الحرب على لبنان آتية… ماذا عن الحزب؟
الحرب على لبنان آتية… ماذا عن الحزب؟
مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS”
مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، هو مركز أبحاث أميركي مقره واشنطن العاصمة. منذ تأسيسه في عام 1962 حتى عام 1987، كان تابعاً لجامعة جورج تاون. وهو، بحسب موقعه، مؤسسة خاصة غير ربحية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تركز على قضايا السياسة العامة الدولية مكرسة لتعزيز الأفكار العملية لمواجهة أكبر التحديات في العالم. تساعد أبحاثها في إثراء عملية صنع القرار لصانعي السياسات الرئيسيين وتفكير المؤثرين الرئيسيين.
أعدّ التقرير:
– سيث جي. جونز، نائب الرئيس الأول، ومدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
– دانييل بايمان، زميل أقدم في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.
– ألكسندر بالمر، زميل مشارك في مشروع التهديدات العابرة للحدود الوطنية في المركز.
– رايلي مكابي، مدير برنامج وباحث مشارك في مشروع التهديدات العابرة للحدود الوطنية في المركز.
حرص المؤلفون على الإشارة الى ان التقرير نفذ بدعم من المركز وليس من خلال أي رعاية مباشرة فيه.
– “على الرغم من أنّ الحرب بين الكيان وحماس في غزة استحوذت على اهتمام العالم. يلوح في الأفق خطر جدّي من اندلاع حرب بين الكيان والحزب”. وفقاً لتقويم نشره هذا الأسبوع مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS”. تزيد مساحته عن 8 آلاف كلمة. ومصادره تتراوح بين صور من الأقمار الصناعية لمواقع الحزب. وبيانات بأسلحته. وخرائط لمواقع الضربات ضدّه. مستقاة من مؤشّر مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلّح (ACLED). ومن “المعهد الأميركي للسلام”. ومن تقارير الأمانة العامّة للأمم المتحدة حول لبنان. إلى جانب خرائط من إعداد المركز.
يلخّص “أساس” هذا التقرير في 4 حلقات يبدأ نشرها اليوم. الأولى تتحدّث عن أربعة خيارات على الأقلّ أمام الكيان، في المشهد الاستراتيجي المتغيّر وقدرات الحزب المتطوّرة…. فما هي؟
منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تبادل الحزب والكيان أكثر من 4,400 هجوم صاروخي وقذائف صاروخية وغيرها من الهجمات. كما انتهك الحزب مراراً وتكراراً قرار مجلس الأمن الدولي 1701. من خلال نشر قوّاته وإطلاقه صواريخ موجّهة مضادّة للدبّابات وغيرها من الأسلحة ضدّ كيان العدو. وذلك من المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. لهذا تقف الكيان أمام 4 خيارات في سيناريوهات تعاطيها مع جبتهتها الشمالية في جنوب لبنان:
1- العودة إلى الوضع قبل 7 أكتوبر والتركيز على الردع.
2- شنّ حرب شاملة على الحزب لتدمير قدراته وإجباره على الانصياع لمطالب الكيان.
3- الانخراط في حرب محدودة مع الحزب للضغط عليه ودفع قوّاته بعيداً عن حدود فلسطين المحتلة.
4- استخدام الدبلوماسية القسرية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بشكل أفضل. وبالتأكيد، بحسب المركز، فإنّ الولايات المتحدة وحدها القادرة على منع ما يمكن أن يصبح حرباً أوسع نطاقاً وأكثر عنفاً في الشرق الأوسط.
الحرب المؤجّلة.. منذ 7 أكتوبر
بعد فترة وجيزة من “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، كاد الكيان الإسرائيلي أن يشنّ حرباً ضدّ الحزب في جنوب لبنان. قدّرت مخابرات العدو الإسرائيلية أنّ مقاتلي الحزب كانوا على وشك عبور الحدود إلى شمال الكيان كجزء من هجوم متعدّد المحاور. نشر جيش العدو الإسرائيلي طائرات مقاتلة في انتظار الأوامر لضرب أهداف في لبنان. ويبدو أنّ المسؤولين الإسرائيليين في كيان العدو أبلغوا البيت الأبيض. حوالي الساعة 6:30 صباحاً يوم 11 تشرين الأول 2023، أنّهم يفكّرون في توجيه ضربات وقائية. وطلبوا الدعم الأميركي. لكنّ كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، عارضوا الفكرة. ووفقاً لمقابلات أجراها “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” مع مسؤولين أميركيين، فقد كان هؤلاء يخشون أن تؤدّي الضربات الإسرائيلية في لبنان إلى إثارة حرب إقليمية دون داعٍ. وكانوا متشكّكين في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية عن الهجوم الوشيك.
