السعوديّة تشكّل رباعية عربية إسلامية… دفاعاً عن الفلسطينيين

جوزفين ديب -أساس ميديا

كشفت مصادر دبلوماسية رسمية رفيعة المستوى لـ”أساس” أنّ “المملكة العربية السعودية بدأت مساعٍ دبلوماسية مع الولايات المتحدة وتركيا وإيران ومصر من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة وضمان عدم امتداد الصراع إلى ساحات أخرى في المنطقة”. وهي التي شاركت في المساعي لإصدار بيان جامعٍ بعد قمّة جامعة الدول العربية على مستوى وزارء الخارجية في القاهرة. وكان حازماً في المطالبة بالآتي:

– وقف العدوان على غزّة.

– وقف الحصار.

– إمداد غزّة بالمساعدات الإنسانية.

– إطلاق كلّ الأسرى من السجون الإسرائيلية.

– وقف كلّ ما يقوّض عملية السلام العادل والشامل وحلّ الدولتين.

– إدانة قتل المدنيين من الجانبين. وهذا البند كان محل نقاشٍ مستفيض، بعدما طالب الأردن بإضافته على مسودّة القرار الذي تقدّم به المندوب الفلسطيني.

كما كشف مصدر دبلوماسي لبناني أنّ أحداث غزّة دفعت المملكة إلى إعادة النظر في مسار التطبيع، وأنّ وليّ العهد محمد بن سلمان أعاد ربط كلّ هذا المسار التفاوضي بحقوق الشعب الفلسطيني بدءاً من دولة فلسطينية، تماماً كما أقرّتها مبادرة قمّة بيروت عام 2002، ليعيد تكوين شكل الوساطة الأميركية بين السعودية وإسرائيل، ويبعث رسالة لحكومة بنيامين نتانياهو بأن لا خطة سلام إلا وفق شروط المبادرة العربية للسلام.

ويقول مصدر دبلوماسي حضر اجتماع القاهرة أنّ موقفَيْ الأردن ومصر تقاطعا مع موقف السعودية في إجماع عربي سيتقاطع مع إجماع إسلامي، لتشكيل رباعية “السعودية ومصر وتركيا وإيران” كدرع دفاع عن غزّة، وسيف ضغط على إسرائيل وحلفائها لوقف العدوان والبدء بمفاوضات من أجل تبادل الأسرى ورفع الحصار.

يأتي هذا التقاطع العربي الإسلامي على وقع تأكيد طهران عدم ارتباطها بالعملية النوعية التي قامت بها حركة حماس، وإعلان الأخيرة على لسان مسؤوليها أنّ عمليّتها هذه لا تصبّ في خانة التصويب على مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، وذلك على لسان القيادي في حركة “حماس” علي بركة، الذي كشف لـ”أساس” أنّ هدف العملية في غزّة وغلافها هو “التفاوض على إطلاق سراح كلّ الأسرى من السجون الإسرائيلية ورفع الحصار عن غزّة التي تحوّلت إلى سجن كبير للغزّيّين”.

هكذا أعادت السعودية تحديد موقفها من المسار السابق لمفاوضاتها مع إسرائيل بوساطة أميركية. فكان تأكيد بيان الخارجية السعودية على ضرورة “حلّ الدولتين” وفق المبادرة العربية للسلام، منطلَقاً لمسعى يقوم به لوقف العدوان على غزّة. وفي الأيام المقبلة سيظهر دور سعوديّ مفصليّ سيؤدّي إلى الحدّ من الصراع، بدأه وليّ العهد باتصالات مع طهران وأنقرة وواشنطن، على أن يثمر حلّاً قريباً، ويمنع توسّع الحرب إلى جبهاتٍ أخرى.

جهد دبلوماسيّ دوليّ لضبط النفس

تزامن قيام وليّ العهد السعودي بمساعٍ للوصول إلى حلّ لهذه الأزمة مع إعلان المتحدّث الرسمي باسم قوات “اليونيفيل” أندريا تيننتي أنّ القوات ما تزال تلعب دورها المفاوض بين إسرائيل ولبنان لضمان عدم تدحرج الأوضاع نحو الأسوأ.

تحدّثت مصادر دبلوماسية عن رسائل بالجملة وصلت إلى الحزب والحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية تقول إنّه لا مصلحة لأحد بفتح جبهة الجنوب بين إسرائيل والحزب.

في هذا السياق زارت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا عين التينة والسراي الحكومي وأبلغت الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي بضرورة ضبط النفس، فكان الردّ اللبناني أنّ لبنان “ملتزم بقواعد الاشتباك المعروفة، فإذا تخطّتها إسرائيل فسيردّ لبنان عليها بالطريقة نفسها”. وعليه تبدو قراءة أحداث الحدود الجنوبية واضحة ومحصورة في إطار الردود المحدودة.

وصول رسائل الدبلوماسية الدولية هذه لا يلغي الاستعدادات من الجانبين للحرب.

