من سيكون البادئ …”حزب الله” أم إسرائيل؟

من سيكون البادئ …”حزب الله” أم إسرائيل؟

اندريه قصاص-لبنان2

17-10-2023
البادئ أظلم. فمن يكون البادئ في إشعال حرب يبدو أن كلًا من “حزب الله“والعدو الإسرائيلي لا يريدانها، على الاقل في الوقت الحاضر، ولكنهما يسعيان إليها، كلّ على طريقته، ووفق “أجندات” خاصة به، وقد يكون لها ارتباطات خارجة عن بعض الإرادات المباشرة. فما يجري في الجنوب من مناوشات تقوى حينًا وتخفّ أحيانًا كثيرة لم تحدْ حتى هذه اللحظة عمّا يُسمى “قواعد الاشتباك”، من دون أن يفهم أحد المعنى الحقيقي لهذا التعبير، الذي دخل بقوة على المصطلحات الحربية، أي بمعنى آخر “السنّ بالسنّ، والعين بالعين”. وهذه المعادلة هي التي ضمنت هدوءًا نسبيًا على طول “الخط الأزرق”، الذي يفصل لبنان عن فلسطين المحتلة، على مدى سبعة عشر عامًا، بعدما فرضت الأمم المتحدة القرار 1701 على أثر حرب تموز، والذي لا يزال لبنان يطالب بتطبيقه واحترام مندرجاته كإطار لا يزال صالحًا للحفاظ على الاستقرار النسبي، الذي كان قائمًا عمليًا بين لبنان (“حزب الله“) وإسرائيل، تمامًا كما هي الحال على جبهة الجولان.

ما نسمعه من الجانب الإسرائيلي من تهديدات يومية لناحية “زلزلة” لبنان إذا اعتدى “حزب الله” على إسرائيل لا يطمئن. في المقابل لا يزال “حزب الله” قادرًا على ضبط الوضع بما يتوافق مع يلتزم به من “قواعد الاشتباك”، وأن ما يقوم به من عمليات نوعية لا يخرج عن إطار ردة فعل على الفعل الاسرائيلي، والتي تحفظ إلى حدود معينة ماء وجهه تجاه ما تتعرّض له غزة من اعتداءات متواصلة. ولكن الحزب يحتفظ لنفسه بمفاجآت كثيرة لن تخطر على بال الإسرائيلي في حال قرّر خوض غمار الحرب، التي يبدو أن إسرائيل تحاول أن تجرّ الحزب إليها جرًّا، وذلك بسبب الاستفزازات المتواصلة عبر قصفها المتصاعد لعدد من المواقع العسكرية والمدنية في الجنوب.

ما أبلغته “حارة حريك” لجميع الذين اتصلوا للوقوف منها على ما يمكن أن يُتخذ من خطوات متقدمة يختصر مشهدية الوضع المتوتر في المنطقة، خصوصًا أنها طمأنت جميع هؤلاء المتصلين بأن “حزب الله” لن يكون البادئ في إعلان الحرب، ولكن هذا لا يعني أنه سيقف مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية أمام مواصلة العدو اعتداءاته التصاعدية ضد المدنيين في غزة وفي الجنوب، وهو سيجد نفسه في نهاية المطاف مضطرًّا على الردّ بما يتناسب مع حجم هذه الاعتداءات، ولكنه لا يزال حتى هذه الساعة قادرًا على ممارسة سياسة ضبط النفس، وذلك إفساحًا في المجال أمام المساعي الديبلوماسية، التي يقوم بها أكثر من طرف. وهذا الأمر كان مدار بحث بين وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وهذا ما ألمح إليه الوزير الإيراني في أكثر من حديث صحافي، سواء في بيروت أو في الدوحة.
فما فهمه جميع المعنيين بالوضع الجنوبي من تصريحات الوزير الإيراني هو أن المشكلة ليست في غزة أو في الضاحية الجنوبية، بل هي في تل أبيب، وهو قال في نهاية جولته إن وقت الحلول السياسية بدأ ينفد، وإن احتمال توسّع الحرب بدأ يقترب من الحتمية.
فهذه الخلاصة تتزامن مع تواصل التهديدات الإسرائيلية، التي لم تتوقف، وآخرها كان من رئيس الكنيست الإسرائيلي، الذي أعلن أن “قواتنا تستعد للحرب، التي ستكون قاسية وطويلة”، الأمر الذي يؤشرّ إلى سباق محموم بين مساعي التهدئة والاستعدادات القائمة، وبالأخص على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية.
أمّا ما قاله نتنياهو لإيران و”حزب الله” من أن لا يختبروا إسرائيل وإلا سيدفعون ثمنًا كبيرًا، فهو يدّل على أن إسرائيل ستحاول تكبير بيكار الحرب لإخراج نفسها من أزمة تورطّها في حرب غزة.
إذًا ما هو قائم على أرض الواقع لا يدعو إلى الطمأنينة، مع استمرار الاستفزازات الإسرائيلية من خلال الاعتداءات المتكرّرة على عدد من القرى الجنوبية، واستهداف المدنيين.
فما يمكن قوله كنتيجة حتمية لما يتمّ تسريبه من الجانب الإسرائيلي هو أن الجميع على أهبّة الاستعداد لإشعال فتيل التفجير الكبير، بالتوازي مع ما تقوم به الدول من مساعٍ لتجنيب لبنان تجرّع الكأس المرّة.

Exit mobile version