كثُر الحديث أخيراً عن مطالبة دول الخارج وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، من لبنان تطبيق القرار 1701، ليس من أجل حفظ الأمن والسلم الدوليين، إنّما بهدف تأمين أمن المستوطنات الشمالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأنّ ثمّة 70 ألف إسرائيلي نزحوا منها منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول المنصرم، وما تلاها من مواجهات عسكرية عند الحدود اللبنانية الجنوبية بين “حزب الله” والعدو الإسرائيلي. وأبلغ هؤلاء حكومتهم أنّهم لن يعودوا اليها، ما لم توفّر لهم الأمن فيها، خشية أن يحصل لهم ما حصل في مستوطنات غلاف غزّة. هذا الأمر هو الذي دفع الحكومة الإسرائيلية لأن تطرح على حليفتها طلب تطبيق القرار 1701 من قبل لبنان، لا سيما بما ينصّ عليه من إنشاء “منطقة عازلة” جنوب الليطاني خالية من أي مسلّحين أو أسلحة، وحتى من السكان.

ويلتزم لبنان بالقرار 1701 ويُطبّقه منذ صدوره في 11 آب من العام 2006، ولا سيما “حزب الله” رغم تحفّظه عليه منذ ذلك الوقت، في ظلّ انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية، الى جانب قوّات الطوارىء الدولية “اليونيفيل”، في حين تخرقه إسرائيل يومياً باعتداءاتها المستمرّة على السيادة اللبنانية جوّاً وبرّاً وبحراً، فضلاً عن خروقاتها المستمرّة للنقاط الـ 13 الخلافية عند الخط الأزرق الذي هو خط إنسحاب وليس خط الحدود الدولية. ولهذا لا يحقّ اليوم لكلّ من أميركا وفرنسا الطلب من لبنان تطبيق تفاصيل هذا القرار، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، في الوقت الذي لا تحترم فيه إسرائيل كلّ القرارات الدولية، بما فيها القرار المذكور. وتذهب في وقاحتها الى تحديد حدود المنطقة العازلة في جنوب الليطاني وصولاً لى جبل الروس في مزارع شبعا التي لا تزال تحتلّها، رغم أنّ القرار 1701 ينصّ على ضرورة انسحابها فوراً من المزارع ومن تلال كفرشوبا ومن القسم الشمالي من بلدة الغجر.

ولكن يبدو أنّ دول الخارج قد تراجعت عن طلب تطبيق القرار 1701، على ما أكّدت المعلومات، كونه يُلزم إسرائيل بالإنسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية المحتلّة، ولأنّ الأمر لا يُمكن أن يُحلّ في ظلّ المواجهات العسكرية القائمة، إنّما بعد الوقف الكامل لإطلاق النار. فمسألة إظهار الحدود البريّة، سبق وأن طرحها الوسيط الاميركي في مفاوضات الترسيم البحري، ويُمكن فور انتهاء المعارك الذهاب الى التفاوض غير المباشر لتثبيت الحدود اللبنانية، المرسّمة والمثبتة أساساً في الإتفاقيات والخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة منذ الإتفاقيات الحدودية البريطانية- الفرنسية المعروفة باتفاقيات بوليه- نيوكومب التي عُقدت بين 1920 و1923، وصولاً الى اتفاقية الهدنة في العام 1949.

وأوضحت الأوساط نفسها أنّ انتهاء حرب غزّة، ووقف المواجهات العسكرية عند الحدود الجنوبية، لن يحصلا من دون تسوية إقليمة ودولية. وتقوم دول الخماسية حالياً بمناقشة ما سيحصل ما بعد حرب غزّة، ووقف القتال. وبالطبع سيفرض الميدان نفسه على تفاصيل التسوية المقبلة، وعلى ما سيكون عليه الوضع في قطاع غزّة وفي غلاف غزّة، كما في الضفّة الغربية، فضلاً عن جنوب لبنان. ولا يُمكن أن يتمّ التوافق من دون قرار أممي جديد، وليس من خلال تطبيق أي قرار سابق أو طلب تعديله، يُحدّد موقع كلّ من الأطراف في المرحلة المقبلة.

من هنا، فكلّ ما يُقال عن تطبيق القرار 1701، لا يعدو كونه طرحا إسرائيليا، على ما أضافت، يهدف بالدرجة الأولى الى الإستفادة من فتح جبهة عسكرية مع لبنان، بما يؤمّن أمن المستوطنات الشمالية في المرحلة المقبلة، كون الإسرائيلي يودّ الخروج من المأزق الذي وُضع فيه، ما يجعله يستبط الإقتراحات على الدول الحليفة والداعمة له. ومعروف عن العدو كيف يحاول دائماً استغلال الفرص لصالحه، غير أنّه لن ينجح هذه المرّة، لأنّه يطلب تنفيذ بند من القرار 1701، في حين أنّه لا يحترم ولا يُنفّذ أي من بنوده الأخرى.

ولهذا، أكّدت الأوساط عينها، أنّ الإسرائيليين والى جانبهم الأميركيين والفرنسيين قد تراجعوا عن الضغط على لبنان لتطبيق القرار 1701، مشيرين الى أنّه “ليس موضوعاً على نار حامية لأنّه يوقع “إسرائيل” في الفخّ ويُلزمها بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، وهي ليست جاهزة حالياً للقيام بمثل هذه الخطوة. أمّا الحديث عن ضغوطات أميركية وفرنسية وشروط تتعلّق بمقايضة الإنسحاب من الأراضي المحتلّة مقابل إنشاء “المنطقة العازلة جنوب الليطاني”، أو إنشاء هذه الأخيرة مقابل تجنيب لبنان ضربة إسرائيلية موسّعة عليه، أو عدم تسهيل عملية إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، في حال رفض لبنان تطبيق القرار المكور. فكلّها أمور مطروحة ولكن لا يُمكن العمل بأي منها حالياً، من دون وقف دائم لإطلاق النار.. وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه.