لأنها شريك أساس لـِ «إسرائيل»: كيف يمكن إكراه أميركا على وقف الحرب؟

‭}‬ د. عصام نعمان*-البناء

قبل ساعات معدودة من انتهاء الهدنة في حرب الإبادة على غزة، أكد ناطق باسم البيت الأبيض انه “إذا قررت إسرائيل العودة إلى ضرب حماس، فسنواصل دعمنا لها في ذلك”.
وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن سارع، بعدما حطّت طائرته في مطار تل أبيب، الى المشاركة في اجتماع “كابينت الحرب” الإسرائيلي ليؤكد لأعضائه دعم البيت الأبيض المستمر لـِ “إسرائيل” في حربها على قطاع غزة.
سؤال يطرح نفسه: لماذا تشارك الولايات المتحدة في هذه الحرب الهمجية التي تشنها “إسرائيل” بلا هوادة؟ الجواب: لأنها، كما “إسرائيل”، تشعر بأن طوفان الأقصى وانعكاساته اللاحقة على الكيان الصهيوني والمنطقة يشكّل تهديداً وجودياً لنفوذها ومصالحها في غرب آسيا.
هل تطول الحرب؟
وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالنت أكد لوزير الخارجية الأميركي: “لا أعتقد أنّ التزامنا بالنصر مرتبط بالوقت. سنستمرّ حتى ندمّر قدرات حماس ونعيد جميع المختطفين”.
تقارير إعلامية من داخل كيان الاحتلال أشارت الى انّ بلينكن لم يعترض على أقوال غالنت ربما لعلمه أنه ما كان ليتفوّه به لولا وجود اتفاق بين واشنطن وتل ابيب على الإستمرار في الحرب لغاية تحقيق ما رسمتا لها من أهداف. مع ذلك، تظاهر بلينكن بالحرص على حقوق الإنسان بالحديث عن “ضرورة منع ترحيل سكان غزة من منازلهم في جنوب القطاع”.
جنوب القطاع؟ هل ذلك يعني أن لا مانعَ أميركياً من ترحيل السكان في شمال القطاع؟ ذلك أنّ كثيراً من سكان مدينة غزة الذين اضطروا، تحت وطأة الحرب الهمجية، على النزوح من شمال القطاع الى جنوبه، ثم عادوا الى غزة أثناء فترة الهدنة قرّروا البقاء فيها حتى لو عادت “إسرائيل” إلى استئناف حربها.
هنا ينتصب سؤال: ما موقف المقاومة في غزة بعدما استأنفت “إسرائيل” حربها؟ الجواب ذاته كان وما زال يتكرّر على ألسنة قادة “حماس” وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية المتلاحمة معها في القتال ضدّ العدو الصهيوني: نحن صامدون في أرضنا ومستمرون في مواجهة العدو مهما طالت الحرب.
لكن لكلِّ حرب نهاية. ولا شك في أن إنهاء الحرب الإسرائيلية – الأميركية على قطاع غزة اليوم قبل الغد يشكّل انتصاراً مدويّاً لحماس وحليفاتها، فكيف السبيل الى تحقيق ذلك؟
صحيح أنّ فصائل المقاومة في قطاع غزة صامدة وتقاتل بجسارةٍ وشراسة، لكن انتصارها على عدو صهيوني تشاطره القتال وتسخو في دعمه لوجستياً إحدى أقوى دول العالم يتطلّب في المقابل حلفاء يشاطرونها قتالها الضاري المتواصل ضد العدو ويمدوّنها بالدعم اللوجستي والعسكري، فمن تراهم يكونون؟
إنهم بلا مواربة أطراف محور المقاومة. هؤلاء يجمعهم بالمقاومة الفلسطينية قبل الحرب وبعدها تحالف معلن وقيادة عسكرية مشتركة وأهداف سياسية متكاملة، وهم يعرفون دونما شك أن انتصار “إسرائيل”، ومن ورائها أميركا، في الحرب يعني بالتأكيد ان الدور سيأتي عليهم لاحقاً، فلا يعقل أن يتركوا المقاومة الفلسطينية وحدها تواجه الخطر الماثل والمتواصل.
قد ينبري واحدٌ او أكثر من حلفاء الولايات المتحدة او وكلائها في لبنان والمنطقة ليذكّر المقاومة بالقواعد العسكرية الأميركية في العراق وسورية والبحرين وقطر، وبأساطيلها البحرية وحاملات طائراتها المنتشرة في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وليحذّر من أنّ أميركا لن تتوانى عن التدخل عسكرياً وميدانياً بلا تردّد الى جانب “إسرائيل”، بما هي أهمّ قاعدة عسكرية لها في غرب آسيا، إذا قرّرت أطراف محور المقاومة مساندة المقاومة الفلسطينيّة عسكرياً بغية الحؤول دون افتراسها من قِبَل التحالف الإسرائيلي – الأميركي.
الحقيقة أنّ تدخل أميركا الى جانب “إسرائيل” حاصل قبل الحرب وفي أثنائها وقوامه، حتى الآن، مساندة سخية لوجستية ومالية وسياسية، وقد يتطوّر من حال الشريك الأساس في الحرب مداورةً الى حال الشريك مباشرةً. غير أنّ دون ذلك محاذير ومخاطر عدّة، أهمها خمسة:
أولها، ضيق هامش المناورة أمام الرئيس جو بايدن في سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية المصحوبة بتعاظم التظاهرات الشعبية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني بالحرية وتقرير المصير، والرفض القاطع لمزيد من الدعم المالي والسياسي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية وسط تضخّم متفاقم يضرب الولايات المتحدة في هذه الآونة.
ثانيها، تعاظم التعاطف والتأييد الشعبيّ في كلّ أنحاء العالم، ولا سيما في دول غرب أوروبا، للشعب الفلسطيني المعتدى عليه، وتصاعد المطالبة تالياً بوقف الحرب.
ثالثها، مخاطر إحراج أميركا للدول العربية المتحالفة معها ما يضطر الأخيرة تحت ضغط الرأي العام في بلادها الى التملّص من المكاسب التي حققتها واشنطن خلال الأعوام الماضية، وفي مقدّمها حملة التطبيع مع “إسرائيل”.
رابعها، اغتنام الصين وروسيا فرصة معاداة أميركا للرأي العام في كل أنحاء القارة العربيّة للقيام بتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية الممتعضة من الدعم الأميركي الهائل لـ “إسرائيل”، والعمل تالياً على إجلاء نفوذ واشنطن ومصالحها عن مختلف دول غرب آسيا في سياق مسارٍ للحلول محلها.
خامسها، وربما أكثرها خطورة، التسبّب في تعزيز نفوذ إيران في العالم العربي عموماً وفي دول العراق وسورية ولبنان ومصر والأردن خصوصاً، واحتمال تهديد بقاء القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسورية والخليج.
كل هذه المخاطر والمحاذير قد لا تنفع، على الأرجح، في إنقاذ “إسرائيل” من معمعة حربٍ تبدو أنها تتطور الى حرب إقليمية لن يتوانى معها وخلالها أطراف محور المقاومة عن نصرة المقاومة الفلسطينية عسكرياً في إطار معادلة التناسب والضرورة، وذلك بالاشتراك ميدانياً فيها من قُربٍ او من بُعدٍ بغية إكراه أميركا على وقف الحرب ومنعها من استغلال تداعياتها اللاحقة.
*نائب ووزير سابق

Exit mobile version