يُعتبر وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان، من اكثر وزراء الخارجية تحركا ونشاطا ديبلوماسياً، فما ان يزور دولة، حتى ينتقل الى اخرى، اضافة الى حضوره الاعلامي، الذي يحدد فيه مواقف بلاده الرسمية حيث لا يغادر لبنان، الا ويعود اليه، كما دول اخرى في “محور المقاومة”، وكل ذلك من اجل جمع المعلومات، واجراء المشاورات مع الحلفاء في المقاومة، التي حققت انتصارات في لبنان وفلسطين منذ الغزو الصهيوني للبنان، واحتلال عاصمته بيروت في صيف 1982، وخروجه منها ثم من الجنوب في  25 ايار 2000، بفضل عمليات المقاومة، التي حررت الارض اللبنانية المحتلة من الجيش الاسرائيلي وعملائه من ما كان يمى “جيش لحد”، الذي اسسه كميليشيا سعد حداد الذي اقام له الاحتلال الاسرائيلي لجنوب الليطاني شريطاً حدودياً، اقتطعه من السيادة اللبنانية في عام 1978.

فالوزير عبد اللهيان حضر للتشاور مع حلفائه في المقاومة، اللبنانيين منهم والفلسطينيين، مع استمرار الحرب الاسرائيلية التدميرية على غزة، التي وبعد 48 يوماً ما زالت تقاوم الجيش الاسرائيلي، وتنزل فيه خسائر بالارواح والآليات، دون ان يحقق العدو الاسرائيلي ايا من اهدافه في عدوانه على غزة، التي ارتكب فيها جرائم قتل الاطفال والنساء، وتنفيذ مجازر جماعية، باستهداف احياء سكنية، ومدارس ومستشفيات ومبان عالية، اضافة الى الحصار الذي بدأه قبل عشرين سنة، في تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، وحرمانه الماء والكهرباء والخدمات.

فكل ما فعله رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو هو وفريقه الوزاري والسياسي والعسكري، هو التدمير، دون القضاء على حركة “حماس” وذراعها العسكرية “كتائب القسام”، وهو ما زال يتوعد بانه سينفذ ما التزم به امام الاسرائيليين، الذين فقدوا ثقتهم به، ويطالبون باقالته ومحاكته، وان اضطراره للقبول بـ”الهدنة الانسانية”، كان انكساراً له، وفق ما يقول القيادي في حركة “حماس” علي بركة لـ”الديار” الذي اكد بان الوصول الى الهدنة وموافقة “حماس” عليها بشروطها، كانت ضربة لنتنياهو الذي اعلن بانه اعطى اوامره لجهاز المخابرات العسكرية “الموساد” لاغتيال قادة “حماس” في غزة والعالم، وهذا ما يؤكد بانه لم يحقق اهدافه.

ففي كل يوم تلحق المقاومة بجيش الاحتلال الاسرائيلي خسائر، ويصطاد المقاومون جنوده، ويدمرون دباباته وآلياته، يقول بركة، الذي يعتبر الهدنة التي طلبها نتنياهو مع “حماس” عبر وسطاء، لا سيما قطر ومصر، هو اعتراف منه، بان “حماس” ما زالت موجودة، وهي مستمرة، ولن يتمكن منها العدو الاسرائيلي، لا هي ولا فصائل مقاومة اخرى، وان الحكومة الاسرائيلية في وضع صعب جداً، للخسائر التي يتكبدها الجيش، وللضغط الذي تتعرض له في داخل الكيان الصهيوني، وان قضية المحتجزين الصهاينة من عسكريين ومدنيين، شكلت انتكاسة لقادة العدو، فبين رفضهم التفاوض الى القبول به، ثم الخضوع لذلك بتبادل اسرى، مما الحق الاذى بالجيش الاسرائيلي، وشكّل اهانة لنتنياهو وحكومته.

وهذه التطورات، لجهة التفاوض غير المباشر حول تبادل اسرى، مع “هدنة انسانية”، دفعت بالوزير الايراني، للحضور الى لبنان لمتابعة ما حصل، فيؤكد بركة بان وزير الخارجية الايراني اراد استطلاع مواقف الحلفاء في محور المقاومة، مع وجود قياديين من “حماس” و”الجهاد الاسلامي” في بيروت، وهذا امر طبيعي بين الحلفاء، وقد وضع المسؤولون في “حماس” برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي خليل الحية، الوزير عبد اللهيان بتطورات الوضع في غزة، ومجريات اتفاق تبادل اسرى.

 وفي هذا الاطار، فان الزيارة لمسؤول ايراني الى لبنان، هي طبيعية جداً، وله فيه حليف اساسي هو “حزب الله”، الذي يتم التشاور معه بشكل دائم، وان عبد اللهيان حضر قبيل ساعات من بدء تطبيق اتفاق تبادل اسرى بين “حماس” والعدو الاسرائيلي، وموضوع “الهدنة الانسانية” في غزة التي اعلن “حزب الله” بانه ملتزم بها، لان تحركه العسكري على جبهة الجنوب ضد هجمات العدو الاسرائيلي في شمال فسطين عند الحدود مع لبنان، مرتبط بالحرب الاسرائيلية على غزة، وان المقاومة تشاغل الجيش الاسرائيلي الذي حشد اكثر من 100 الف جندي وضابط، حيث يكشف مصدر في السفارة الايرانية في بيروت، بان عبد اللهيان جاء الى لبنان، للوقوف عند رأي حلفائه في المقاومة، اذ يوجد ربط بين “جبهة لبنان” وحرب غزة، ولا يمكن الفصل بينهما، وقد سقط لـ”حزب الله” حوالى 80 شهيداً، وهو معني باتفاق التبادل الذي انتج الهدنة، التي تعنيه ايضاً، بما يتعلق بجبهة الجنوب، التي اذا استمر العدو الاسرائيلي في عملياته العسكرية، فان المقاومة في الجنوب ستلتزم الرد ولو حصلت في غزة، ولن تقبل بان  تكون الهدنة من طرف واحد.

ولم تكن لزيارة الوزير عبد اللهيان، عنوان واحد وهو تبادل الاسرى والهدنة، وقد بحث فيهما مع حلفائه في “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، واثناء لقائه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، بل حضر موضوع ما بعد الهدنة، التي لا يبدو ان اسرائيل، ستبقى عندها، بل هدد نتنياهو مع وزراء في حكومته، باستمرار الحرب، للقضاء على “حماس”، وتهجير سكان غزة، بعد السيطرة على القطاع، واعلانه عدم الخروج منه، اذ يكشف المصدر عن ان التركيز في المشاورات والمباحثات بين عبد اللهيان وحلفائه كان على مرحلة ما بعد الهدنة الانسانية الاولى، وهذا ما يؤكد على التنسيق القائم بين اطراف “محور المقاومة”، لا سيما في لبنان وفلسطين، وهما يقدمان الشهداء، والمواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني.

ونتائج الزيارة، كانت ايجابية جداًن اذ اكدت على “وحدة الساحات”، وعلى النهج الواحد لمحور المقاومة، بعكس ما يروّج من مزاعم، عن انفراط وحدة المحور.