سيناريوات ما بعد «بيبي»: أيام صعبة تنتظر «الملك» المهزوم

رام الله | يبدو أن مصير رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، السياسي والشخصي، حُسِمَ في السابع من أكتوبر، كونه في مقدّمة مَن يتحمّلون مسؤولية الفشل السياسي والأمني والاستخباري الذي سُجّل آنذاك. كما يبدو أن العدوان الذي تشنّه دولة الاحتلال بقيادته على قطاع غزة، منذ «طوفان الأقصى»، سيجعل من ذلك المصير واقعاً لا مفرّ منها، على اعتبار أنه لا يفعل إلا أنه يرسّخ فشل الرجل. ولدى تحليل دوافع العدوان بعد 50 يوماً من الفشل الذريع، فإن اثنين لا يختلفان على أن أحدها، محاولة نتنياهو إنقاذ نفسه ممّا ينتظره يوم تسكت المدافع، وتأجيل هذا الحساب ما أمكن، عبر اللجوء إلى مزيد من القتل في قطاع غزة. ونتنياهو نفسه الذي دفع إسرائيل نحو سلسلة من الانتخابات، خلال العامَين الماضيَين، هرباً من ملاحقته في قضايا فساد، بات مدركاً، اليوم، أنه بمجرّد انتهاء العدوان على القطاع، سيبدأ سقوطه السريع، وهو ما أظهرته جميع استطلاعات الرأي التي أُجريت في إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، وآخرها استطلاع نشرت صحيفة «معاريف» نتائجه يوم أمس.وأَظهر الاستطلاع المذكور، تزايُد شعبية رئيس كتلة «المعسكر الوطني»، وعضو «كابينت» الحرب، بيني غانتس، وتفوّقه بشكل كبير على حزب «الليكود» بزعامة نتنياهو. ولعلّ مفاجأة الاستطلاع تمثّلت في سقوط حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرّف والعنصري، برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، تحت نسبة الحسم. وفي حال جرت انتخابات «الكنيست» الآن، ستحصل أحزاب المعارضة، ومن ضمنها «المعسكر الوطني»، مع الأحزاب العربية، على 79 مقعداً، في مقابل 41 مقعداً لأحزاب الائتلاف الحالي، وفق استطلاع «معاريف»؛ إذ سيفقد «الليكود» نحو نصف قوّته الانتخابية، وسيحصل على 18 مقعداً. أيضاً، تفوّق غانتس على نتنياهو من حيث الملاءمة لتولّي منصب رئيس الحكومة، بنسبة 52% للأول، و21% للثاني. وبيّن الاستطلاع تراجعَ شعبية رئيس الحكومة الحالي، في ظلّ الحرب على غزة، حتى في صفوف ناخبي حزبه، الذين قال 52% منهم إنه الأنسب لرئاسة الحكومة، فيما اعتبر 26% أن غانتس يلائم المنصب أكثر.
ومنذ بداية الحرب، تعرّض نتنياهو لهجوم خصومه السياسيين الذين دعوه إلى التنحّي، وأبرزهم زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، الذي تقدّم، الأسبوع الماضي، بمقترح لإقالة رئيس الحكومة، لأن «الوقت قد حان لاستبداله»، مشيراً إلى أن تشكيل حكومة وحدة بقيادة «الليكود»، سيحظى بدعم واسع. وأضاف لبيد أن «نتنياهو خسر ثقة مواطنيه وثقة المجتمع الدولي، والأكثر خطورة ثقة الأجهزة الأمنية». وإلى جانب تحميل الكثير من الإسرائيليين، نتنياهو المسؤولية عن الإخفاق العسكري والأمني في أحداث 7 تشرين، فإن ما بات ماثلاً للعيان، أن الأهداف العالية السقف التي وضعها رئيس الحكومة للعدوان على قطاع غزة، تبدو غير قابلة للتحقّق بعد 50 يوماً من الحرب، اضطرّ خلالها، تحت الضغط الشعبي الإسرائيلي، وتحديداً من عائلات الأسرى لدى المقاومة، فضلاً عن ارتفاع حجم الخسائر البشرية في صفوف جنود الاحتلال، لإبرام صفقة تبادل للأسرى، ترافقها هدنة مدتها أربعة أيام قابلة للتمديد.

 

