أعرف عدوك

إسرائيل لا تُدان

جوزيف باسيل-نداء الوطن

إنّ قصف إحدى أقدم الكنائس الأرثوذكسية في العالم، بعد قصف المستشفى المعمداني، وكلاهما في غزة، هو عدوانية مطلقة بقصد التشفّي من المسيحيين وتهجيرهم مع المسلمين، وكان هذا المخطط الكيسنجري بدأ بلبنان عام 1975، وقد يقول البعض في 1948، عام النكبة، بدليل أنّه لم يبقَ من المسيحيين في فلسطين، إلا قلّة، علماً أنّها أرض المسيح، وقد دفعوا أثماناً غالية عبر التاريخ لرفع اسمه وللتمسّك بأرضه.

إنّ المسيحيين في المشرق في خطر كبير داهم، مارست إسرائيل تهجيرهم في فلسطين، و»داعش» في العراق وسوريا، والخطر يتهدّدهم في لبنان. منذ السبعينات قرّرت الولايات المتحدة تهجيرالمسيحيين من لبنان لإحلال الفلسطينيين محلهم، ولمّا رفضوا وانقلبت الأوضاع عليها، قرّرت تدفيعهم الثمن ومذاك يدفعونه غالياً، بنزف مستمرّ، وتنمّر عليهم لا يرعوي، وبتهجير «على الناعم».

عندما فجّرت «طالبان» عام 2001 ثلاثة تماثيل تاريخية لبوذا في باميان في أفغانستان، تعود إلى القرن السادس الميلادي، «قامت الدنيا ولم تقعد»، دفاعاً عن التراث العالمي متمثلاً بهذه التماثيل، لكن دول العالم والمؤسسات الدولية التي انتفضت آنذاك مستنكرة ومندّدة بأشدّ عبارات التنديد، صمتت الآن، فكأنّ كنيسة بنيت في القرن الرابع الميلادي، أقل أهمية في التراث العالمي من التماثيل. لكن الحقيقة غير ذلك، فمن فجّر التماثيل، «طالبان» هي مدانة حكماً، أما من قصف الكنيسة، فهي إسرائيل التي لا تُدان.

وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية»، وهذا كلام يمكن التنديد به ببساطة في أي محفل دولي أو عالمي، لأنّه لم يسبق في التاريخ أن تجرّأ مسؤول رسمي كبير في أي دولة على قول هذا الكلام أو ما يشبهه، لكن لأنّ قائله إسرائيلي لم نسمع أي اعتراض من أي دولة أو مؤسسة دولية، وإذا عكسنا الصورة وتلفّظ أي فلسطيني أو عربي بمثل هذه الأوصاف، حتى لو كان «جرموزاً» في الكشافة، لقامت عليه الدنيا ولم تقعد، وعلى كل الفلسطينيين والعرب في كل أنحاء المعمورة، فأين جمعيات حقوق الإنسان الدولية من ذلك؟!

قد لا يكون غريباً كلام غالانت الشتّام للفلسطينيين، فهو شخصياً بصفته وزيراً للدفاع، مسؤول عن الإخفاق الكبير في غلاف غزة الذي عرّى الجيش الإسرائيلي «الذي لا يقهر»، وخطأه أكبر بكثير من خطأ نظيره موشى دايان عام 1973 الذي صرف النظر عن معلومات استخبارية تحذره من معركة العبور. فضلاً عن أنّ غالانت يعبّر عن تطرفه الديني المتدارِك باعتباره أنّ الفلسطينيين، وكل زعماء العالم الذي يدعم إسرائيل، هم من «الغوييم» ومعناها الحرفي «الأمم»، أي غير اليهود، بحسب التلمود، وجميع داعمي إسرائيل يعرفون هذه الحقيقة، والنظرة اليهودية المتعالية على الشعوب الأخرى التي هي «أرواح شيطانية وحيوانات»، وهذا نص تلمودي واضح ومدوّن، يؤمن به اليهود. لكن الخطأ أنّ داعمي الدولة اليهودية في الغرب لا يؤمنون بأنفسهم، ولا بمعتقداتهم، كي يواجهوا هذا الكلام العنصري بما يناسبه من ردٍّ وردع.

ويا للأسف خسر العالم القادة الكبار الذين لا يساومون على ضمير ولا أخلاق، خلافاً لحاكمي العالم حالياً، ويحضرني فيهم قول الشاعر خليل مطران، ابن بعلبك: ما كانت الحسناءُ ترفعُ سِترَها / لو أنّ في هذي الجُمُوعِ رجالا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى