في “اسرائيل” ولدى السفارات الغربية في بيروت، متابعة حثيثة لما يحصل على الحدود الجنوبية منذ اليوم التالي لعملية “طوفان الاقصى”، لا شيء تغير، هم لا يزالون مصابين “بالعمى” حيال ما يخبىء حزب الله في جعبته من مفاجآت، قد تقلب “الطاولة” على الجميع. وقد زاد منسوب التوتر لدى هؤلاء بعد نشر الرسالة الخطية الموقعة من الامين العامم لحزب الله السيد حسن نصرالله، والتي طلب فيها من وسائل اعلام الحزب توصيف شهداء المواجهة المفتوحة مع قوات الاحتلال جنوبا بانهم شهداء على طريق القدس.
هذه الرسالة زادت من غموض موقف حزب الله حيال ما يصبو اليه من خلال اشغال “المواقع الاسرائيلية” على طول الحدود الجنوبية، فالسيد نصرالله لم يتحدث عن استشهاد هؤلاء في معركة مؤازرة او نصرة غزة والمقاومة الفلسطينية، بل اعطى عنوانا كبيرا للمواجهة، يجعلها مفتوحة على كافة الاحتمالات. ولهذا فان المحاولات جارية لقراءة ما بين “سطور” هذه الرسالة، كما تقول اوساط مطلعة، التي تشير الى ان البحث عن الاهداف الحقيقية لمعركة “فقء عيون” ضد قوات الاحتلال على طول الحدود مستمرة، لكن السؤال في “اسرائيل” انتقل حول اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة، وكيفية التعامل مع المخاطر على الحدود الشمالية، اذا لم تندلع حرب موسعة.
اما السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا فتتحرك بحثا عن اجابة حول الحراك الداخلي، الذي بدأه رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، على وقع الاستدارة “المقلقة” لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط وموقفه الحاسم في دعم حزب الله في اي حرب مع “اسرائيل”، وسط اصطفاف سني غير مسبوق وراء خيار دعم ما يحصل في الجنوب دعما لغزة. والقلق الاميركي عنوانه منع استفادة حزب الله من التطورات في المنطقة، ومن حالة الطوارىء شبه المعلنة في لبنان، لانتخاب رئيس جمهورية من فريقه السياسي.
وعلم في هذا السياق، ان شيا التي تضغط للتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، حذرت “اصدقاء” في التيار الوطني الحر من اي انعطافة تسمح بتأمين تغطية لانتخاب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بحجة التضامن الوطني، لمواجهة التطورات على الحدود واحتمال حصول حرب. ووفقا لمصادر مطلعة، فانه تم ابلاغ السفيرة الاميركية بعدم وجود نية لدى باسيل لتبني هذا الترشيح، وهو لا يزال عند قناعاته بترشيح رئيس وسطي وغير استفزازي، وهو يعمل الآن على تمرير هذا الطرح في ظل الاوضاع المتوترة في البلاد.
وفي هذا السياق، تشير اوساط مقربة من “الثنائي الشيعي” الى ان اي طرح رئاسي خارج ترشيح فرنجية ليس قابل للبحث، خصوصا في الظروف الراهنة، وحتى الآن لم يفصح باسيل عما يريده في هذا الاطار، لكن اذا اراد حقا ان يقدم ما هو مفيد على الصعيد الوطني، عليه ان يقدم على خطوة استثنائية تخفف على حزب الله عبئا داخليا، وهو في خضم مواجهة قاسية مع قوات الاحتلال قدم خلالها عدد كبير من الشهداء، وذلك من خلال تبني طرح فرنجية للرئاسة، لان غير ذلك لن يمر، فالحزب لن يقبل ان يخسر سياسيا في الداخل، بينما لا تزال المواجهة مفتوحة على الحدود. واذا لم تكن نوايا باسيل تصب في هذا الاتجاه، فهو يتحرك لاثبات الوجود، واظهار بانه يبادر، بينما لا شيء جدي على ارض الواقع.
