عاجل

إسرائيل وتأسيس حركة حماس… أوهام العقلية المؤامراتية 

شفقنا-منذ انطلاق العمليات التي شنتها الفصائل الفلسطينية في إسرائيل في 7 أكتوبر، أثيرت الشكوك وجعلت من الصعب على الناس فهم الواقع بسبب الضبابية السائدة على الأحداث.

هناك شبهة تعزو صعود ونمو حماس إلى “المؤامرة” الإسرائيلية وتعتقد أن “إسرائيل هي من خلقت حماس”. وهذه العبارة نفسها رددها الراحل ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومسؤولون عسكريون وسياسيون إسرائيليون، وبعض أصحاب وسائل الإعلام. ووفقا لهذا الادعاء، كان هدف إسرائيل من هذا العمل هو إضعاف موقف وتقليص نفوذ عدوها الرئيس في ذلك الوقت، منظمة التحرير الفلسطينية.

ويشير البعض إلى وثائق ويكيليكس في هذا الصدد. لا توجد وثيقة تثبت الادعاء أعلاه. وبصرف النظر عن الوثيقة التي تشير إلى الجذور التاريخية لحماس تكمن في جماعة الإخوان المسلمين، هناك وثيقة أخرى تتعلق باجتماع 11 يونيو 2007 بين يوفال ديسكين، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك والسفير الأمريكي لدى إسرائيل، نقلا عن ديسكين أن “فتح تمر بوضع سيئ للغاية في قطاع غزة… لكنهم ما زالوا يريدون منا مهاجمة حماس”.

وتنص وثيقة أخرى رفعت عنها السرية، تم تجميعها في اجتماع 12 يونيو 2007 بين مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية آنذاك والسفير الأمريكي لدى إسرائيل، عاموس يادلين، على ما يلي: “ستكون إسرائيل سعيدة إذا سيطرت حماس على غزة، طالما لم يكن هناك مجال للدخول والخروج (الجوي والبحري)؛ لأن الجيش الإسرائيلي يستطيع التعامل مع غزة كدولة معادية”.

رابع أكبر تهديد لإسرائيل 

وصنف غزة على أنها رابع أكبر تهديد لإسرائيل بعد إيران وسوريا وحزب الله، مضيفا: “ستتعاون إسرائيل بعد ذلك مع فتح لتشكيل حكومة في الضفة الغربية وإضعاف حكومة حماس في غزة”.

وبحسب وثيقة أخرى نشرتها ويكيليكس، قال وزير الدفاع إيهود باراك إن إسرائيل تشاورت مع مصر ومنظمة الحكم الذاتي قبل إطلاق عملية “الرصاص المصبوب” على غزة وسألتهم هل تريد مصر أم فتح، بعد انتصار إسرائيل المتوقع على حماس السيطرة على قطاع غزة؟ لكنه تلقى ردا سلبيا من كليهما.

وتشير الوثيقة التي صدرت في مطلع يونيو 2009 إلى أن باراك قال إن السلطة الفلسطينية ضعيفة وتفتقر إلى الثقة بالنفس. وفي وثيقة أخرى لويكيليكس، وفي إطار الخطة العامة لحصار غزة، أكدت السلطات الإسرائيلية أنها تخطط لإبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار من خلال وضع السفارة الأمريكية في تل أبيب على علم بالحصار المفروض بالقطاع.

وخلافا للادعاء المطروح، فإن الوثائق المذكورة أعلاه تظهر معارضة إسرائيل لحماس. وللتعمق أكثر في هذا الادعاء الذي ذكرته إسرائيل بطرق مختلفة، من انشاء إلى دعم حماس ماليا، ومن حيث التكرار، فقد أصبح شاهدا على ادعاء المحللين في تيارات اليوم، وتجدر الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:

نتاج عصرها 

أولا: حماس كانت نتاج عصرها. وكان نمو التيارات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة جزءا من ظاهرة أوسع، وليس حدثا منعزلا. وقد نمت هذه الظاهرة في سياق تحول كبير شمل المنطقة بأكملها. فبين النصف الثاني من السبعينيات ومنتصف التسعينيات، نشهد نموا ملحوظا في الصحوة الإسلامية، كما أن ظهور الاتجاه الإسلامي في المناطق المحتلة تأثر بنمو الحركات الإسلامية في المنطقة. وكان للتطورات في مصر وإيران ولبنان والأردن والسودان والجزائر وأفغانستان وغيرها آثار مهمة على نمو الحركات الإسلامية الفلسطينية في الأراضي المحتلة.

