المفاجأة القادمة ستأتي – السؤال هو كيف تستعد لها إسرائيل

هآرتس – عاموس هرئِل (محلل الشؤون العسكرية)

أطلس للدراسات / ترجمة: فاتن أيوب

50 سنة على حرب يوم الغفران، استخلاص العِبَر من الفشل الاستخباري مستمر. في عالم لا يمكن فيه منع احداث غير متوقعة، يقول قائد شعبة الاتصالات المحوسبة، الجهد الأهم هو إعداد استجابة أفضل لها

برأيي، الكتاب الأكثر إثارة للاهتمام، من بين الكتب الكثيرة التي صدرت مؤخرا مع مرور 50 سنة على حرب يوم الغفران، ليس جديدا وحتى انه لم يُكتب عن نفس الحرب. إنه كتاب “بيرل هاربور، إنذار وقرار”، الذي ألّفته الباحثة الأميركية روبرتا وولشتاتر عن الهجوم الياباني المباغت في هاواي في كانون الأول / ديسمبر 1941، الذي صدم الولايات المتحدة ودفعها أخيرا إلى الانضمام إلى الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور.

الكتاب، الذي صدر لأول مرة في سنة 1962 – قبيل أزمة الصواريخ في كوبا – تُرجم مؤخرا إلى العبرية. الترجمة تصبح بطريقة ما ذات صلة كبيرة بالخلافات الشائعة من جديد حول ذكرى يوبيل حرب سنة 1973. في نفس الوقت، يبدو انها قابلة للاستخدام أيضا في النقاش حول التحليلات والتوقعات في سنة 2023، التي تحذّر فيها شعبة الاستخبارات من إمكانية متزايدة لاندلاع حرب متعددة الجبهات. رئيس شعبة الاتصالات المحوسبة في الجيش الإسرائيلي، عيران نيف، الذي بادر إلى إصدار النسخة العبرية، ألّف مقدمتها أيضا وحرص على توزيعها على الضباط الكبار.

النظرية الاستخبارية التي طوّرتها وولشتاتر في هذا الكتاب تُعتبر إلى اليوم كلاسيكية وكثيرا ما تُقتبس. موضوعها هو “إشارات وضجيج” وتهدف إلى تفسير ظاهرة المفاجأة الاستراتيجية… وولشتاتر، التي درست الفشل الدراماتيكي لجهاز الإنذار الأميركي، وصفت إشارة استخبارية بأنها “تمثّل رمزا أو إشارة أو قصاصة دلالة، تتحدث عن خطرٍ فريد، عن خطوة أو نية عدو محدد”. بزعمها، الأخبار المطلوبة من أجل التوصل إلى هذه الخلاصة موجودة بصورة شبه دائمة في متناول عناصر الاستخبارات والقادة، لكن في النقطة الزمنية التي يمكن فيها فهمها “تُبتلع في خضم الضجيج الكبير لصارفي وحارفي اهتمام، ولذلك لا يستخدمونها”.

في حالة بيرل هاربر، كانت هناك مؤشرات كثيرة دلّت على هجوم قريب، لكنها ذهبت هباء. بحسب وولشتاتر، التفسير ليس في نحس أو إهمال مجرم أو بأصحاب مناصب غير جديرين. “إنها تدل على ظاهرة إنسانية ومعقّدة تُعمي المنظومة”، يكتب نيف ويضيف، “بيرل هاربر لم تكن ضحيتها الأولى ولا حتى الأخيرة”.

الكتاب نفسه يستعرض الأمور بتفصيل: الإدارة الأميركية كانت وافرة المعلومات، لكنها لم تنجح في قراءة الخطوة التالية للعدو خلال أزمة. الولايات المتحدة لم تستعد للتعامل مع طريقة عمل يابانية اعتُبرت غير معقولة، في حين انها كانت فعليا ذات معقولية منخفضة.

….

عمّا تبحث الاستخبارات

النقاش العام في حرب يوم الغفران ينسحب على خلافات كثيرة، تتصل من بين جملة أمور بأداء الجيش الإسرائيلي بعد المفاجأة الأولية، ومسلكية المستوى السياسي طوال الحرب والصلة بين قرار رئيسة الحكومة غولدا مئير برفض جهود السلام الأميركية في ظل المطالب المصرية، وبين قرار الرئيس المصري أنور السادات شن هجوم. ….

ولا يزال، في صلب الانشغال بالحرب وإخفاقاتها، تمثل مسألة المفاجأة الاستخبارية والمعالجة المختلة من “أمان” في الإنذار القصير لكن المسبق الذي نقله الجاسوس أشرف مروان عشية يوم الغفران. حتى ان الموساد نشر بصورة رسمية في هذه السنة روايته التاريخية فيما خص تسلسل الأحداث. من المتوقع ان تصدر قريبا كتب إضافية، أحدها يخالف هذه الرواية ويوجّه أصابع اتهام تحديدا إلى تعامل الموساد مع العميل المصري وتحذيراته.

لكن مثلما يكتب نيف، النقاش حول إشارات وضجيج ليس منحصرا بحرب يوم الغفران أو الحرب العالمية الثانية. في سنة 2018، بعد عرقلة مستمرة ومبالَغ فيها فرضتها الرقابة العسكرية، سُمح بنشر رواية مفصلة من مصادر إسرائيلية في قضية مهاجمة المفاعل السوري في سنة 2007. لاحقا تبين ان قُدّم على انه اكتشاف رائع لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي والموساد، أُثيرت حوله أيضا مزاعم بأن إسرائيل اكتشفت متأخرة بصورة ملحوظة الخطة السورية والكورية الشمالية لإقامة مفاعل. لولا ان رئيس الحكومة حينها، إيهود أولمرت، عمل بحزم، قيل، لكانت إسرائيل أمام كارثة استراتيجية. عنا تعلق الأمر بإشارات ضعيفة جدا عن سعي سوري إلى نووي عسكري، لكن يبدو انه طوال سنوات معدودة لم تبذل أجهزة الاستخبارات جهدا زائدا في البحث في هذا الاتجاه.

حالة بارزة أخرى ترتبط بخطف حزب الله عنصري الاحتياط في تموز / يوليو 2006، الذي أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية. لشديد مفاجأته، عندما بدأت التحقيقات العسكرية اكتشف قائد فرقة الجليل (الفرقة 91)، العميد غال هيرش، أن “أمان” تلقت في الأسبوعين اللذين سبقا عملية الخطف أكثر من 30 خبرا وقصاصات أخبار تتصل بها. هيرش، الذي استقال من منصبه ومن الجيش الإسرائيلي بعد ان ألقت عليه لجنة برئاسة اللواء احتياط دورون ألموغ أساس المسؤولية عن الخطف، زعم انه لو كانت المعلومات بيده في الوقت المناسب لكان أبقى الاستنفار المرتفع الذي أعلن عنه في الفرقة قبلها بعدة أسابيع.

من دونها، سمح هيرش لدورية الجيش الإسرائيلي بالعودة إلى التحرك بمحاذاة السياج الحدودي، حيث وقعت عملية الخطف. عناصر استخبارات في المنطقة الشمالية زعمت حينها ان التحقيق العسكري عمل “كلجنة لتبرئة جهاز جمع المعلومات”. ألموغ ردّ بأنه لم يكن في القضية فشلٌ استخباري ولا مبرر لمحاولة نسبة أهمية زائدة لاحقا لشذرات المعلومات التي جُمعت.

البجعة السوداء

ليست هذه الحالة الجلية لبيرل هاربور، أو حالات أخرى يذكرها نيف مثل هجوم 11 أيلول / سبتمبر 2001، وربما أيضا رد غالبية العالم على وباء الكورونا في شتاء 2020. ويكتب نيف: “من تجربتي الشخصية، سأضطر للموافقة على انه لا يمكن منع مفاجآت كليا، لكني أعتقد انه يمكن بالتأكيد تقليص حجمها وفي الأساس خفض نوعيتها. هناك أهمية كبيرة لتنمية ثقافة تنظيمية تمكّن وتشجع التفكير النقدي… لا ينبغي بمنظمة ان تشعر برضا زائد. هذا الشعور خطير حيث انه يقطع الطريق على التعلّم والنقد. عليها ان تشجع التنبه والفضول والشجاعة من أجل التغلب على أسوار الجمود التنظيمي”.

في حديث مع “هآرتس”، يربط نيف بين الإشارات والضجيج ونظرية “البجعة السوداء” للاقتصادي نسيم طالب، التي تتناول التداعيات الدراماتيكية لأحداث غير متوقعة. عندما كان قائد مدرسة الضباط، قاد نيف سلسلة “البجعة السوداء” طُلب خلالها من المتدربين التعامل مع سيناريوهات نادرة ومفاجئة. طالب يزعم انه كلما كانت الظاهرة شائعة أكثر كلما تزايدت نزعتنا للافتراض ان المرة القادمة التي سنصطدم فيها بها ستكون مشابهة لسابقتها. بعد تحقق البجعة السوداء، سينتج دائما شعور دهشة وإحباط حيال الفشل، فيما من الواضح ان المؤسسة لم تستغل المعلومات التي تملكها لتوقّع المفاجأة.