وطغى على أداء نتنياهو، خلال فترة العدوان على غزة، انشغاله خصوصاً بالحفاظ على منصبه كرئيس للوزراء، كون ذلك يضمن تأمين مستقبله السياسي وإلغاء محاكمته بملفّات فساد. وعلى ضوء ما تقدّم، فإن صراعاً متعدّد الجبهات على الساحة الداخلية سيكون على نتنياهو خوضه، أهمّ وجوهه التنصّل من مسؤولية الإخفاق الاستخباري في منع حصول «طوفان الأقصى»، وإلقاء المسؤولية على الأجهزة الاستخبارية والأمنية، على غرار ما فعله بالمحقّقين والمدّعين العامّين في ملفّات الفساد التي يحاكم بها، حيث شكّك في مهنيتهم وقدراتهم، وحمّلهم مسؤولية تقديمه للمحاكمة لدوافع سياسية. وسلّطت وسائل الإعلام العبرية، في بداية العدوان، الضوء على اهتمام نتنياهو وفريقه المقرّب بجمع مواد ووثائق أمنية وعسكرية سرّية وحرق أخرى، بما من شأنه إدانة قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، وإبراء ذمّة نتنياهو، وهو المضمون الذي عبّر عنه الأخير في تغريدة على «إكس»، أثارت ضدّه انتقادات كبيرة آنذاك، اضطرّ إثرَها لحذف التغريدة، والاعتذار بسببها.
وسيجد نتنياهو، خلال الفترة المقبلة، مزيداً من العبء المُلقى على كاهله؛ فإلى جانب ملفّات الفساد الجنائي التي تلاحقه، ستكون عليه مواجهة قضايا تتعلّق بأمن الدولة. ولعلّ القاسم المشترك في ما بين هذه القضايا، رغبة رئيس الحكومة بتحصين ذاته في منصبه، وإنْ كان العبء الأخير أثقل من أيّ شيء آخر قد واجهه الرجل من قبل، وذلك نظراً إلى الشعبية التي لا يزال يتمتّع بها رؤساء الأجهزة الأمنية، الذين يسعى نتنياهو أن يكونوا كبش فداء له. وإزاء الوضع الداخلي الذي يرزح تحته، وتراجع الدعم الدولي الكبير للعدوان على غزة، لا يبدو أن أمام الرجل خيارات سوى الهروب إلى الأمام، عبر إطالة أمد الحرب لأطول مدّة ممكنة، وهو ما ألمح إليه في تصريحاته وتهديداته. كما يبدو أنه لن يكون في عجلة من أمره لتسريع وتيرة الحرب، بل سيسعى إلى إبقاء الكابوس الأمني قائماً في إسرائيل، بما يضمن له البقاء على كرسيّ رئاسة الوزراء، خاصة أن الحرب ستؤخّر شهادته في ملفات فساد. وفي حالة الطوارئ الدائمة، سيمنحه الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، عفواً، أو سيشرّع هو قانوناً في «الكنيست» يمنح بموجبه نفسه هذا العفو.
بالنتيجة، يَظهر نتنياهو الذي هدّد باستئناف العدوان على قطاع غزة، على الرغم من رضوخه وإبرام صفقة تبادل، أمام أيام صعبة، خاصة في ظلّ توقعات باحتمال تمديد الهدنة، بدفع من لاعبين كثر على الساحة الدولية. أيضاً، فإن الضغط سيتزايد عليه من عائلات الجنود الذين لا يزالون أسرى لدى المقاومة، والتي ستكثّف مطالبها بالإفراج عن أبنائها. وذكرت صحيفة «معاريف» العبرية، أمس، أن تقديرات «متشائمة» تسود الأوساط المقرّبة من نتنياهو، حيال إمكانية العودة إلى مناورة برية واسعة في القطاع؛ إذ تشير التقديرات، في الجلسات المغلقة، إلى أنه في موازاة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والهدنة، ستبذل حركة «حماس» جهداً بالغاً من أجل إطالة أمد الهدنة، وتحويلها إلى «وقف دائم لإطلاق النار»، وذلك من خلال دعوة وسائل إعلام دولية، وخاصّة أميركية، إلى معاينة غزة أثناء الهدنة. وإثر المشاهد الصادمة التي ستنقلها وسائل الإعلام تلك، ستخضع إسرائيل لضغوط دولية متصاعدة تطالبها بإنهاء الحرب، ومن الجائز أن تنضمّ الولايات المتحدة إلى هذه الدعوات، لتبدأ بعدها اتصالات دولية من أجل التوصّل إلى تسوية سياسية حول وضع القطاع.
وأضافت الصحيفة أنه بحسب تقديرات المقرّبين من نتنياهو، فإنه في سيناريو كهذا، سينسحب حزب «المعسكر الوطني» بقيادة بيني غانتس وغادي آيزنكوت، العضوَين في «كابينت» الحرب، من الحكومة. وفي موازاة ذلك، سيبدأ ناشطو الاحتجاجات ضدّ خطة إضعاف جهاز القضاء، بتنظيم تظاهرات تطالب نتنياهو بالاستقالة. ويعتقد المقرّبون من رئيس الحكومة أن ما يمكن أن يقوم به الأخير في هذه الحالة، هو أن يعلن، قبل بدء التظاهرات، عزمه على الاستقالة واعتزال الحياة السياسية في نهاية «عملية سياسية لتسوية إقليمية». وعندها، ستجري انتخابات داخلية في حزب «الليكود»، وسيشكّل المرشح الفائز حكومة من دون الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات العامة المقبلة. ونقلت الصحيفة عن المصادر نفسها قولها إن الحديث يدور عن إمكانية تنحّي نتنياهو، وأضافت أن «مستقبل الصفقة مع حماس والحرب في غزة سيؤثّر على اتّخاذ القرار. ونتنياهو سيقرّر بموجب التطوّرات والحالة الجماهيرية – السياسية التي ستنشأ».

Exit mobile version