أحدثت الضربات التي تلقّاها جيش العدو على الحدود مع لبنان شرخاً في التقديرات داخل المنظومة الأمنية حول الاتجاه الذي ستسلكه التطورات الميدانية.
أحد التقديرات يرجّح بأن مسار حزب الله تصاعدي، ما يزيد فرص التدهور وفقدان السيطرة وصولاً إلى التصعيد الشامل. ويتعزّز هذا الاتجاه بعد مضي تسعة أيام، ما دفع الناطق باسم الجيش، دانيال هغري، إلى إعلان أن حزب الله يدفع نحو التصعيد. وفي المقابل، هناك تقديرات بأن الحزب غير معني بحرب شاملة لعدد من الأسباب، بينها أنه ليس هذا التوقيت المناسب له، وأن الوضع اللبناني المتفاقم يقيّد هامشه في المبادرة، إضافة إلى أنه بعد عملية «طوفان الأقصى» وحشد نحو 500 ألف جندي بين نظامي واحتياط، فقدَ عنصر المفاجأة الذي كان يسمح له في البدء من موقع أكثر تفوّقاً.
ويبدو أن هذا التباين سيبقى مواكباً للتطورات إلى حين حدوث تطوّر نوعي يحسم الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك، إضافة إلى أن تطورات الميدان على الحدود اللبنانية – الفلسطينية عزَّزت المخاوف الإسرائيلية من أن تكون مفتوحة على متغيرات يمكن أن تؤثّر في مجرى الأحداث.
مع ذلك، إن المشهد الميداني على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، مركّب من عنصرين رئيسيين. الأول، ردود حزب الله على اعتداءات بهدف منعه من إحداث تغييرات في قواعد الاشتباك، والثاني يتعلّق مباشرة بتطورات الوضع في قطاع غزة. وما يميز القسم الأول أن الحزب يعلن مسؤوليته عنه ويصدر بيانات توضح خلفياته وأهدافه أيضاً. لكنه يصبّ أيضاً في مواجهة الحرب على قطاع غزة.
في مقابل المعادلة السائدة على الحدود مع لبنان، يُشدّد كيان العدو على مسؤولية حزب الله عما يتعرض له من هجمات تنفّذها فصائل فلسطينية. ويرى أن تحييده في الردود سيُقيّد هامش إسرائيل في مواجهتها، خصوصاً أنّ الأوضاع مرشحة للتصاعد في ظل قرار إسرائيل بالاجتياح البري ضد القطاع. كما يحاول استغلال الاندفاعة الإسرائيلية والحشد الأميركي لفرض قواعد اشتباك يستهدف عبرها المدنيين والمقاومين والأراضي اللبنانية.
يواجه حزب الله إستراتيجية العدو بتصميم حاسم على الرد على أي استهداف يشكّل خرقاً لقواعد الاشتباك. وتُرجم ذلك عبر سلسلة عمليات متنوعة الساحات والأساليب. فيما يرى جيش العدو أن الحزب يحاول تشتيت جهوده العملياتية المركزة على قطاع غزة. ومن أبرز المؤشرات الميدانية التي يُتوقّع أن الاستخبارات العسكرية ستتوقف عند مؤشراتها العملياتية، هو استهداف الكاميرات المنتشرة على طول الحدود اللبنانية – الفلسطينية، خصوصاً أنها ستُسهم في تعمية أجهزة الرقابة، وتمنح المقاومين هامشاً أوسع في الحركة.
أمام هذا المشهد المركّب على المستويين الميداني والسياسي، تتعامل منظومات التقدير والقرار في كيان العدو مع ما يحدث على الحدود مع لبنان، على أنه مؤشر – وربما يكون تمهيداً – لمسار أكثر خطورة، خصوصاً أن حزب الله لا يُخفي حقيقة أنه لن يكون على الحياد. ويعني ذلك، عملياً، أن التطورات مرشحة لمزيد من التصعيد.
وفي المقابل، يحرص الحزب على عدم الإعلان عن خطواته العملياتية اللاحقة كجزء من تكتيك المواجهة مع العدو مع تأكيده أن موقعه الطبيعي هو أن يكون إلى جانب فلسطين، من دون أن يعني ذلك الكشف عن تكتيكاته والمدى الذي يمكن أن يبلغه على المستوى الميداني. بل ينفذ ذلك وفقاً لرؤية يحتفظ بها لنفسه، ما يمنحه هامشاً أوسع في المبادرة والمناورة. نتيجة ذلك، من الطبيعي أن يسود الإرباك والتضارب في التقدير داخل المنظومات الأمنية والسياسية.
في هذه الأجواء، تضجّ وسائل الإعلام بتحليلات الخبراء والمعلقين حول التحدي الذي يشكّله حزب الله في الحرب على غزة، والخيار الواجب اتباعه. لكنه عندما طُرحت في الكابينت فكرة توجيه ضربة وقائية إلى حزب الله، كُبحت بسرعة كبيرة، لأن الجهات الأمنية كلها كانت ضده، رغم أن تقارير إعلامية تروّج أن داخل هذه الأجهزة من يتبنى مواقف أخرى.
بُعدٌ آخر للتطورات الميدانية على الحدود اللبنانية، يحضر لدى جهات القرار في كيان العدو أنّها تمثل مؤشراً على فشل التهديدات الأميركية والتهويلات المباشرة وغير المباشرة التي يُطلقها المسؤولون الغربيون لردع حزب الله، الذي يؤكد أنه لن يسمح للعدو في أن يتمادى باعتداءاته على الأراضي اللبنانية، مهما ترتب على ذلك من تداعيات.