يقول نيف: “ملازمون ونقباء يمكنهم التعلّم من الكتاب. لكن في الأساس من المهم جدا ان يتعلم منه كل المسؤولين في كل مكان. بيرل هاربر هي مثال يسلب العقل، متطرف، يستلزم من ناحيتي القول: إذا كان هذا قد حدث للجيش الأميركي، ولم يحدث لهم فقط، هذا يمكن ان يحدث لأي أحد”. يجب على الجيش الإسرائيلي درس هذه السيناريوهات وان يبني لها رزمة من خطوات الرد. هذا هو حافزي المركزي. نتيجة التعامل مع المفاجأة الاستراتيجية، الأميركيون أنتجوا منظومة يمكنها البقاء والتعزز. لم يرجعوا إلى الوراء حيال الهجوم الياباني. علموا بمثابة ردة فعل زائدة (تجنيد وطني هائل للمجهود الحربي) من أجل التعامل معه. أنا أنطلق من فرضية ان مفاجآت كهذه ستواصل الحدوث. عندما أنظر إلى مفاجآت عسكرية، في النهاية هذه الأمور تنجح. هناك ضعف في الوعي البشري. إلى الأبد ستكون هناك أوضاع نقع فيها”.

إنها قضايا ثقيلة الوزن بالنسبة لمؤسسة عسكرية تهرول بين أداء مئات المهام وكثيرا ما تركّز كثيرا عليها من أجل التوقف وتحليل الصورة الواقعية الشاملة بالكامل. نيف يعترف انه “في الأغلب، فرضية العمل هي ان نماذج اتخاذ القرارات صحيحة. لكن كل مدة، سيما لمن هو مسؤول عن أجهزة حساسة – وأنا أيضا كمسؤول عن مجال سايبر وديجيتال الجيش الإسرائيلي – التفكير أيضا بمفاهيم مفاجآت استراتيجية وبجعات سوداء، والنظر إلى الواقع بهذه الطريقة. التوقّع هو أداة لا يمكننا من دونها، لكن في الأماكن التي فيها نظم متحركة جدا ونتائج يمكن ان تحدث بحجم كبير خلال وقت قصير، هناك حساسية أكبر لمفاجآت استراتيجية. لذلك توقع كهذا خطير جدا ويجب أخذه بضمانة محدودة.

وولشتاتر وطالب على حد سواء يقولان ان فرضية العمل يجب ان تكون اننا آيلون لتلقي ضربة. لكن باستعداد صحيح يمكن تحقيق ثلاثة إنجازات: تقليص عدد المفاجآت، الحد بصورة مهمة من خطورتها، وإنتاج خطة للانتعاش من أوضاع كهذه – وحتى إنهاء الحدث بوضع أفضل مما دخلنا إليه. مفاجآت أساسية تُخرجك من النماذج. إنه وقت جيد لإنتاج نماذج جديدة. بعض المنظمات التي تتلقى ضربة قاسية تختفي. بعضها يستعيد عافيته وتحديدا يقوى”.

حسب قول نيف: “الوضع بسيط: إذا انهار مجال ديجيتال الجيش الإسرائيلي – الجيش لا يمكنه العمل. تقريبا ولا أي نشاط بشري يعرف التعامل اليوم من دون مجال الديجيتال وكذلك نحن في الجيش مرهونون بصورة مطلقة بالديجيتال. منظومات ديجيتال يمكن ان تُهاجم ماديا، تلقّي ضربة سايبر والانهيار نتيجة خلل عندنا، مخدم يسقط أو حتى تراكتور يلحق الضرر بكابل. السايبر هو بُعد قتال بناه الانسان، بخلاف الأبعاد الأخرى للقتال، في البر والبحر والجو، التي هي أبعاد طبيعية. إنه منظومة يجب ان تُصنّف كنقطة ضعف هشة، كأن بجعة سوداء يمكن ان تهزمها. من أجل حمايتها لا يمكن الاكتفاء فقط بالأنشطة العادية. في الدفاع، ما تبنيه هو قبل كل شيء مِنعة أساسية. في المنظمات المتقدمة اكثر هناك أيضا بُعد تعلّم، تكيّف وتحسين. لكن هذين الاثنين لا يوفّران الاستجابة لسيناريو بجعة سوداء. ما علينا أخذه في الحسبان في السايبر هو هجوم على مستوى قوة عظمى: ان يحدث لك شيء نادر ومتطرف، وحتى أمكنك ان تعرف عنه واخترت عدم تعاطيه. حيال تهديد كهذا، عمليا، يجب القيام بأمور أخرى: عدم الاعتماد على نموذج واحد فقط، توزيع قدراتك، إنتاج تفوّق، إعداد استجابة زائدة غير معيارية لمفاجآت كبيرة، وكذلك الحرص على الاحتكاك بالواقع طوال الوقت. لذلك، نحن نبني جملة مناورات قاسية ومعقدة، في السايبر والديجيتال، ستتحدانا على أصعب مستويات، كي نعرف الصمود فيها”.

Exit mobile version