على الرغم من أنّ الكيان لم يشنّ حرباً استباقية، إلا أنّ احتمال نشوب صراع بين الكيان والحزب يخيّم على المنطقة. الكيان يواجه معضلة، وقد يخاطر بشنّ حرب مع الحزب من شأنها أن توسّع نطاق القتال على نحو يجعل الحرب الحالية في غزة تبدو وكأنّها حادثة بسيطة. ويمكن للكيان أيضاً الانتظار، وتجنّب الحرب الآن مع الحزب. لكنّ هذا قد يؤدّي إلى خطر نشوب صراع أكثر خطورة في المستقبل مع عدوّ أفضل تسليحاً وقدرةً ويمكنه التحكّم في توقيت الحرب لمصلحته.
لفهم احتمالات الحرب بشكل أفضل، يطرح هذا التحليل عدّة أسئلة:
• ما هي العوامل التي تحدّد احتمالية الحرب؟
• ما هي قدرات الحزب اليوم؟
• ما هي خيارات الكيان؟
• ما هي خيارات الولايات المتحدة للتخفيف من حدّة الحرب أو منعها؟
يتضمّن هذا التحليل بيانات عن الضربات للعدو الإسرائيلي وضربات الحزب على طول الحدود. ويحدّد الموقع الجغرافي لهجماته ضدّ الكيان في المنطقة الواقعة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني. ويفحص صور الأقمار الصناعية لضربات العدو الإسرائيلي ضدّ أهداف الحزب. كما يقوّم القدرات العسكرية للحزب. بما في ذلك جمع البيانات عن مخزونه من الصواريخ. ويعتمد في معلوماته على مقابلات أجراها المؤلّفون مع مسؤولين أميركيين ومع مسؤولين إسرائيليين خلال زيارة عدد منهم للكيان.
يقدّم هذا التحليل ثلاث حجج رئيسية:
أوّلاً، تدهور الوضع الأمنيّ بشكل كبير في الأشهر الأخيرة لعدّة أسباب:
– أدّت هجمات 7 أكتوبر إلى زيادة عميقة في انعدام أمن الكيان الإسرائيلي.
– أدّى تهجير أكثر من 150 ألف مدني على جانبي الحدود إلى زيادة الضغوط. وخاصة في الكيان. لتغيير الوضع الأمني حتى يتمكّن المدنيون من العودة.
– يواصل الحزب والمقاومة في لبنان وسوريا تخزين الأسلحة الاحتياطية التي يمكن أن تضرب الكيان.
– يستمرّ الحزب في انتهاك قرار مجلس الأمن 1701. وأوجدت هذه العوامل حالة متفجّرة في منطقة الشرق الأوسط المتوتّرة أصلاً.
ثانياً، بدأ العنف بين الكيان والحزب يتصاعد بعد نحو عقدين من الصراع منخفض الحدّة. ووفقاً لتحليل “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، وقع منذ 7 أكتوبر أكثر من 4,400 حادث عنف بين الكيان والحزب عند الخط الأزرق وفي مرتفعات الجولان. بينما ضربت صواريخ الحزب الموجّهة المضادّة للدبّابات قوات العدو الإسرائيلية من مواقع إطلاق مخفيّة. على بعد أقلّ من ثلاثة كيلومترات من الخط الأزرق. 17 مرّة على الأقلّ في انتهاك واضح للقرار 1701.
ثالثاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لمنع اندلاع حرب شاملة ستكون مدمّرة لكلّ من لبنان والكيان معاً. وتشعل حريقاً أوسع نطاقاً في منطقة قابلة للاشتعال. بما في ذلك إثارة المزيد من الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة.
ينقسم هذا التحليل إلى أربعة أقسام:
• المشهد الأمنيّ المتغيّر.
• قدرات الحزب وأفعاله على طول الحدود.
• أهداف الكيان وخياراته.
