“الحلفاء” عادوا

عاد الحلفاء، رجعوا وقد سبقتهم أساطيلهم إلى فلسطين التي كانوا تركوها في “عهدة” الاحتلال الإسرائيلي الذي ما ضنّوا عليه أبداً. ولمّا لانت شكيمته أمام ضربات المقاومة، هرعوا فرادى وزرافات ليقفوا سدّاً منيعاً خشية تداعيه وانهياره.
وصلوا تباعاً، وزراء، برلمانيين، عساكر، وخبراء، ثمّ ما لبث المستوى أن صعد إلى رتبة رؤساء ومستشارين على رأسهم الألماني أولاف شولتز الذي تقدّم على الرئيس الأميركي جون بايدن، وتبعه الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكلّ من رئيس الوزراء الكندي ورئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك. وقبلهم وصل أيضاً رئيس وزراء رومانيا مصطحباً معه وزيرَي خارجيّته ودفاعه.
في الوقت الذي سارع فيه هؤلاء إلى منح إسرائيل “حضنهم الدافىء” كانت صواريخ مقاتلات، صُنعت على الأغلب في بلدانهم، تغشى المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة حيث قضى مئات من الضحايا، في ذروة هجمات إسرائيل المتواصلة على قطاع غزّة منذ السابع من تشرين الأول الحالي.
حسب شهود عيان ومراسلين، جلّ الضحايا من الأطفال والنساء، الذين تحوّلت معظم أجسادهم أشلاء، وكانوا قد هربوا للتوّ من قصف إسرائيلي على مناطق قريبة من ساحة المستشفى، ظنّاً أنّها ستحميهم، وكأنّهم فعلاً فرّوا من الرمضاء إلى النار. وهي نار استعرت تزامناً مع توافد ممثّلي الدول الحلفاء إلى إسرائيل، لا سيما الرئيس الأميركي بايدن، الذي يُتوقّع أن يشارك في اجتماع لمجلس الحرب في إسرائيل، وهي الهيئة التي تقرّر مجريات الحرب الحالية على قطاع غزّة. وكان وزير خارجيته أنتوني بلينكن قد شارك في اجتماع المجلس الأخير، وانضمّ أيضاً لساعات طويلة إلى اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي “الكابينت الأمنيّ” حيث جرى وضع خطة لإيصال المساعدات إلى غزّة، من دون توقّف الهجمات عليها.

أكّدت إسرائيل مراراً منذ بدء حملتها العسكرية على قطاع غزّة أنّها تعتزم “تغيير وجه” القطاع، وأنّها لن تتوقّف عن عمل كلّ ما يلزم لذلك، بل إنّ رئيس أركان جيشها اعتبر أنّ “دخول قطاع غزّة وشلّ حركة حماس مسؤولية” تقع على عاتق جيشه. وكرّر الجيش الإسرائيلي طلبه من سكان شمال قطاع غزّة الانتقال إلى جنوبه. وتعمل إسرائيل بمساعدة أميركا والدول الغربية للضغط على مصر لفتح بوّابة رفح، الأمر الذي يشكّل أساساً لهجرة جماعية من القطاع.
ردّ المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي يوناتان كونريكووس على اتّهامات منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنّ إسرائيل تستخدم أسلحة محرّمة دولياً في قطاع غزّة، فقال: “نحن نستخدم الأسلحة التي تتوافق مع معايير الناتو، وعلى غرار أولئك الذين يستخدمون صلاحياتها في جميع أنحاء العالم. نحن ملتزمون بالقانون الدولي، ونحاول عموماً استخدام أخفّ الأسلحة وأكثرها دقّة لضرب أهداف محدّدة”.
من جهته، سارع وزير الخارجية الأميركي إلى عقد لقاءات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لحثّهما على إدانة “حماس” والمساهمة في فتح الحدود أمام سكّان غزّة، لكنّه قوبل بصدّ كبير منهما.
على ما يبدو أنّ الرئيس بايدن سيحاول استخدام نفوذه لتحقيق ما فشل فيه وزير خارجيته، استناداً إلى مصادر مطّلعة. وكان سيفعل ذلك في لقاء قمّة أُلغي، بسبب مجزرة المستشفى المعمداني، مع العاهل الأردني والرئيس المصري ورئيس السلطة الفلسطينية. ولا شكّ أنّ إلغاء القمّة يعني توقّف الاتصالات بطرق شتّى.
يتزامن ذلك كلّه مع التصعيد غير المسبوق الذي ينفّذه الجيش الإسرائيلي في غزّة مع استهداف المستشفى المعمداني، ليبدو للجميع وكأنّ فتح باب تهجير الفلسطينيين من غزّة أمر لا مفرّ منه.
تقضي هذه الخطة، حسب المصادر ذاتها، بتهجيرالفلسطينيين في غزّة قسراً، ودخول مصر عبر بوّابة رفح أو البحر.
حسب مصادر مطّلعة، تتركّز مهمّة بايدن في إسرائيل على حصر القتال في قطاع غزّة والتخلّص من “حماس”، ومنع توسّع رقعته لتضمّ الحزب والمنطقة بأسرها، وفي الوقت نفسه حرمان إيران من مواصلة استخدام ورقة “حماس” لتحقيق مآربها.

مشاركة الرئيس الأميركي
تتجاوز مشاركة بايدن، وقبله وزير خارجيته في زيارتين ثم وزير دفاعه، في اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، مع الحضور الكبير واللافت لمختلف المسؤولين والرؤساء من الغرب، حدّ التعاطف وإظهار التضامن مع إسرائيل إلى فعل مباشر في قرار الحرب على الفلسطينيين في غزّة. وخلال الأيام العشرة الماضية أجرى بايدن خمسة اتصالات هاتفية مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وكان أمر بإرسال حاملتَي طائرات من الأسطول الأميركي، وحرّك ألفَي جندي من عناصر النخبة في الجيش الأميركي ليكونوا إلى جانب زملائهم الإسرائيليين، ناهيك عن زيارة وزير دفاعه والتعاون الأمني الشامل المشترك الذي وصل مستويات غير مسبوقة. وطبعاً سارعت بريطانيا وأرسلت سفناً عسكرية أيضاً.
جاء كلّ ذلك مصحوباً بحملة إعلامية وصحافية غربية شاملة تبرّر حقّ إسرائيل في تدمير قطاع غزّة وسحق “حماس”، غير عابئة بسقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمصابين.
في حال نجاح هذه التحرّكات، يكون الحلفاء قد ساعدوا إسرائيل في وضع آلية مسبقة لشروط إطلاق النار. ويقول أحد المطّلعين إنّ “بايدن سيكون قد جنّب إسرائيل مهانة أخرى، فهؤلاء الأميركيون ومعهم الإنكليز ماهرون في المكر والتدبير، ونجحوا سابقاً في وضع “سايكس-بيكو”، ولا يريدون للوضع أن يتغيّر”.

ليست هذه المرّة الأولى التي تدمّر فيها إسرائيل مدناً وبلدات فلسطينية وعربية، وكانت آخرتها القنيطرة السورية في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، وقامت بالتدمير في حرب 1967، وفي عام 1948 أبادت مئات البلدات والقرى في فلسطين. وهي حاصرت بيروت ودمّرتها عام 1982، وكلّ ذلك والحلفاء يدعمون عن بعد.
يسعى الحلفاء اليوم، وقد تعاظم عددهم وتضخّمت قوّتهم، وهم مع إسرائيل في الميدان، إلى محو قطاع غزّة.

Exit mobile version