بعد ان ارخت الازمة الاقتصادية بثقلها على السجون اللبنانية، انخفضت كميات المواد الغذائية المخصصة للنزلاء وتراجع الوضع الصحي في ظل فقدان الادوية وارتفاع الأسعار وصعوبة دخول المستشفيات حتى بات يُعامل هؤلاء بقسوة مفرطة وكأنهم “حيوانات” او كائنات غير بشرية. فالحكايات التي يسردها المعتقلون تفضح أساليب القمع المُمارسة بحقهم من بعض افراد الأجهزة الأمنية التي تستخدم أنواع واشكال ومفاهيم التعذيب النفسي قبل التنكيل الجسدي.

فالسجون العربية عموما واللبنانية خصوصا لا تراعي الحد الأدنى من معايير السلامة العامة فيتم الزج بأعداد كبيرة في زنزانة افرادية مساحتها لا تحتمل وجود أكثر من 2 او 3 افراد؛ الى جانب كل ما تقدم يُمنع الطعام عن هؤلاء لأيام من دون احترام ابسط شروط الصحة والسلامة؛ حتى أضحى واقع السجناء اشبه بجحيم سجن “جيتامارا” في رواندا حيث يقضي السجين متعفّناً، وهو مجرد من انسانيته.

وبحسب مصادر مطلعة على ما يجري داخل الحجرات الانفرادية الضيقة التي يرمى فيها عشرات المصفّدين، “فإن الازمة الاقتصادية زادت الطين بلّة وانعدمت معها ابسط مقومات الحياة المتعلقة بالصحة والغذاء والدواء. وكانت علمت “الديار” ان الزَنازين تعجّ بعشرات المعتقلين الذين يأتون اليها من مجتمعات مختلفة واعمار متفاوتة ومن بينهم أطفال قصّر.

توقيفات الاحداث ارتفعت!

بالموازاة، ارتفعت نسبة توقيفات الاحداث ما بين العامين 2022 و2023 الى 200 في المئة في السجون اللبنانية ومعظم هؤلاء اقترفوا جرائم متنوعة مثل، السرقة او ترويج وبيع المخدرات واعمال الدعارة.

وفي هذا السياق قالت رئيسة جمعية الاتحاد لحماية الاحداث الدكتورة اميرة سكر لـ “الديار”، “نتابع ملفات القاصرين في المحاكم ونسعى دوما الى تسريع إقامة الجلسات حتى لا يبقى القاصر في السجن فترة طويلة دون ان يحصل على جلسة للحكم او لإخلاء السبيل. اضافت، اغلبية الموجودين في رومية هم موقوفون وقلة محكومين في ظل تعثر القضاء”.

وتابعت موضحة، “ان وضع القصر داخل السجون صعب جدا جدا في ظل عدم وجود إصلاحية، وهناك مشكلة اقتصادية انعكست على كافة القطاعات والسجون منها. اردفت، يوجد شح في الادوية والأغذية والمواد الأساسية الأخرى كما ان الاهل لا يمكنهم زيارة الأولاد بسبب عدم قدرتهم على تأمين ثمن الانتقال والتنقل وهذا يؤثر سلبا في نفسية الأطفال”. اما عن خلط القصر بالسجناء البالغين فقالت سكر: “لا اصدق هذا الامر لأنني اعلم ان قوى الامن لا يمكن ان تسمح به مطلقا كما ان إجراءات دخول وخروج القاصرين مشددة جدا”.

حقوق في مهب الاستبداد

للسجناء حقوق غير قابلة للصرف منحتها لهم المعاهدات والعهود الدولية، ولهؤلاء حق الرعاية الصحية وبكل تأكيد الا تصيبهم امراض في الزنزانة وبالطبع الحصول على المأكل والمشرب. لكن تداعيات الازمة المالية والتي وصلت الى السجون شكلت معضلة جديدة تضاف الى ثلّة العوائق الأخرى التي تعانيها لجهة الاكتظاظ وسوء الخدمات خاصة في سجن رومية الذي يستقبل ما يقارب الـ 5000 الاف سجين، بالإضافة الى المعتقلين الموزعين على 25 سجنا و229 نظارة.

في سياق ما يحصل في السجون لناحية نقص الامدادات الغذائية، قالت مصادر متابعة لهذا الملف لـ “الديار”، “ان السجن الواحد يحتاج يوميا الى حوالي 1000 كيلوغرام من اللحوم أي بما يساوي نحو 6500 دولار تقريبا. وقبل الازمة مع الموردين كان يتم ادخال المواد الأولية الى السجون وتضم اللحوم والدجاج مرتين في الأسبوع والخبز بشكل يومي اما الخضراوات فتدخل مرة واحدة أسبوعيا، لكن الاوضاع تفاقمت بوقف المُؤن والاحتياجات الضرورية للمغلولين من قبل الشركات المتعاقدة مع الدولة الامر الذي أدى الى فوضى وثورة جياع.

شرارة الاشتعال وشيكة!

في سياق متصل، تحدث المحتجز في زنزانة رومية “محمد” لـ “الديار” عن الوضع داخل رومية قائلا: “ان الانفجار بات قريبا في ظل تفاقم ازمة فقدان الطعام وتفشي الامراض وانعدام أدنى معايير النظافة حيث أصبح يستحم المأسورون في مياه ملوثة تكتنز الفيروسات والجراثيم القاتلة والمسرطنة”.

وقال: “كشفت التحقيقات مؤخرا عن تورط 4 ضباط وطباخ السجن ومعهم صاحب شركة مواد غذائية بتهمة تزوير ايصالات استلام بغية وضع اليد على مواد غذائية مخصصة للمّقَيّديْن في حبس رومية وكانت المحكمة المعنية قضت بسجن المتهمين بين سنة و10 سنوات. مشيرا الى انهم لم يتناولوا اللحوم او طعاما يحتوي على بروتين منذ أشهر”.

بالموازاة، أكد مصدر أمنى لـ “الديار”، “ان الكلام عن تورط 4 ضباط في هذه التهمة غير دقيق، لكنه لم ينفِ مسؤولية طباخ السجن ومتعهد شركة المواد الغذائية، متهما الاخيرين بالتورط في هذه القضية”.

وما خفي أعظم!

لا يخفى على أحد ان سجن رومية يدفن قضايا فساد كبيرة والشكوى التي تتعلق باللحوم والطعام ما هي الا مثال صغير عن الفساد المستشري داخل السجون اللبنانية والمؤسسات الرسمية وفي الإدارات الحكومية وجميع الهيئات العمومية التي تتبعها، وهذا يعد من أكبر معوقات التنمية وفيه يتم استغلال المنصب العام لأجل الأغراض والمصالح الشخصية.