في المعلومات أنّ إسرائيل أعربت عن جهوزيّتها لأيّ حرب مع لبنان على أن تكون ضربتها هذه المرّة أشدّ فتكاً من عام 2006. أمّا الحزب فليس حاضراً لأيّ حرب وحسب، بل سبق أن أعدّ خططاً للإغاثة ولتأمين نزوح لائق لأهل الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، في حال تكرّر سيناريو عام 2006.

أخذت جهوزية الحزب لأيّ حرب مع إسرائيل بعين الاعتبار الأزمات الاجتماعية التي عانى منها الحزب في السنوات الأخيرة في عدد من المناطق، ولا سيما أنّ المشهد الداخلي أكثر من معقّد وسط الانقسام الحاصل على أولوية الحرب. وتقول مصادر مقرّبة من الحزب إنّه “لا يسعى للحرب لكنّه جاهز لها”.

بلينكن وعبد اللهيان في المنطقة

بموازاة ذلك، وصل إلى المنطقة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن، في زيارة بدأها من إسرائيل. وكان من المقرّر وصول وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان قبل منعه من الهبوط في سوريا بقصف إسرائيلي مركّز على مطارَي حلب ودمشق.

أصبح معلوماً من باب العرف أنّ كلّ زيارة لمسؤول أميركي للمنطقة تقابلها زيارة لمسؤول إيراني. هو توازن في الحضور والنفوذ يريده الإيراني أن يكون حاضراً دائماً. فهل جاء القصف الإسرائيلي منعاً لهبوط طائرة عبد اللهيان رسالة إلى طهران بالتزامن مع تقدّم مساعي الحلّ على خطّ المملكة والعواصم المعنيّة؟

بغضّ النظر عن تعدّد النظريّات عن هذه الحادثة، إلا أنّ وصول الأميركي بحاملات طائراته إلى المنطقة يأتي ليثبّت معادلة الردع، ومع التوازن العربي الإسلامي يمكن أن يُرسي توازناً في مسار الأحداث. ويأمل العرب ردع إسرائيل عن الاستمرار في ارتكاب المجازر بحقّ أهل غزّة. وسيبرز هذا التوازن أكثر فأكثر خلال الأيام المقبلة لوقف تدمير غزّة فوق رؤوس أهلها، وفتح مفاوضات عبر الصليب الأحمر الدولي للتفاوض على تبادل الأسرى وإنهاء الاشتباك.

واشنطن: قانون هنيبعل ليس لنا 

من جهة أخرى أثار إقرار الحكومة الإسرائيلية تفعيل “قانون هنيبعل” ارتياباً لدى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. فهذا القانون يسمح لإسرائيل بتخطّي المطالبة بأسراها لدى “حماس” ويعطيها الحق بقتل الأسد والخاطف، وبالتالي إحراق ورقة التفاوض والاستمرار بالعدوان.

إلا أنّ هذا الأمر لا ينطبق على واشنطن ولا على أوروبا. وهنا تكشف مصادر دبلوماسية لـ”أساس” عن أنّ إسرائيل تبلّغت بضرورة البدء بفتح باب التفاوض لتبادل الأسرى، خصوصاً الأميركيين والأوروبيين منهم.

وهذا ما ظهر بشكل مباشر في كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من تل أبيب، حيث أعرب عن أسفه لسقوط مواطنين أميركيين في الأحداث الأخيرة.

لا بدّ أن تبدأ قراءة كلام بلينكن من إعلانه أنّه يتحدّث بصفته يهودياً هرب جدّه من القتل، معبّراً عن الاستعداد التامّ للولايات المتحدة لمساندة إسرائيل، ووجّه رسائل إلى المملكة السعودية قائلاً: “من يريد السلام العادل والشامل عليه أن يدين هجمات حماس”، وشبّه هجمات “حماس” بسلوكيات “داعش”.

ليس مفاجئاً موقفُ الولايات المتحدة، فهي الداعم الأكبر لإسرائيل في المنطقة. لكن لا يمكن قراءة موقف بلينكن هذا بكلّ ما فيه من رسائل دعم سياسي وعسكري من دون التوقّف عند حديثه عن إرسال حاملتا طائرات لتعزيز القوات في المنطقة مرفقٍ بدبلوماسية قويّة لمنع توسّع الصراع. هنا بيت القصيد. فقد استوعب بلينكن “غضب إسرائيل”، فوضع إمكانات بلاده لمصلحتها، ثمّ أوصى بـ”عدم وجوب حصول حرب في المنطقة”.

وبين التهدئة الأميركية، والإجماع العربي، والحراك الإيراني الذي بدأ مع عبد اللهيان، والمساعي السعودية، يبدو أنّ المشهد يتّجه إلى تهدئة، وإلى انتقال الصورة من الساحة العسكرية إلى الأروقة السياسية، وإلى تغليب لغة العقل على جنون اللحظات الأولى للصدمة الكبيرة التي خلّفتها معركة “7 أكتوبر”.

Exit mobile version