ثانيا: تعود جذور حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين. تشكلت جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية في أوائل الأربعينيات قبل قيام إسرائيل. تركزت أنشطة الإخوان بشكل أساسي على الدعوة إلى الإسلام وتوفير التعليم والخدمات الاجتماعية والعمل الخيري. ظنت إسرائيل في أن تركيز الإخوان المسلمين على التغيير الاجتماعي من خلال الدعوة إلى الإسلام من شأنه أن يقوض الحملة القومية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وفي أوائل الثمانينيات، تركت المجموعة التي كانت غير راضية عن تقاعس الإخوان المسلمين ضد الاحتلال الإسرائيلي، الحركة الأم وشكلت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. فبينما زعمت جماعة الإخوان المسلمين أنه لن يكون المجتمع قويا بما يكفي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي إلا بعد إنشاء مجتمع إسلامي فلسطيني فاضل، دعمت حركة الجهاد الإسلامي أولا التحرر من الاحتلال ثم دعمت إضفاء الطابع الإسلامي على الحركة.

وقد دفعت العديد من عمليات الجهاد الإسلامي الناجحة ضد المحتلين والتي أدت إلى الانتفاضة الأولى، جماعة الإخوان المسلمين إلى إنشاء جناح مسلح منفصل، باسم حماس، لضمان بقائها ونفوذها. وبحسب المادة الثانية من ميثاق حماس، قدمت هذه الحركة نفسها على أنها الفرع المسلح لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. وكان الغرض من هذا الإجراء هو فصل الفصيل المسلح عن الحركة الأم والمساعدة في الحد من الأعمال الانتقامية وقمع الأنشطة الاجتماعية. لقد جمعت حماس بين برامجها الاجتماعية والسياسية وبين الكفاح المسلح والإسلام، واتبعت استراتيجية الدعوة والجهاد المشتركة ضد الاحتلال.

عقدة التفوق الذاتي 

ثالثا: العقلية السياسية الإسرائيلية تقوم على “عقدة التفوق الذاتي” تجاه الفلسطينيين، وفكرة أن الفلسطينيين غير قادرين على فعل أي شيء دون دعم إسرائيل أو إرادتها. إن الاعتراف بأن الحركة الفلسطينية يمكن أن تتشكل وتنمو بشكل مستقل في الأراضي المحتلة، في الفناء الخلفي لإسرائيل، يعتبر بمثابة ضربة قوية لـ “كبرياء” إسرائيل و”أحلامها”.

وحقيقة أن إسرائيل هي التي كانت وراء إنشاء حماس ترجع إلى هذه العقلية الإسرائيلية. عقلية تؤمن بـ “القدرات الاستثنائية للموساد والشين بيت”، وأسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، و”الديمقراطية الوحيدة في المنطقة” أو “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” لنفسها. نفس الفكرة طرحت فيما يتعلق بعملية طوفان الأقصى وهذا الشك عبر عنه كثيرون بأنه لا يمكن للمليشيات الفلسطينية أن تتمكن من تنفيذ مثل هذه العملية بمفردها دون علم إسرائيل من جهة أو بمساعدة إيران من جهة أخرى.

رابعا: إن موقف إسرائيل من استغلال الخلافات والتنافس بين القوى الفلسطينية، مثل حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية في مناسبات مختلفة، هو إجراء شائع يستخدمه الجانب الإسرائيلي في القتال ضد خصومه. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام مثل هذا الأسلوب شائع في عالم السياسة في مختلف البلدان. كما تتجلى الاتهامات اللفظية للفصائل الفلسطينية المتنافسة، مثل المنافسين السياسيين في كل بلد وفي كل مرحلة.

