ان صحّت معلومات أوساط صحافية خليجية، فان فلاديمير بوتين يتوقع حدوث تفاعلات استراتيجية خطيرة ووشيكة. من هنا دعوته القوى الأساسية في المنطقة الى التفاهم، بل الى التعاون، لتشكيل “حالة” يمكن من خلالها التعامل، من موقع القوة، مع تلك التفاعلات، وبعدما صدرت اشارات حول اعداد الحكومات الغربية لمؤتمر دولي (انتقائي) للنظر حتى في خرائط المنطقة.

 المعلومات أضافت أن الرئيس الروسي بحث هذه المسألة مع القادة الخليجيين الذين التقاهم، وكذلك مع الرئيس الايراني، اضافة الى الرئيس التركي، للتنسيق حول احتواء أي محاولة لدفع المنطقة نحو الهاوية. وهذا ما يراهن عليه بنيامين نتنياهو الذي لم يطلق كلامه جزافاً، أو بتأثير “هيستيريا اللحظة”، حول تغيير الشرق الأوسط.

 خوف روسي على كل من سوريا ولبنان. شيء ما في رؤوس قادة الائتلاف اليميني، بالحمولة التوراتية (والتلمودية)، في اتجاه الجبهة اللبنانية ما يمهد السبيل أمام استصدار قرار من مجلس الأمن (أين الفيتو الروسي؟) يتعلق باستحداث منطقة عازلة تمتد الى ما بعد الليطاني، وعلى أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

 ما يجعل الائتلاف يندفع في هذا الاتجاه السياسات المريبة لجو بايدن الذي يبدو، فعلاً، ليس كما البطة العرجاء، وانما كما الدجاجة العرجاء، أمام الاندفاع الدموي (الوحشي) للحكومة الاسرائيلية.

 اللافت هنا أن الروس ينصحون بعدم الوثوق بآموس هوكشتين الذي يتردد أنه وراء اقتراح المنطقة العازلة التي تعني ما تعنيه اذا ما أخذنا بالاعتبار عدد المرات التي وقع فيها العرب ضحايا النصوص الملتبسة، والمواقف الملتبسة، من القرار 242 عام 1967، وحتى اتفاق أوسلو.

 ولقد بات معلوماً أن هناك قيادات سياسية وحزبية لبنانية أبلغت المبعوث الأميركي موافقتها على ذلك الطرح، والى حد الدعوة الى تعديل القرارين 1559 و 1701 بربط التنفيذ بالفصل السابع. وفي وقت يفترض أن تكون القوى اللبنانية على اختلافها في خندق واحد لمواجهة الاحتمالات، تبدو الأمور وهي تمضي، كلياً، في الاتجاه المعاكس.

 الروس يقولون أن اللوبي اليهودي لم يكتف باعادة وضع “صفقة القرن” على الطاولة، بل أنه يحاول احياء السيناريو الذي وضع في عهد جورج دبليو بوش حول الشرق الأوسط الكبير، بمعايير أميركية واسرائيلية.

 الأرض هي التي تتكلم الآن. الاسرائيليون ماضون، كما وحيد القرن، في جنونهم الدموي. المسألة لا تتعلق فقط بالوضع في قطاع غزة، وانما في الضفة الغربية أيضاً. اللافت أن الملك عبدالله الثاني نقل الى الأميركيين قلقه مما “بعدالضفة “. لا بد أن الانكليز همسوا بشيء ما حول مصير المملكة في أذن صاحب الجلالة الذي يعلم مدى “اخلاص” الأميركيين لحلفائهم.

 في هذه الحال، ماذا تفعل الدول العربية حيال ما ينتظر دولهم، أو بعض دولهم. هل تكفي التطمينات الأميركية بعدما بدأت حكومات عربية حليفة ليس فقط بالتشكيك بصدقية الولايات المتحدة وانما بفاعليتها في الأوقات الحرجة، مع اعتبار أن السنة الانتخابية تكون، عادة، سنة الصفقات، ناهيك عن دقة الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها ادارة جو بايدن.

 الأميركيون يتهمون الروس بمحاولة تضليل حلفائهم، من خلال تقارير، وطروحات، لا تمت الى الحقيقة بصلة. ولكن ألا تكشف السياسات الأميركية المتعرجة (أم العرجاء) حيال المذابح الهائلة في غزة، مدى الزبائنية، وحتى التبعية، في صياغة السياسات الشرق أوسطية، وهي السياسات التي تتماهى، كلياً، مع سياسات اسرائيل، دون الالتفات الى صيحات الاحتجاج التي تصدر عن حكومات عربية لا تملك سوى “القدرة” على الشكوى (اما لله أو لأميركا كرديف دنيوي لله).

 لماذا الحاق اللوم على الأميركيين فقط. لا ننفي أن لتلك الحكومات نظرتها الى “الاخوان المسلمين” (ونحن نشاركهم النظرة وأكثر). لكنها قضية فلسطين، وقضية الفلسطينيين، بل وقضية العرب الذين يرون في أحداث غزة “وصلة دموية” وتنتهي دون الحد الأدنى من الاكتراث مما يحمله المؤتمر الدولي الذي قد يكون على شاكلة المؤتمرات التي عقدت عشية، وغداة، سقوط السلطنة العثمانية.

 ربما أخطر بكثير من تلك المؤتمرات…