• وخيارات السياسة الأميركية.
المشهد الأمنيّ المتغيّر
حارب الكيان الحزب منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيّات. عرّف الحزب نفسه منذ البداية بأنّه معارض للكيان وأنّ هدفه طرد الاحتلال من لبنان. تبادل الجانبان الهجمات في الثمانينيات والتسعينيات. على الرغم من وجود قوة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان. ونجح الحزب في إجبار جيش العدو الإسرائيلي على الانسحاب من لبنان في عام 2000. ونفّذ في سياق هذه العملية مجموعة من الهجمات ضدّ الكيان في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من انسحاب الكيان من لبنان، واصل الحزب شنّ هجمات عرضيّة ضدّ الكيان. بحجّة احتلالها لمزارع شبعا على تقاطع الحدود بين لبنان وسوريا والكيان الذي يدّعي أنّها أرض لبنانية. وبالتالي فإنّ الاحتلال الإسرائيلي مستمرّ على الرغم من أنّ الأمم المتحدة خلصت إلى أنّها أرض سوريّة، وأنّ الكيان بالتالي أجل قواته بالكامل من لبنان.
منطقة الخطّ الأزرق وفقاً للقرار 1701 (المصدر: “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”).
من مناطق النزاع الأخرى قرية الغجر غربي مزارع شبعا التي تقسّمها الحدود. ويحمل سكّانها الجنسيّتين اللبنانية والإسرائيلية. قسّم سياجٌ القرية لسنوات. لكنّ الكيان أعاد احتلالها في عام 2006، ولا يزال يحتفظ بالسيطرة عليها.
في عام 2006 تحوّل الصراع بين الكيان والحزب إلى حرب شاملة بعد عملية اختطاف نفّذها الحزب عبر الحدود. قتلت الحرب أكثر من 100 إسرائيلي وحوالي 500 من مقاتلي الحزب، ودمّرت لبنان. ربّما لم يتوقّع الحزب أن تشعل عمليّته حرباً شاملة. وأعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله لاحقاً أنّه لم يكن لينفّذ العملية لو كان يعلم أنّ حرباً ستحدث.
على الرغم من أنّ الحزب فقدَ كثيرين، كانت الحرب كارثة بالنسبة لكثير من الإسرائيليين بسبب عدد قتلاهم. وتعرّض أداء الجيش الإسرائيلي لانتقادات واسعة. انتهت حرب 2006 بصدور قرار مجلس الأمن 1701، الذي أنشأ منطقة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني على طول حدود الكيان ولبنان وسوريا. وأوجب أن تكون خالية من أيّ أفراد مسلّحين وأصول وأسلحة باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل.
بعد 2006، سادت حالة من الردع غير المستقرّ. هاجم الكيان من حين إلى آخر مقاتلي الحزب وشحنات الأسلحة الإيرانية المتّجهة إليه وجماعات أخرى في سوريا. وتمّ إطلاق صواريخ متقطّعة وطائرات بدون طيار وغيرها على جانبَي الحدود. ومع ذلك، حرص الجانبان على تجنّب حرب شاملة أخرى.
لكنّ الوضع اليوم حسّاس لعدّة أسباب:
• أوّلاً، أدّى هجوم 7 أكتوبر في غزّة إلى زيادة انعدام أمن العدو الإسرائيلي. كان هجوماً مفاجئاً أسفر عن مقتل مستوطنين إسرائيليين، من بينهم نساء وأطفال وكبار سنّ.. وكان ثالث أكثر الهجمات الإرهابية فتكاً في العالم منذ أن بدأت جامعة ميريلاند في جمع بيانات للحوادث المشابهة في عام 1970. وكان أكثر فتكاً بـ 15 مرّة من الهجمات في الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001.
