من يتتبّع حركة المناطق الواقعة تحت نفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل والإجراءات التي تقوم بها «وحدات» من الحزب، فضلاً عن متطوّعين ومتطوّعات، يستخلِص مخاوف من مؤشرات اندلاع حرب كبرى. ومع أنْ لا أحد قادرٌ على الجزم بمآل الوضع في الأيام والأسابيع المقبلة، إلا أن ما أُنْجِز أو لا يزال يُعمل عليه، يجري على قاعدة أن الحرب واقعة غداً. أعدّ الحزب الاشتراكي خطّة طوارئ احترازية لاستقبال النازحين من الجنوب والضاحية، بتنسيق تام مع حزب الله، وبالتعاون مع بقية القوى السياسية
في الساعات الأولى التي تلَت عملية «طوفان الأقصى»، بدا النائب السابق وليد جنبلاط عازماً على فرض إيقاعه الخاص في مقاربة الحدث، إذ تقدّم على بقية الأطراف السياسية في إعلان وقوفه «مع المقاومة والجنوبيين في حال اعتدت إسرائيل على لبنان». وانطلاقاً من قراءته للتداعيات الإستراتيجية لما يجري، سارع إلى عقد اجتماع ضمّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط وكل مسؤوليه، مشدّداً على نقاط ثلاث: الأولى، دعم القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية أياً كانت والوقوف إلى جانب الفلسطينيين، مذكّراً بمواقف كمال جنبلاط من هذه القضية. والثانية، أن الحدث قد يتطور عسكرياً ويصل إلى لبنان، وفي هذه الحال «سنقف إلى جانب أهلنا في الجنوب والمقاومة وحزب الله». والثالثة، إعلان حال استنفار وإعداد خطة لاستقبال النازحين في حال حصول مستجدّات كبيرة في الجنوب.
وعلى الفور، كلّف زعيم المختارة مفوّض الداخلية في الحزب هشام ناصر الدين بتشكيل لجنة مركزية تضم أعضاء ووكلاء في المناطق لوضع خطة عمل تشمل الشوف وعاليه والمتن الأعلى وبعبدا وراشيا وحاصبيا. ومنذ أكثر من أسبوع، بدأ الحزب تحضير خطط الطوارئ لفتح أبواب الجبل أمام عدد كبير من النازحين من المناطق الجنوبيّة في حال شهد الوضع العسكري مزيداً من التدهور، فجرى مسح للمراكز والمدارس والشقق المتوافرة للإيجار. وبدأت محاولات، بطلب من تيمور جنبلاط، لكبح جماح «مستغلّي الأزمات» بعدم المبالغة في الأسعار، رغم أنّ ضبط هذا الأمر ليس سهلاً. وشُكّلت خليّة طوارئ مؤلّفة مناطقياً من وكيل الداخلية والمؤسسات الرافدة مهمّتها الرئيسيّة استقبال النازحين وتوزيعهم على مراكز النزوح، وتوجيههم إلى الطرقات التي يُمكن سلوكها في حال تعرّضت طرق معينة للقصف، مع وضع أكثر من سيناريو في هذا الإطار. كما يهتم «الاشتراكي» بتحديد المراكز والعناصر الذين سيواكبون كلاً منها، إضافة إلى تشكيل فرق للدّعم النفسي للأطفال.
