فادي عيد- الديار
في ظل الخشية من اتساع رقعة المواجهات وامتداد شرارة الحرب من غزة إلى لبنان، تبقى المواقف السياسية الداخلية مركّزة في هذه المرحلة على احتمالات التصعيد الكبير وانعكاسات هذا الأمر على الواقع الداخلي. وفي هذا السياق، سألت “الديار” الوزير السابق وديع الخازن عن الوضع الذي تعيشه المنطقة فرأى أنه “لا يمكن أن نطلق على هذه الهجمة المسعورة، التي سلّط فيها الجيش الإسرائيلي حممه بضراوة عشوائية على المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، إلا عملية إبادة لشعب ارتضى أن تكون قياداته في عملية ديموقراطية خالفت حسابات من حثّ عليها من بعض الدول المتغنّية بالديموقراطية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، فلم تستثنِ ناره الحارقة النساء والأطفال، لا سيما الرُضّع في أقماطهم التي تحوّلت إلى ألوان حمراء قانية، ذكّرتنا بالوجه الوحشي الذي استهدف أطفال قانا في جنوبنا الغالي”.
ورأى الخازن، “إن ما يجري في الأراضي الفلسطينية هو وصمة عار على جبين من يرتكب هذه المجازر الوحشية التي يندى لها الجبين الإنساني في كل مكان. وإن أقلّ ما يمكن أن يفعله العرب في اللحظة الدامية على مصير شعب مغلوب على أمره في فلسطين، هو الدعوة إلى عقد قمة طارئة لوقف النزف المتواصل من دون جدوى في غزة، لأن القضية الفلسطينية، التي حاولت إسرائيل أن تجهضها بدءاً وانتهاءً بلبنان، ظلّت صامدة في سواعد أبنائها وفي ضمير أطفالها الذين رأوا بأم العين كيف سقط الأب والأم والأخ والأخت والجدّ والجدّة ولا من يسأل. فكيف ينسون؟! فالقضية الفلسطينية حيّة في ضمائر أطفالها وأبنائها، وما دامت صامدة منذ النكبة المشؤومة لن تقوى من القضاء عليها رياح الجحيم الإسرائيلية لأن القضايا التي يُستمات من أجلها لا تموت”.
وعن المخاوف من انفجار المنطقة بأسرها في حال حصول حرب برّية في غزة، رأى الوزير الخازن، “إن استمرار إسرائيل في ممارساتها الوحشيّة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وسعيها إلى إعادة إحتلالها المدن والمناطق الفلسطينية، من شأنها دفع منطقة الشرق الأوسط بكاملها إلى حافة الانفجار. من هنا، أهميّة اضطلاع الولايات المتّحدة بمسؤوليّاتها كوسيط نزيه لا كطرف منحاز في العمليّة السلميّة، وذلك بحمل إسرائيل على الخضوع لقرارات الشرعيّة الدوليّة و”مبدأ الأرض مقابل السلام” بدلاً من انحيازها لها معرِّضةً مصالحها في المنطقة للخطر”.
وحول ما إذا كُتِب على لبنان تحمّل الوزر الأكبر للقضية الفلسطينية حتى اليوم، أشار الخازن، إلى أن “قَدَرُ لبنان أن استقبل اللاجئين الفلسطينيين على أرضه بكثافة تفوق قدرته التعدادية وبات توأماً روحياً لهذه المأساة والمعاناة منذ نكبة فلسطين سنة 1948، ثم احتضن ثورتها المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية على أثر الخسارة العربية في حرب 1967 أواسط الستينات، مع ما واكب هذا الوجود الفلسطيني المسلّح من إشكالات داخلية في لبنان أدّت إلى حرب 1975 وإشغال المقاومة عن هدفها الرئيسي الذي هو فلسطين. وما زال لبنان حتى هذه اللحظة يدفع ثمن تداعيات الفشل العربي في احتضان القضية الأم وعواقب الصراعات العربية عليها لا من أجلها دماً ونزفاً متواصلاً من دون أن ترأف به الخلافات العربية وترحمه، ولو تعاطفاً واتفاقاً فيما بين أنظمتها للخروج من دوّامة إحياء القضية الفلسطينية كمشكلة لا كحل، مع هواجس الإيقاع بين اللبنانيين والفلسطينيين لفرض توطينهم وإطاحة الصيغة المتوازنة التي بُنِيَ عليها لبنان”.
وعن ترف الوقت الذي يعيشه المسؤولون اللبنانيون في عدم انتخاب رئيس الجمهورية، شدّد الوزير الخازن، على أنه “لا يُمكن إضاعة فرص الإنقاذ المُتاحة، لأن الفراغ في حدّ ذاته موت مؤجّل، وهو لا بد أن يؤدّي إلى الانهيار، واستدراك ذلك يجب أن يكون من خلال البحث عن حلّ يُخرجنا من دوّامة هذا الاصطفاف حتى ننجح في التوصّل إلى الاتفاق على رئيس قادر على الجمع وحلحلة كلّ الأمور المتعلقة بالملفات والتعيينات العالقة، وإعادة هيكلة الدولة قبل فوات الآوان وتجنيب لبنان ما يتحضّر لمنطقتنا من “سايكس ـ بيكو” جديد، وتغييرات على الصعيدين الديموغرافي والجغرافي، فنحن في صميم الحرب الاقتصادية الكبرى وهناك انقسام بين الشرق والغرب وفوضى عالمية غير مسبوقة، وخصوصاً أن القضية الفلسطينية حيّة في ضمائر أطفالها وأبنائها، وما دامت صامدة منذ النكبة المشؤومة فلن تقوى من القضاء عليها رياح الجحيم الاسرائيلية لأن القضايا التي يُستمات من أجلها لا تموت”.