في مقابلاتهم مع المؤلّفين في كانون الأول 2023، أكّد الإسرائيليون فشل أجهزتهم الاستخبارية وقواتهم العسكرية في 7 أكتوبر. واستحالة اعتمادهم على الردع بالنظر إلى فشله ضدّ حماس. وكانت لهذه الهجمات آثار نفسية على المستوطنين. وفقاً للمجلّة الطبّية The Lancet، تسبّبت الهجمات بمستويات عليا من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، واضطرابات القلق العامّ بين المستوطنين. ووفقاً لاستطلاع للرأي لمؤسّسة غالوب “انهارت الصحّة العاطفية للإسرائيليين بعد الهجوم. حيث أبلغت أغلبية قياسية عن مستويات عليا من القلق (67%) والتوتّر (62%) والحزن (51%). لذلك قد تكون قدرة إسرائيل على تحمّل المخاطر قد تغيّرت. فإذا كانت حماس، الأقلّ تسليحاً وتدريباً من الحزب، قادرة على قتل أكثر من 1,100 مستوطن، فما الذي قد يفعله الحزب الأكثر قوّة؟
وتعزّز علاقة الحزب الوثيقة مع إيران وحماس هذا الخوف. فالحدّ من خطر الحزب يعني ضمان عدم وجود قوات الرضوان (النخبة التابعة له) على حدود الكيان وفرض قيود على أسلحته. ويقول مسؤولون إسرائيليون في كيان العدو إنّهم يفضّلون الحلّ الدبلوماسي. لكنّهم يحذّرون من “التصرّف بمفردهم” في حالة فشل الدبلوماسية.
• ثانياً، أدّت تداعيات هجوم 7 أكتوبر والاشتباكات بين الحزب والكيان إلى نزوح أكثر من 150 ألف شخص على جانبَي الحدود منذ تشرين الأول 2023، بما في ذلك ما يقرب من 80 ألف مدني من شمال الكيان و75 ألفاً من جنوب لبنان.
بالنسبة للكيان، ستتطلّب إعادة النازحين إلى منازلهم وقراهم في شمال الكيان ضمان بيئة أمنيّة غير موجودة حالياً. يحتاج قادة العدو الإسرائيليون إلى إقناع شعبهم بأنّ أجهزة الاستخبارات يمكنها هذه المرّة توقّع أيّ هجوم، وأنّ الجيش قادر على إيقافه. وهي مهمّة صعبة نظراً لقدرات الحزب وتشويه سمعة المسؤولين العسكريين والاستخباريين بسبب 7 أكتوبر. ووفقاً لأفيغدور ليبرمان، وزير مالية العدو السابق الذي يرأس حزباً معارضاً، بيّنت حكومة العدو الإسرائيلية عن ضعفها في الشمال. إذ “استسلمت حكومة الحرب للحزب وخسرت الشمال”.
منطقة عمليات الحزب بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) بحسب تحليل المركز.
• ثالثاً، عزّز الحزب قوّاته بشكل كبير منذ عام 2006 وقام بتخزين أكثر من 120 ألف قطعة سلاح في لبنان وسوريا. ومع وجود شركاء إيرانيين وقوات وكيلة نشطة في لبنان وسوريا والعراق ودول أخرى في المنطقة، فإنّ التهديد المقبل من الشمال قد يزداد سوءاً.
• رابعاً، انتهك الحزب مرّات عدّة قرار مجلس الأمن 1701 من خلال تمركز قوّاته في المنطقة الواقعة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني. وأحياناً تحت ستار المنظمة غير الحكومية المزيّفة “خضراء بلا حدود”. تشير اللقطات التي تمّ تحديد موقعها الجغرافي من مقاطع الفيديو الدعائية للحزب إلى أنّ صواريخه المضادّة للدبّابات أصابت قوات العدو الإسرائيلية من مواقع إطلاق مخفيّة.
انتهك الحزب مرّات عدّة قرار مجلس الأمن 1701 من خلال تمركز قوّاته في المنطقة الواقعة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني
• على بعد أقلّ من خمسة كيلومترات من الخطّ الأزرق. 17 مرّة على الأقلّ منذ 7 تشرين الأول. وكانت الهجمات في معظمها ضدّ القواعد العسكرية للعدو الإسرائيلي وأنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وقُتل فيها ما لا يقلّ عن سبعة مستوطنين إسرائيليين وحوالي 10 جنود من جيش العدو الإسرائيلي. وشهدت الأسابيع الخمسة عشر التي تلت 7 أكتوبر أكثر من 4,400 حادثة عنف بينهما تركّزت حول الخطّ الأزرق.
رسم بيانيّ لوتيرة العمليات المتبادلة بين الحزب والكيان في كلّ من لبنان وسوريا والكيان بين 27 آب 2023 و15 آذار 2023. المصدر مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلّح (ACLED).