وأوضح ناصر الدين لـ «الأخبار» أن الخطة تتضمن «لجنة مركزية أساسية تنبثق منها لجان في كل المناطق، منها لوجستي لتحديد الاحتياجات، وأخرى مكلّفة بإحصاء مدارس المنطقة وتحديد القدرة الاستيعابية واللوازم المطلوبة ولا سيما في فصل الشتاء من مولّدات كهرباء ووسائل تدفئة، ولجان لإجراء مسح شامل للمستشفيات ومراكز الرعايا الصحية». وتشارك في الخطة «منظمة الشباب في الحزب، الاتحاد النسائي، جمعية الخرّيجين، الكشاف، المكتب التربوي، جمعية نضال لأجل الإنسان وجمعية فرح التي تتولّى جزءاً أساسياً من العمل لجهة تأمين لوازم للإيواء». وكل من هذه اللجان تضم مسؤولين إداريين ولوجستيين وتربويين وأمنيين (للتنسيق مع القوى الأمنية)، فضلاً عن أطباء ومسعفين، وهم مسجّلون بالأسماء على الورق وجاهزون. ويعقد هؤلاء اجتماعات يومية في ما بينهم، ومع مسؤولين في أحزاب أخرى لجمع أكبر عدد من المعطيات والاتفاق على التعاون. ويتولى أعضاء من هذه اللجان التواصل مع وزارة الصحة والمستشفيات التي طلِب منها تأمين «مخزون من اللوازم الطبية يكفي ستة أشهر على الأقل»، كما جرى التواصل مع مديري المدارس لتحديد القدرة الاستيعابية لكل مدرسة. وبحسب ناصر الدين، «وصل عدد المدارس إلى 150 تضم 3000 غرفة». وفي القطاع الصحي، هناك حوالي 13 مستشفى يجري تجهيزها من بينها مستشفيات الشحار في قبرشمون، سبلين، عين وزين، كمال جنبلاط، الجبل، واثنان في حاصبيا وراشيا. أما مراكز الرعايا الصحية فجرى تخصيص 13 منها في الشوف، و14 في عاليه، و27 في قضاء بعبدا، و8 في راشيا وحاصبيا. ويجري تحضير مراكز في مناطق أخرى قادرة على تقديم الخدمات».
وترافق ذلك مع تنسيق مع الصليب الأحمر الذي يملك «7 مراكز في الشوف وعاليه، في كل منها 3 سيارات إسعاف مجهّزة للطوارئ»، وأكّد الصليب الأحمر أنه «يستطيع تأمين بعض الاحتياجات اللازمة من حصص غذائية وصحية متى أعطت الحكومة الضوء الأخضر، وهو سيتصرف وفقاً للخطة الموضوعة مع الحزب». فيما جرت مساعٍ مع المنظمات الدولية لتكون جزءاً من هذه الخطة، إلا أن ما كانَ مفاجئاً هو «عدم إظهارها أي استعداد للتعاون وكأنّها غير معنية».
وأكّد ناصر الدين أنه «تمّت تهيئة الأرضية بشكل كامل، في حال حصول أي تطور يدفع الأهالي إلى النزوح»، مشيراً إلى أن «بعض العائلات نزحت بالفعل إلى الجبل ومنطقة الإقليم لكنّ العدد لا يزال محدوداً».
إلى ذلك، تتواصل اجتماعات أعضاء خلايا الأزمة في المناطق مع المسؤولين في الأجهزة الرسمية والبلديّات بهدف توحيد الجهود، إضافة إلى اجتماعات بين «الاشتراكي» وبقيّة الأحزاب من دون استثناء، بطلب من جنبلاط، لضمّها إلى خلايا الأزمة الموسّعة مع البلديات المعنيّة. أما التنسيق مع «حزب الله» كما شرحه ناصر الدين، فيبدو في أعلى مستوياته، مع تواصل مُكثّف واجتماعات شبه يومية بين الفريقين للبحث في كل التفاصيل. ويشمل التنسيق تبادل معلومات بشأن الأعداد المتوقّع نزوحها، ودرس حاجات النازحين في كل مركز من الغذاء والطبابة والمحروقات وغيرها والاحتياجات التي يُمكن أن يؤمّنها الطرفان، تحديداً حزب الله، بمعزل عن الدولة. كما يراقب «الاشتراكي» بشكل يومي الأسواق لجهة الحاجة إلى كميات المواد الغذائية والتأكّد من أي نقص فيها وإلى أي مدّة تكفي الكميات الموجودة.