منى الحسن – أساس ميديا- |
في حسابات الربح والخسارة يمكن لجلسة مجلس النواب التي مدّدت لقائد الجيش العماد جوزف عون، ومعه اثنان من قادة الأجهزة الأمنيّة، أن تبقى دليلاً ساطعاً على تقدّم المعارضة بأشواط على الحزب والتيار الوطني الحرّ.
رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل بتغريدته التي تلت الجلسة عبر منصّة “إكس” كان واضحاً في أنّ انقلاباً ما قد تمّ خلف الكواليس على الاتفاقات التي سبقت جلستَيْ الحكومة ومجلس النواب، وكلمة سرّها الوحيدة أنّ الحزب أطاح بحليفه وإن لم يكن بالمباشر.
في أعقاب جلسة الجمعة انصرف قائد الجيش إلى تقبّل التهاني ليس بالتمديد فحسب، بل بالانتصار السياسي الذي أهّله وفقاً لمؤيّديه أن يكون مرشّحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، بينما التزم الحزب الصمت بعد محاولات عدّة مُنيت بالفشل لمؤازرة حليفه والتصدّي للتمديد. لكنّها محاولات لم تكن لتفشل لو أنّ الحزب وضع كلّ ثقله لإنجاحها. أقلّه هذا هو شعور التيار. خروج الحزب من الجلسة النيابية لحظة نقاش مشروع قرار التمديد لم يكن مؤشّراً إلى الرفض. خرج هو وأبقى على ملائكته داخل الجلسة يصوّتون للتمديد ويتباهون بإنجازهم.
اتّفاق بين الحزب والأميركيّين
يقول أحد النواب المحسوبين على الحزب: “كان كلّ شيء واضحاً. خرج الحزب من الجلسة ولم يطلب خروجنا منها، وهو ما فهمناه على أنّه اتفاق ضمني لتمرير التمديد”. في اعتقاده أنّ اتفاقاً على التمديد جرت حياكته بين الحزب والأميركيين عبر وسطاء.
خرج جوزف عون رابحاً بينما مُني جبران باسيل بخسارة سياسية بعدما سدّدت المعارضة هدفاً في ملعبه مستفيدةً من غضّ طرف الحزب. عقب جلسة التمديد التي ستتحوّل إلى محطة مفصليّة في السياسة يبنى عليها، سيكون مسار العلاقة بين الحزب والتيار مثار تساؤل. تلك العلاقة التي صمدت وتجاوزت مطبّات كثيرة في الآونة الأخيرة ليس معلوماً إذا ما كان بالإمكان تجاوز قطوعها لِما تنطوي عليه من أبعاد شخصية وسياسية على باسيل بفعل حليفه وتقديمه مجدّداً علاقته مع رئيس المجلس على العلاقة مع الحليف المسيحي.
منذ بداية البحث بملفّ التمديد لجوزف عون كان الحزب يكتفي بالقول على لسان مسؤوليه إنّ موقفه ليس واضحاً بعد وإنّ الأمر قيد البحث. خرج بعدها نائبه محمد رعد يقول إنّ الحزب يؤيّد التوافق، سواء كان بالتجديد أو التعيين أو تأجيل التسريح. موقف ضبابي جديد أُضيف إلى رصيده، فبقي حليفه يبحث معه في أبعاده، وفي كلّ مرّة كانت حارة حريك تعيد التأكيد أنّ التمديد يعني تسليماً بالرغبة الأميركية ونقطة للمعارضة. كان الحزب يوحي لحليفه بأنّ الطريق إلى التمديد مسدود، وصار يؤكّد أنّ السبب في ذلك التماهي مع رغبة باسيل، بينما كان جوزف عون مطمئنّاً إلى الإشارات التي ترده من الثنائي والتي لم تخلُ من الثناء.
كان واضحاً من مجريات إرجاء جلسة الحكومة أنّ انقلاباً شهدته الساعات الأخيرة الفاصلة عن جلسة البرلمان. اعتصام العسكريين المتقاعدين لم يكن صدفة. فقد شكّل فرصة ساعد من خلالها هؤلاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تبرير تأجيل جلسة تأخير التسريح. ربّ صدفة مقصودة أرادها من أراد فكان مفعولها سحرياً على الجلسة النيابية.