ولا شك أن سياسة إسرائيل خلال العقود الماضية كانت تتمثل في عدم إعطاء الفرصة لترسيخ أسسها وتوسيع نفوذها بين الشعب الفلسطيني من خلال تقسيم التوجهات الوطنية والإسلامية الفلسطينية. لكن ليس من المنطقي أن تقوم إسرائيل بإنشاء أو تشجيع أو دعم حزب هو أشد المعارضين لوجودها إيديولوجيا وعمليا، في حين أن هناك أدلة على عكس ذلك.

الإطاحة بحكومة حماس 

على سبيل المثال، أكد بنيامين نتنياهو، في محادثته مع السفير الأمريكي لدى إسرائيل في 26 سبتمبر 2006، على الإطاحة بحكومة حماس. وفي عام 2019، دافع نتنياهو عن السماح بتحويل الأموال القطرية إلى غزة تحت إشراف إسرائيلي، قائلا إن ذلك جزء من استراتيجية أوسع لإبقاء حماس والسلطة الفلسطينية منفصلتين، وأن أي شخص يعارض إنشاء دولة فلسطينية يجب أن يؤيد تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة سيساعد على منع قيام دولة فلسطينية. يوضح هذان المثالان أن إسرائيل تحاول تقسيم الفلسطينيين بكل الطرق.

خامسا: تشير الأدلة إلى أن الاهتمام الرئيس لسلطات الاحتلال في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان النشاط العسكري للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وركزت جهودها على مواجهته، وكانت متسامحة نسبيا مع الأوضاع الاجتماعية والإعلامية والعسكرية والأنشطة الدعائية للقوى الوطنية أو الإسلامية.

بمعنى آخر، لم يكن موقف إسرائيل من أنشطة التيارات الإسلامية ومؤسساتها المدنية يختلف عن موقفها من الظواهر المدنية المرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان مستوى الترخيص والتسامح مع أنشطتها هو نفسه بغض النظر عن انتمائها الأيديولوجي أو السياسي.  وإذا كان تخصيص الأموال والدعم المالي لإنشاء هذه المؤسسات المدنية في المناطق المحتلة قد قدمه المحتل، فإنه يشمل كلا من الاتجاهات الوطنية العلمانية والتيارات الإسلامية.

وقد خضعت العشرات من المنظمات القومية مثل المطبوعات والمدارس والجامعات والأندية وغيرها لهذه السياسة، وجميعها تعمل بناء على تراخيص صادرة عن إسرائيل؛ كما أطلقت الحركة الإسلامية شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية والمدارس والجامعات والمستوصفات والمكتبات والمساجد ورياض الأطفال وغيرها بتراخيص رسمية.

تنامي قوة الحركات الإسلامية 

سادسا: لا شك أن سياسة إسرائيل تجاه تنامي قوة الحركات الإسلامية خلال السبعينيات والثمانينيات وحتى العام الأول للانتفاضة وحتى بعد ذلك اتسمت بالارتباك وعدم القدرة على فهمها.

وفي الوقت نفسه، كانت إسرائيل حذرة من أن يُنظر إليها على أنها عدو للإسلام في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن إسرائيل في ذلك الوقت، رغم اعتبارها فتح عدوها الرئيس، توصلت إلى نتيجة مفادها أنه إذا انخرط الإسلاميون والقوميون في حرب مع بعضهم البعض، فإن تركيزهم على محاربة إسرائيل سوف يزال.

وهذا لا يعني أن إسرائيل هي التي أنشأت حماس أو سلحتها أو مولتها؛ بل يعني أنه مثلما تفاجأت إسرائيل في 7 أكتوبر، فإنها لم تكن واعية بنفس القدر فيما يتعلق بحماس. ويقول الجنرال شالوم هراري، ضابط المخابرات العسكرية السابق في غزة، إن السبب في ذلك هو الإهمال، وليس الرغبة في تقوية الإسلاميين، في إشارة إلى التحذيرات التي تم تجاهلها بشأن حماس. ووفقا له، فإن إسرائيل لم تمول حماس أبدا. إسرائيل لم تسلّح حماس قط.

المصدر: صحيفة اطلاعات

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-06 22:47:01
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى