الكيان المؤقت والحرب الشاملة
يحيى دايخ ٢٠٢٤/٠٢/٢٥
المقال نيوز
طالما سمعنا في الآونة الأخيرة تهديدات أركان حكومة العدو بشن حرب شاملة في شمال فلسطين المحتلة بهدف استعادة الأمن والأمان الى المغتصبات الشمالية وتحقيق ما يسمى بالردع المتآكل، واسترجاع بعض مما يطلق عليه هيبة جيش الكيان المحتل، التي فقدها بتاريخ ٧ اكتوبر على يد المقاومة الفلسطينية والتي ثبتتها المقاومة الاسلامية في لبنان واستتبعتها عمليات انصار الله في البحر الاحمر. تبرز إشكالية يواجهها صناع القرار في حكومة العدو المنقسمة على بعضها وخاصة في مجلسي الحكومة المصغرة ومجلس الحرب وهي :
*الى اي مدى يمكن أن يذهب العدو في تحقيق تهديداته؟*
هناك عدة اعتبارات تتلخص بأسئلة من المفترض ان يطرحها صناع القرار على انفسهم ومن خلال الإجابة عليها يتضح الإتجاه العام الذي يمكن ان يبلور الخطوات التي سيتخذها العدو إن لجهة تنفيذ وعيده أم لا وهي:
– هل الادارة الأمريكية باعتبارها الداعم الرئيسي للعدو تسمح باتخاذ قرار الحرب الشاملة؟
– هل حكومة العدو قادرة على دفع ثمن قرار مثل هذا؟
– هل المستوطنين يستطيعون تحمل أثمان حرب شاملة ومدمرة في الشمال على كل فلسطين المحتلة؟
– ماهي المصلحة العليا الاستراتيجية والوجودية للكيان المحتل وتداعيات الحرب الشاملة على بقاء هذا الكيان المؤقت خاصةً مع الامكانية المؤكدة في فتح عدة جبهات وساحات تطال العدو في المقتل؟
في الإجابة الواقعية والعقلانية على هذه الأسئلة يتضح التالي:
١- بالنظر إلى الواقع الأمريكي ومصالحه الاستراتيجية في غرب آسيا يتبين أن هناك هدفين أساسيين:
أ- حماية كيان العدو كونه قاعدة متقدمة عملاتية ولوجستية في المنطقة لتحقيق وتنفيذ مشروعه.
ب- حماية وتنفيذ مصالحه في غرب آسيا بالسيطرة الدائمة على آبار النفط والغاز ومخزونها الاستراتيجي، وبقاء سيطرته ونفوذه الأحادي على الممرات المائية من مضيق هرمز في الخليج الفارسي الى بحرب عمان امتداداً الى خليج عدن ومضيق باب المندب وصولاً الى قناة السويس.
ولتحقيق هذين الهدفين لا يمكن ان يسمح الأمريكي بنشوب حرب شاملة في المنطقة لعدة إعتبارات أهمها: أنها تهدد وجوده فيها وتمنعه من السيطرة عليها وخسارة نفوذه لصالح الصين التي يسعى الى تخفيض حدة التوتر معها حالياً، وكذلك لروسيا التي انشغل عنها في حربها مع أوكرانيا من جهة، وايجاد مقاومات شعبية في دول المنطقة ترفض بقاءه مثل ما يجري الآن في اليمن والعراق وسوريا من جهة ثانية.
بالإضافة الى أن الأمريكي منشغلاً الآن في الإنتخابات الرئاسية .
٢- لا يخفى على ذوي الرأي والتحليل السليم بأن مصير نتن ياهو السياسي والشخصي على المحك ومن مصلحته الشخصية الذهاب الى الحرب لأنها فيما لو وقفت فمصيره السجن، ولكن ومع محاولة توفيقه بين ما يطلبه اليمين المتطرف من أمثال بن غفير وسمورتش وبين اليمين “المعتدل” في حكومته نراه يميل الى مواصلة الحرب على غزة ومتردد في الشمال، وعليه فإن من الصعب بمكان إن قرر الذهاب الى حرب شاملة في الشمال وأن يتحمل تباعتها التي من المؤكد انها ستقضي على مستقبله نهائياً.
٣- نرى حاليا في المطالبات الشعبية خاصةً عند مستوطني الشمال الضغط على الحكومة لجهة توفير شروط الأمن لهم للعودة الى المستوطنات وذلك عبر المطالبة بإبعاد المقاومة الإسلامية عن الحدود الشمالية سياسياً كان او عسكرياً، ولكن هذه المطالب لا تعدو عن كونها ردات فعل يمكن ان تنقلب الى سخط ونقمة ومطالب برحيله في حال الفشل، وخاصةً اذا أخذنا برأي جزء كبير من مستوطني الداخل من أهالي الاسرى وذوي المصالح الاقتصادية والتجارية في الداخل والتي تنادي بوقف الحرب لما لها من تداعيات على مصالحهم ومعايشهم وهذا ما بينته آخر استطلاعات للرأي في داخل الكيان المحتل، وعليه فإن قرار الحرب الشاملة ليس من السهل اتخاذه على نتن ياهو.
٣- اما بالنسبة للمصلحة الاستراتيجية والوجودية في بقاء الكيان تظهر عدة دلالات أهمها:
الانتماء والهوية: فالمستوطنين عبارة عن شذاذ آفاق من انتماءات وهويات متفرقة قلوبهم شتى نراهم جمعماً وهم في الحقيقة متفرقون تحكمهم العنصرية والتفوق العرقي بين بعضهم البعض ولا تجمعهم الا المنفعة والمصلحة وليسوا مرتبطين بالارض والهوية والغالبية العظمى منهم من ذوي الجنسيات المزدوجة وهذا ما أظهرته الحرب في غزة، وبالتالي سيرحلون عند اي خطر يهدد بقاءهم .
لذا من الطبيعي ان يكون تقدير الإتجاه العام اقله حاليا وفي المستقبل القريب ان لا حرب شاملة للاسباب الآنفة الذكر واهمها التالي:
١- سيقوم نتن ياهو وحكومته على توسيع الحرب بما يخدم بقاءه في السلطة اي انه سيعمد إلى رفع وتيرة الاغتيالات للمقاومين في العمق، بهدف تظهير انجازات له امام المستوطنين.
٢- سيعمد من خلال هذه الاغتيالات على ايجاد بيئية غير آمنة لأهالي الجنوب وعموم بيئية ومكونات المجتمع المقاوم، ويستغل ذلك كإنجاز له.
٣- سيعمد من خلال الغارات والتدمير والقتل إلى ايجاد اتجاه رأي عام في مجتمع المقاومة تطالب بفك جبهة المساندة مع غزة ووقف العمليات العسكرية ضد العدو، وهذا سيستخدمه كإنجاز كذلك.
٤- يسعى من خلال كل ذلك الى الضغط على الدولة اللبنانية عبر الأمريكي ومن خلفه الفرنسي والبريطاني والمطبع العربي للضغط على المقاومة للمطالبة بوقف العمليات العسكرية.
٥- يسعى كذلك الى ايجاد وتكوين رأي عام لبناني من خارج المجتمع المقاوم رافض ومندد للتضامن مع غزة ووقف للاعمال العسكرية المساندة لها.
وهذا السيناريو يعطي نتن ياهو فرصة لتظهير انجازات قام بها على الجبهة الشمالية مع عدم ممناعة بل ومباركة أمريكية تصب في عدم الذهاب إلى حرب شاملة وتحقق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية .
وعليه على المقاومة الإسلامية ايجاد السبل والطرق والإجراءات الكفيلة بتفشيل المشروع الصهيوامريكي وتثبيت معادلات تردعه كما فعلت سابقاً.
وعلى مجتمع المقاومة والبيئة الحاضنة التمتع بالوعي والادراك لمخططات العدو والالتفاف حول مقاومتها واحتضانها اكثر .
وعلى الدولة اللبنانية باجهزتها المختلفة ان تتنبه لما يحاك وان تدافع عن حق ابناءها وكراماتهم ومظلومية أهلنا في غزة.