خسارة المواقع المارونية: “المداورة” الطائفية لتغيير الصيغة اللبنانية

في لحظة مفصلية وحرجة من تاريخ البلاد، وعلى وقع تقاطر الوفود الأجنبية إلى لبنان، تعمل على تفادي توسيع الحرب مع اسرائيل، والسعي لتعزيز دور الجيش اللبناني على الحدود، وترسيم الحدود البرية.. يشهد الداخل اللبناني معركة على قيادة الجيش، تهدد مصير المؤسسة العسكرية.
مثل هذا السيناريو لم تحلم به مثلاً قوى اليسار ككل في أثناء الحرب الأهلية. فما يجري لم يكن متوقعاً على الإطلاق. لا يمكن مقاربة ملف التمديد لقائد الجيش إلا وفق هذا المنظور. خصوصاً في ظل شخصنة المعركة، أو الدفع لإضعاف المؤسسة العسكرية أكثر. وسط تساؤلات كثيرة، تفرض نفسها حول ما الذي يختلف عن عباس ابراهيم أو حاكم مصرف لبنان لمنح التمديد إلى جوزيف عون.

ضرب ثلاثة قطاعات
في لبنان ثمة طبيعة سياسية لا تحبذ “مراكز القوى”، ولا من يكون لديهم شخصيات مستقلة، أو يعملون في سبيل تكوين شخصيتهم السياسية. ولذلك يفضلون عدم التمديد للقائد. لكن ذلك يقابله ضغط كبير في سبيل تمرير التمديد، وهنا تكمن لعبة التوازن، في مقابل شخصنة المعركة بالنسبة إلى جبران باسيل، والذي يخوض المعركة بشراسة، بينما القوات اللبنانية تتعاطى مع الملف بطريقة تجعلها وكأنها هي أكبر وأبرز الحلفاء للجيش اللبناني، بخلاف ما كانت عليه سابقاً، فيما تحول التيار الوطني الحرّ إلى الخصم للمؤسسة العسكرية على الرغم من تأكيدات مسؤولي التيار بأن معركتهم مع قائد الجيش وليس مع المؤسسة العسكرية. هذا الخلاف ستنجم عنه تداعيات كثيرة على صعيد التيار.

ذلك لا ينفصل عن ضرب ثلاثة قطاعات أساسية تعتبر من أهم القطاعات بالنسبة إلى الموارنة، القطاع الأول هو المصرف المركزي، والثاني هو القطاع الخاص والمصارف، والثالث هو قيادة الجيش. كل هذه القطاعات وجدت نفسها في مواجهة مع التيار الوطني الحرّ. إذ يذهب خصوم التيار إلى اعتبار أن تدمير هذه القطاعات لم ينجح بالقيام به، لا الناصريون، ولا الحركة الوطنية، ولا الفلسطينيون، ولا النظام السوري، ولا المشروع الإيراني. إذ في كل هذه الحقب بقيت هذه القطاعات والمرتكزات قائمة وفي حالة ازدهار أو رعاية واحترام داخلي وخارجي. لا سيما أن “الجيش” هو الذي حمى نظام المارونية السياسية منذ العام 1973، وميشال عون كان أحد أبرز عناصرها.

بعد استراتيجي
مع استلام قيادة الجيش من قبل رئيس للأركان من الطائفة الدرزية، بعد استلام شيعي للمصرف المركزي، وفي ظل فراغ أو شغور رئاسة الجمهورية، تكون المارونية السياسية قد تلقت أعنف الضربات، فيما لم يتبق من مراكز قواها في الدولة إلا مركز رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو أيضاً على خلاف كبير جداً مع التيار الوطني الحرّ، وتعرض للكثير من الهجومات والانتقادات، ما أدى الى تعطيل عمل القضاء.

تأتي كل هذه المعارك في ظل الضغط الدولي للعمل على تفعيل دور الجيش اللبناني، وخصوصاً على الحدود الجنوبية. وبالتالي فإن المعركة تأخذ بعداً استراتيجياً يتصل بدور الجيش ووضع البلد، وربما بالتركيبة السياسية ككل. لا سيما ان هذه المداورة القسرية طائفياً في المواقع الأولى في الدولة، قد تكون طريقة تمهيدية لإعادة تكريس مبدأ المداورة في المرحلة المقبلة، على وقع المفاوضات والتسويات السياسية. وبالتالي، إعادة ترسيم “حدود” الطوائف في المواقع الأولى، وسط نظريات كثيرة حول المداورة في الرئاسات وفي المواقع الأولى.
فهل يمكن لذلك أن يقود إلى إعادة طرح البحث بمصير الصيغة اللبنانية ككل؟

Exit mobile version