أخذ ميقاتي الإشارة. تعذّر وصول بعض الوزراء، من بينهم وزراء المردة. في رواية الحزب أنّ سليمان فرنجية عارض حضور وزرائه جلسة يصار خلالها إلى تعيين رئيس أركان تماشياً مع مبدأ منع التمديد في ظلّ الشغور الرئاسي. هذا الموقف أحرج الحزب وأغضب برّي الذي بات محرجاً بعدما منح وعداً للقوات اللبنانية بعرض مشروع قرارها للتمديد على النقاش في الجلسة العامّة. كان أغلب الظنّ أنّ فقدان النصاب في مجلس الوزراء سيسري حتماً على الجلسة النيابية. كانت لحظات قاسية تلك التي نقلت خلالها وسائل الإعلام انسحاب نواب الحزب من الجلسة. لوهلة حملت هذه اللحظة مؤشّراً إلى اتفاق على فرط الجلسة. تابعها الكلّ، وبمن فيهم التيار الوطني الحر، وكانت المفاجأة. خرج الحزب وأبقى على أتباعه داخل الجلسة يصوّتون على التمديد كما صوّت نواب كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري. وخرج معاونه السياسي النائب علي حسن خليل يصف مقاطعة نواب الحزب “بالأمر المتّفق عليه والمفهوم ضمن إطار تعاون طرفَي الثنائي الوطني”. وهذا التأكيد على تبادل الأدوار بين طرفَي الثنائي يدفع إلى اعتبار خروج الحزب من الجلسة دليلاً على “قبّة باط” للتمديد لا اعتراضاً عليه، وبذلك يكون قد سلّف القائد وأرضى الخارج والداخل، ولم يخالف وعده لحليفه. لكنّ السؤال: هل يرضي خروج نواب الحزب حليفهم ويقنعه أنّ التمديد حصل عنوة؟
هل هُدّد برّي وميقاتي؟
في تبرير الثنائي أنّ ارتفاع وتيرة التحذيرات الخارجية من الفراغ كان سبباً في التمديد. شهدت الساعات الأخيرة تهديدات وصلت أصداؤها إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ودفعتهما إلى التمديد. إذاً اتفق بري وميقاتي على باسيل وأحرجاه حتى أخرجاه، لكن مع من سينسّق الثنائي خطواته بشأن رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة؟ وهل يتابع مسار البحث الرئاسي سيره على طريق حارة حريك – ميرنا الشالوحي ويعود إلى سابق عهده؟
ماذا يقول التيّار؟
تقول مصادر قيادية في التيار: “إذا كان من انتصار فهو انتصار التواطؤ على التحالف والخبثنة على الصراحة والمخالفة على القانون والكذب على الحقيقة. وإذا كان من انتصار فهو انتصار المصالح على الدستور. هو انتصار جديد للمنظومة في مسلسل المخالفات منذ التمديد لعهد الرئيس الياس الهراوي إلى إميل لحود والقادة الأمنيين والحاكم، واللائحة تطول”.
لقد تبيّن للتيار أنّ “المصلحة المشتركة بين القوى السياسية أقوى من فكرة الدولة”. وما “أحزنه” ليس التمديد لشخص في معركة “ليست شخصية”، بل “التمديد لنهج مخالفة الدستور، وقد أظهرنا أسباب المعارضة له من تطبيق القرار 1701 إلى النازحين والحدود”.
تتابع المصادر قائلة: “المؤسف أنّ من آمنّا بقضيّتهم التي هي قضيّتنا، تعاملوا معنا بالمقابل بالتسلّل”. ماذا عن مستقبل العلاقة؟ الجواب أنّ “التعامل صار على القطعة والاتصالات وإن استمرّت فالأمور لن تكون بخير، وأصل المشكلة أنّ الحزب غير قادر على أن يكون صريحاً مع نفسه”.
ربّما كان ما يصبو إليه الحزب أن تغدو علاقته مع التيار على القطعة، لكن ما ليس معلوماً هو كيف سيتجاوز قطوع التمديد إلى الرئاسة؟ وكيف سيواجه توحيد صفوف المعارضة التي تعيش نشوة النصر وترغب في تكراره بالرئاسة؟ وهل يمكن أن يتعامل بسياسة غضّ الطرف ذاتها أم سيكون التمديد ورقة ضغطه على باسيل لإجباره على القبول بترشيح سليمان فرنجية على قاعدة الشراكة وإلّا فالبديل جاهز؟
بينما كانت الجلسة منعقدة كانت تنهال بيانات الحزب العسكرية مدوّنةً عملياته ضدّ إسرائيل وتحصي خسائر العدوّ على جبهة الجنوب. همّ الحزب استراتيجي، وكذلك حساباته، فهل يلغي هذا خسارته؟