مساء 30 نيسان 2013، وكانت سنتان قد مرّتا على اندلاع الحرب على سوريا، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ليس بصفته قائداً للحزب وحسب، بل باسم حلفائه الإقليميين والدوليين، أن «ما يجري في سوريا يعنينا جميعاً»، وأن «لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا بأن تسقط بيد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية». باعتماد قاعدة القياس، يمكن القول، براحة، إن ما ينطبق على سوريا ينسحب على غزة، وإن الموقف الرسمي للحزب ليس أقل من أن «ما يجري في غزة يعنينا جميعاً»، وأن «لغزة في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا بأن تسقط بيد أميركا أو إسرائيل».
منذ اللحظات الأولى لتكشّف آثار الهزيمة التي ألحقتها عملية «طوفان الأقصى» بالكيان، توجّهت الأنظار في تل أبيب وواشنطن وعواصم أوروبية وعربية إلى حزب الله، مع كثير من التهويل والتهديد، علناً وسراً، من «مغبّة التدخل» في معركة «محو العار» الذي لحق بالجيش الإسرائيلي، إذ تدرك إسرائيل، كما بيّنت وقائع عملية «طوفان الأقصى» والتخبّط الذي تلاها، أن جيشها غير قادر على القتال على جبهتين ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، وأن تفرّغها لـ«القضاء» على المقاومة في غزة يقتضي تحييد المقاومة في لبنان.
في المقابل، اكتفى حزب الله منذ بدء التطورات الأخيرة بموقف رسمي أطلقه رئيس مجلسه التنفيذي السيّد هاشم صفي الدين، أكّد فيه «أننا في هذه المعركة لسنا على الحياد»، وقرن ذلك بتفعيل جبهة الجنوب في سلسلة ردود على محاولات إسرائيلية لاستغلال التجييش الدولي والتهويل الأميركي في محاولة لتغيير المعادلات التي فرضتها المقاومة على هذه الجبهة.
موقف الحزب تحكمه حالياً قاعدتان أساسيتان: لا حياد في هذه المعركة، وجهوزية عالية للتدخل متى اقتضت الحاجة، مع إضفاء غموض كثيف على الخطوط الحمر أمام العدو، وتعمّد عدم توضيح السقف الذي سيدفع تخطّيه الحزب إلى التدخّل، لئلّا يُفهم أن كل ما دون هذا السقف مسموح للإسرائيلي فعله، وما يتيح للمقاومة مساحة أوسع للتحرّك والتدخّل بما تقتضيه ظروف المعركة، ويضفي ارتباكاً على الحسابات الإسرائيلية، مع مشاغلة ميدانية تزيد في إرباك العدو على الجبهة الشمالية.
من دون التقليل من أهمية الانحياز الغربي والدعم الأميركي المفتوح للوحشية الإسرائيلية، وصولاً إلى الحضور الأميركي المباشر على الأرض وفي البحر، ثمة إشارات ينبغي أخذها في الحسبان، أهمها أن اعتبار دولة الكيان أنها أمام حرب وجودية، يقابله شعور مماثل لدى محور المقاومة الذي نظّر في السنوات القليلة الماضية لمفهوم وحدة الساحات، إدراكاً منه بأن الاستفراد بإحدى هذه الساحات مقدمة للقضاء عليها واحدة تلو أخرى. بناءً عليه، لا التدخل الأميركي ولا حاملة الطائرات ولا التهويل، «تخيف شعوب فصائل المقاومة المستعدة للمواجهة حتى تحقيق النصر النهائي والتحرير الكامل»، على ما جاء في بيان حزب الله، أمس، مع إدراك أن استنجاد العدو بالولايات المتحدة في معركة استعادة هيبته يشير، رغم كل الوحشية التي يصبّها على الفلسطينيين، إلى أنه لا يملك القدرة على عكس اتجاه المسارات في المنطقة. فلا المسار التصاعدي للمقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة يمكن إعادته الى الوراء، ولا هناك إمكانية لعكس المسار الانحداري لكيان العدو نفسه.
نزول الأميركيين بثقلهم ليس هو ما يحدّد ما إذا كان حزب الله سيتدخل في المعركة أو لا، إن لم يكن منخرطاً فيها بالفعل. وحدها مجريات الأحداث ما يحدد ذلك. أما هذا «الحضور المباشر»، فقد يكون من أوضح تطبيقات شعار «تحويل التهديد إلى فرصة». يزخر تاريخ الأميركيين الحديث بصور طوافات تجليهم من على سطوح سفاراتهم، من دون أن تفلح مدمّراتهم في تحويل وجهة أيّ معركة، ولهم عبرة بذلك الأحد، في 23 تشرين الأول 1983، وخروجهم الذليل تحت ظلال مدمّرة «نيوجيرسي» التي كانت مفخرة البحرية الأميركية آنذاك. يومها، أبعد الأميركيون «نيوجيرسي»، التي كانت تقصف الجبل، عن الشاطئ خشية أن هناك من كان يعدّ لاستهدافها. فحاملات الطائرات ليست مصدراً للتهديد فقط، بل يمكن أن تكون، أحياناً، هدفاً إضافياً وحقلاً لتجارب أسلحة جديدة. حدث ذلك مع بارجة «حانيت» التي أخرجتها المقاومة من الخدمة عام 2006. وحدث قبل ذلك عندما أعطب تنظيم «القاعدة» المدمّرة «يو أس أس كول» في خليج عدن عام 2002. ويمكن أن يحدث ذلك في أيّ وقت. فتجاوز الخط الأحمر في غزة لا يبقي بعده أيّ خطوط حمر.