مريم نسر- الديار
يوماً بعد يوم تتكشّف حقيقة واقع أميركا و “إسرائيل” المأزوم، هذا ما أظهره عدوانهم على قطاع غزة حتى قبل أن ينتهي، ولعلّ ذلك سبب عدم انتهائه حتى اللحظة، رغم الإخفاقات التي تتراكم، والعجزعن تحقيق إنجاز واحد أو صورة نصر واحدة.
الحقيقة المُرّة هي أن الأميركي و”الإسرائيلي”، باتت تَظهر عليهما عوارض الشيخوخة، بحيث ما مِن أحد منهما يَحمل مشروعاً مستقبلياً أو قادر على أن يَفرض أو يَتخذ قراراً حاسماً يُنقذ “تل أبيب” ومعها واشنطن مِن ورطتهما، بعد أن فقدتا قوّتهما المجتمعية الموَحَّدة التي تُحصِّنهما من جهة، ومن جهة أخرى لانفصال مشروعهما عن الواقع، فالإدارة بقوّة العطالة والعجز مِن أهم وأصعب أمراض شيخوخة الإمبراطوريات.
مِن بداية العدوان الصهيوني على غزة الذي حمل عنوان حرب وجودية، ظهرت عوارض الشيخوخة عند “الإسرائيلي”، هكذا أعلنها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وهكذا كرّرها وزير الحرب “الإسرائيلي” يوآف غالانت بعد شهرين على العدوان وما يَزيد، حيث قال: “لا شرعية عندنا إلا شرعية الحرب، وإذا خسرناها لن نبقى في المنطقة”، ما يعني أن الكيان في زمن زواله، وهذا يُعتبر العارض الأول.
أما العارض الثاني الذي بدأ قبل ملحمة طوفان الأقصى فهو الواقع الذي يعيشه الكيان، بحيث أن “إسرائيل” بأربع سنوات حصلت فيها أربع عمليات انتخابية، لم تستطع بعدها إنتاج حكومة قوية.
أما الثالث فهو أميركي، بحيث ان واشنطن تعيش حالة انقسام عمودي على صعيد مجتمعها وأحزابها ، وبما أنها على أبواب انتخابات فهي عاجزة أيضاً عن إنتاج إدارة أميركية متماسكة.
وهذا ما يفسّر واقع أن “إسرائيل” لا تستطيع اتخاذ قرار وقف الحرب، لأن ذلك سيؤدي الى انفجارها داخلياً، وأميركا التي تُدير الحرب لا تستطيع أن تُلزِم “إسرائيل” بذلك ، لأنها تعاني من مشاكل داخلية، بمعنى لا تستطيعان إيقاف الحرب ولا تستطيعان الاستمرار بها والانتصار فيها، حقاً إنها معضلة معقّدة يَصعب من خلالها تصوّر سيناريوهات لحربٍ تُعتبر من أصعب الحروب التي يخوضها “الإسرائيلي” ومن خلفه الأميركي.
وما يؤكد ذلك، ظهور الانقسامات والتناقضات داخل الكيان على كافة المستويات، أي بين القيادات أنفسهم وبينهم وبين المستوطنين، وتحديداً أهالي الأسرى، كما في أميركا وما خرج الى العلن من خلافات بين الحزبيْن وداخل الحزبيْن، بحيث ما مِن أحد لديه القدرة على اتخاذ قرار صائب يُخرِج “إسرائيل” من أزمتها الوجودية.
رغم ذلك يَعمل العدو الإسرائيلي على رفع معنويات مستوطنيه، من خلال إخفاء خسائره وإنجازات المقاومة الفلسطينية، فالمستوطنون أيضاً تجنّدوا في سبيل الخدمة الأساسية للمعركة، بهدف تحقيق الإنجازات لأنهم يعلمون أن الخسارة تقع على الجميع، لكن إن استطاع الكيان إخفاء الضربات الأمنية والسياسية والعسكرية الى حد ما باعتبار أنها عنوان المعركة، إلا أنه لن يستطيع إخفاء الضربة الاقتصادية التي أصيبوا بها كنتيجة أساسية لهذه الحرب.
من هنا، يمكن القول إن إدارة الحرب تحوّلت الى إدارة العجز، الذي حلّ على الكيان ومن خلفه أميركا، فكلما زادت أيام العدوان ستزيد معها الخلافات داخل “القيادة الإسرائيلية”، وبخاصة أن مِن المعروف أن حرب الاستنزاف لا تصب في مصلحة معسكرهم، وإنما في مصلحة المقاومة الفلسطينية ومحورها، وهذا ما تعرفه واشنطن جيدا،ً لذا وقتها ليس مفتوحاً لنتنياهو الذي يَعرف أن إيقاف الحرب سيؤدي الى إنفجار أزمات “إسرائيل” على نفسها، وأن باستمرارها يؤمِّن استمراريته شخصياً…