مريم نسر- الديار
بغض النظر عن المرحلة التي دخل فيها العدوان الإسرائيلي على غزة بعد طوفان السابع من تشرين الأول الذي أحدثته المقاومة في فلسطين، لناحية إذا تم الانتقال الى المرحلة الثانية أم نهاية الأولى، فإن الأكيد أننا انتهينا من مرحلة توجيه الرسائل بالتهديد الى توجيه رسائل بالنار من قِبل محور المقاومة على صعيد مختلف جبهاته بشكل متتال.
لم تمر أيام قليلة على التحذيرات الإيرانية للأميركي والإسرائيلي مِن أنه إذا استمر العدوان على غزة فإن فتح الجبهات احتمال قائم، حتى أتت لحظة التنفيذ والتي جاءت بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى الكيان والتي سبقها تمادي إسرائيلي بمجازره الوحشية في غزة وتحديداً استهدافه لمستشفى المعمداني في القطاع التي لم توقفه على فظاعتها عن ارتكاب مزيد من المجازر، إلا أنها بدأت بقلب الرأي العام العالمي ضدّه والذي عملت عليه قوى المقاومة كجزء من معركتها مع الكيان في هذه المرحلة.
بالنظر لمسار المعركة وبعد أسبوعين على بدئها لم يُحقِّق الإسرائيلي أي هدف عسكري، وما فظاعة المجازر التي يرتكبها إلا دليل على فشله، بحيث لم ينفعه كل الحشد الأميركي والغربي معه ولا حتى زيارة الرئيس الأميركي شخصياً الى الكيان رغم تسخيره له كل الدعم المالي والعسكري إلا أن الإسرائيلي يريد من الأميركي أن يدخل مباشرة بالحرب الى جانبه وهذا لم يحصل عليه بزيارة بايدن، وما زال كلما زاد القلق الإسرائيلي من الحرب الإقليمية، يوجِّه سؤاله للأميركي: كيف ستتعامل مع هذا الحدث؟ وهل ستكتفي باعتراض الصواريخ؟ خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن اعتراض قطعها البحرية صواريخ أطلقتها حركة أنصار الله. وقد سارع البنتاغون للقول إن مِن المُحتمل أن تكون الصورايخ موجَّهة نحو أهداف في “إسرائيل”، لعلّه لتجنّب إحراج الرد المباشر، لذا نرى بين الأميركي والإسرائيلي تقاذفاً للمسؤولية فيما بينهما، حيث أن الأخير يُصِر على توريط الأول بالحرب والأول ليس لديه نيّة بذلك لأنه يَعلم أن الدخول في الحرب يعني الدخول بمستنقع إقليمي يصعب عليه الخروج منه. لذا يمكن القول إن مشهد جبهات المحور أحرَج الأميركي، وبخاصة أن الصورايخ اليمنية حصلت بالتوازي مع استهداف المقاومة الإسلامية في العراق قاعدة عين الأسد غرب بغداد وقاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، كما جرى تفجير خط الغاز الواصل إلى معمل “كونيكو” للغاز الطبيعي، القاعدة الأميركية في الريف الشمالي لدير الزور والتي تقع شرق سوريا.
الرسائل بالنار على طول الحدود اعتبرها الإسرائيلي إشارات بالغة القلق وخطراً استراتيجياً على أمن الكيان ووجوده، وهي من أسوأ السيناريوهات، أي الوصول الى مواجهة كبرى على أكثر من جبهة، وهنا يؤكد أن هذه المسألة تُمثِّل تحدياً كبيراً ليس للكيان فقط الذي يَعتبر نفسه جزءًا من المواجهة المعنية فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر لذا عليها أن تتمسّك جيداً بحضورها في هذه المرحلة بالتحديد.
هذا على مختلف الجبهات، أما إذا عُدنا الى جبهة فلسطين وتحديداً غزة، فما زالت قيادة العدو تتعرّض لضغط من المستوطنين الصهاينة بأنهم لا يستطيعون التعايش مع تهديد حركة حماس وأنه لا يمكن العودة الى نقطة الصفر في هذا المجال، مشكلة مطروحة على المستوى السياسي والعسكري والذي يُعتبر السير بحلّها مكلِفاً جداً وغير مضمون النتائج، وبخاصة أنه بدأ يتقدّم سؤال حول ماذا بعد العمل العسكري البري؟ هل سيَستطيعون القضاء على المقاومة التي هي من النسيج الاجتماعي الفلسطيني؟
أما المشكلة المستجدة عند الكيان في هذه الحرب والتي تُسبِّب حالة مِن الإرباك وتفكّك بنية المؤسسات فهي على مستوى إخلاء المستوطنات التي تسودها الفوضى العارمة ولا تعرف السلطات التعامل معها بحيث انها لم تُعِد خطة حتى اللحظة لاستيعاب هذا العدد الكبير من المستوطنين الذين ارتفع صوتهم بوجه السلطة التي يتّهمونها بإهمالهم وعدم الاكتراث لمصيرهم ويُحمّلون كل ما يَجري لنتنياهو ويصفونه بأنه الأصم الأكبر داخل الكيان.
فما بين القلق الإسرائيلي والحَرج الأميركي، يَظهر محور المقاومة على مستوى عالٍ من الثبات والثقة والقوة بحيث انه يَدرس خطواته بدقة وتنسيق عالي المستوى فيما بينه ويعمل تدريجياً وبطريقة متصاعدة، ففي جنوب لبنان، مِن البداية لم يكن هناك وقت للتهديد والتحذير، مباشرة وجّهت المقاومة الإسلامية للعدو رسائل بالنار شتّتته وأربكته لدرجة لم يستطع إخفاء رُعبه منها بالقول والفعل وهذا ما نراه على الجبهة الجنوبية لناحية المقاومة والشمالية لناحية العدو، ما يعني أن العدو أمام جبهة تُربكه وجبهة تُرعبه وجبهات ستجعله يَدفع ثمناً لم يدفعه في تاريخه.