صعوبة أمام إسرائيل في إرسال السفن عبره، ما من شأنه أن يترك آثاراً سلبية على اقتصاد الكيان، وعلى التأمين الذي سيرتفع كلّما تفاقم الوضع الأمني في البحار. ولذا، يعمل العدو على تحويل ذلك التحدّي إلى استحقاق عالمي من أجل توريط الدول العظمى في مواجهة اليمن و«محور المقاومة»، دفاعاً عن «أمنه القومي». وفي هذا الجانب، استحضر بعض المعلّقين ما سمّوه «السابقة السيئة» في الحرب البحرية مع إيران، والتي أَفهمت إسرائيل، في نهاية المطاف، بعد مهاجمة عدّة سفن تابعة لها، بأن الضرر سيكون كبيراً عليها، الأمر الذي أدّى إلى انكفائها في هذه المعركة. وما يزيد الصورة قتامةً، المعضلة الاقتصادية المتفاقمة في إسرائيل، بفعل تزايد النفقات، وارتفاع الخسائر الناجمة عن الحرب، والتي دفعت الحاكم السابق للبنك المركزي الإسرائيلي، يعقوب فرنكل، إلى القول: «نحن في حدث اقتصادي كبير جداً، إذ يواجه (الاقتصاد) صعوبات كبيرة، ولدينا دَين عالٍ جداً وعدد هائل من المجنّدين في الاحتياط. والأعمال تنهار، وتسود حالة من اللايقين الهائل، والوضع الدولي لا يبشّر».
بالنتيجة، تندرج سيطرة القوات المسلحة اليمنية على السفينة المملوكة إسرائيلياً، في إطار استراتيجية «محور المقاومة» القائمة على الردّ التصاعدي، عمودياً وأفقياً، مع التأكيد أن لكلّ مسار درجاته وسقوفه أيضاً. ومع أن العدو يحاول، إلى الآن – على ما يبدو -، احتواء مفاعيل هذه الضغوط بهدف التفرّغ للمعركة في قطاع غزة، والحفاظ على قدْر من التماسك الداخلي، وتعزيز الإجماع القائم على مواصلة العمليات، إلا أن هذا الجدار لا بدّ وأن يتداعى في لحظة ما، وهو ما كانت له سابقة في حرب تموز 2006، عندما انكشف، بعد انتهاء الحرب، حجم الإرباك والتنازع الداخليين حولها. هنا، يَجدر التنبيه إلى أنّ لكلّ ساحة من ساحات «المحور» خصوصيتها وأدواتها وهوامشها، إلا أنها تتكامل جميعاً في سياق دعم غزة ومواجهة الحرب عليها، وهو ما يُعتبر من أهمّ عوامل القوّة في مواجهة الحشد الأطلسي والأميركي دعماً لإسرائيل. ولعلّ الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان ذلك جيّداً، وتدرسان خياراتهما في مواجهته من زاوية مخاطرها وتداعياتها، فيما يَظهر أنه لن يكون أمامهما في نهاية المطاف سوى تلبية مطلب وقف العدوان.
وبخصوص اليمن تحديداً، فإنّ العدو يدرك أن خياراته الردعية والعدوانية محدودة التأثير هناك، وأنه لن يستطيع القيام بأكثر ممّا فعله النظام السعودي. ولذا، فإن مآل الأمور مرهون بقرار الجانب الأميركي، الذي يَجدر به أن يكون أكثر دقّة في حساباته في ضوء تصميم اليمن وبقية أطراف «محور المقاومة» على دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، فضلاً عن أيّ اعتداء أميركي يستهدف إرساء نوع من الردع لن يحقّق المؤمّل منه، بل سيؤدّي إلى تعاظم الردود عليه في أكثر من ساحة إقليمية. وعلى أيّ حال، يمكن القول إنه في ظلّ قواعد الاشتباك التي أرستها المقاومة الإسلامية على جبهة لبنان، والمفتوحة على سقوف وسيناريوات متعدّدة، وبعد الارتقاء الذي تجسَّد في استهداف السفن التي هي على علاقة بالكيان الإسرائيلي، تكون المواجهة قد دخلت مرحلة جديدة، ربّما تأخذ إلى مآلات أشدّ وطأة على كيان العدو ومَن يقف وراءه.