في هذا الوقت ، لم يتجاوز “الاسرائيليون” الاسئلة الصعبة حيال حدود المواجهة الدائرة اليوم، لكنهم بدؤوا البحث عن اجوبة حول اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة، صحيفة “هآرتس” وصفت ما يجري بانه حرب استنزاف مع حزب الله، وقد تقرر إيران وقيادة الحزب في كل لحظة الانتقال إلى الحرب الشاملة. ولفتت الى انه حتى لو انتهت الحرب في غزة بدون حرب شاملة مع حزب الله، فلا يمكن “لإسرائيل” التعايش مع وجود قوة الرضوان خلف الحدود. فاذا اندلعت حرب شاملة مع “إسرائيل” عند بداية العملية البرية في غزة، ستضطر “إسرائيل” الى مواجهة صواريخ الحزب وقوة الرضوان، تقول “هآرتس”، واذا استمرت حرب الاستنزاف فستقف “إسرائيل” أمام معضلة عند انتهاء الحرب في غزة.
ووفقا للصحيفة، بعد صدمة 7 تشرين الأول، فان الكثير من سكان “إسرائيل” في المناطق على الحدود مع لبنان سيرفضون العودة إلى بيوتهم، في الوقت الذي تربض فيه قوة الرضوان قرب الحدود. وتخشى “اسرائيل” خسارة زخم الدعم الاميركي الحالي، فمعسكر الدول المعتدلة، السعودية والإمارات والأردن والمغرب، يخشون الرأي العام في بلادهم ومدى مصداقية الولايات المتحدة، لان احدا لا يضمن عدم عودة ترامب الانفصالي إلى الحكم؟ لهذا فان نافذة الفرص في واشنطن محدودة، بالنسبة “لاسرائيل”، لان الولايات المتحدة ستكون بعد بضعة أشهر في ذروة الحملة الانتخابية. وهذا يعني ان “اسرائيل” ستكون وحدها، وفق تقديرات “هآرتس”.
في الخلاصة، لا تريد واشنطن لحزب الله ان يحقق اي انجاز ميداني او سياسي، وهو امر مفهوم، لكن ما هو غير مفهوم لماذا لا يقدم باسيل مثلا على خطوة جريئة تساعده في استعادة مكانته المفقودة لدى الحزب وجمهوره؟ اما مسألة الحرب وتوسعها فلا اجابات واضحة حتى الآن والامور مفتوحة على كافة الاحتمالات، فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو متردد ويخشى على مستقبله السياسي القاتم، ولا ثقة بينه وبين “الجيش الاسرائيلي”، وهو حائر بين قطبين يمثلانهما ضابطان العميد إيفي إيتام من اليمين الذي يحثه على غزو غزة، واللواء إسحق بريك من اليسارالذي التقى نتنياهو مرتين على الأقل. بريك سأل نتنياهو أسئلة بسيطة: هل يملك “الجيش الإسرائيلي” قائمة أهداف واضحة في الدخول البري؟ وما هو الإنجاز المطلوب؟ ومتى نعرف أننا انتصرنا؟ وكم قتيلاً متوقعاً “للجيش الإسرائيلي”؟ والاهم من كل ذلك، هل يمكن للحدث أن يؤثر في تدخل حزب الله، وفي احتمال نشوب حرب إقليمية؟ وكان نتنياهو سأل هذه الأسئلة للجيش، لكنه لم يحصل على الأجوبة.
اما بخصوص الجبهة مع حزب الله فلا تزال “اسرائيل” مصابة “بالعمى” وتتخبط، وللدلالة على ذلك، ذكّرت صحيفة “معاريف الاسرائيلية” بما حصل خلال حرب 2006 عندما طلب وزير الدفاع “حديث العهد” عمير بيرتس من الاجهزة الامنية أن يجلبوا له “ملف نصر الله”، وعندئذ تبين أن لا ملف لشخص باسم نصرالله لديهم!