عاجل

تداعيات التطورات الفلسطينية على آسيا الوسطى

شفقنا-منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” على يد قوى المقاومة، اتخذت دول آسيا الوسطى موقفا رسميا على مختلف المستويات وفقا للظروف الدولية. معظم هذه المواقف اتخذتها وزارات خارجية هذه الدول، وأحيانا كانت تتابعها السفارات الأجنبية في إطار الدبلوماسية العامة.

 وبشكل عام، اتخذت دول آسيا الوسطى مواقف محايدة نسبيا. وفي حين أعربت وزارة خارجية أوزبكستان عن قلقها البالغ إزاء سقوط ضحايا من المدنيين واحتمال تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فقد دعت الأطراف إلى وقف الصراعات واللجوء إلى الحلول السياسية والدبلوماسية. هذا وأصدرت سفارة هذا البلد في الأراضي المحتلة رسالة تعزية في خسائر الكيان الصهيوني.

 كما رافق البيان الثاني لوزارة خارجية أوزبكستان إدانة الهجوم الجوي على المستشفى الأهلي في قطاع غزة. ورغم أن أوزبكستان لم تذكر اسم الكيان الصهيوني في هذا البيان، إلا أن الإشارة إلى “الهجوم الجوي” على هذا المستشفى تنطوي على انتقاد خطير للكيان الصهيوني.

وأعربت وزارة خارجية قيرغيزستان، في بيانها الأول، عن قلقها العميق إزاء تصاعد التوترات ودعت إلى وقف الأعمال العدائية وتبني الحوار السياسي والدبلوماسي. أما البيان الثاني لوزارة خارجية قيرغيزستان فقد خصص فقط لخروج مواطني هذا البلد من الأراضي المحتلة ولبنان، وعمليا لم نرى أي موقف آخر من هذا البلد فيما يتعلق بالتطورات في غزة. 

كما أدانت وزارة خارجية طاجيكستان أعمال العنف في الأيام الأولى للصراع ودعت إلى استخدام الحلول الدبلوماسية. وبعد أيام قليلة، في 18 أكتوبر، أدانت وزارة خارجية طاجيكستان، في بيانها الثاني، بشدة، دون ذكر اسم الكيان الصهيوني، قصف المستشفى الأهلي في غزة، وبينما أعربت عن تعاطفها مع الناجين، دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وإلى جانب هذه القضايا، طرحت كازاخستان الموقف الرسمي الأهم الداعم للكيان الصهيوني في المنطقة. ففي 17 أكتوبر، أصدرت وزارتها الخارجية بيانا أدانت فيه هجوم حماس على المدنيين واحتجاز الرهائن. وتم في هذا البيان التأكيد على الإفراج السريع وغير المشروط عن الرهائن. وفي هذا البيان، طُلب من الكيان الصهيوني أيضا ضبط النفس والامتناع عن الاستخدام غير المناسب للقوة الذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين في غزة. ولم تصدر كازاخستان بيانا بشأن الهجوم على المستشفى الأهلي.

 لكن تركمانستان لم تبدي ردة فعل على التطورات التي شهدتها غزة خلال هذه الفترة. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي إطار قرار الدول العربية الذي طالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وإيصال المساعدات الطارئة بسرعة إلى غزة، لم تسجل أي من دول آسيا الوسطى صوتا سلبيا. وصوتت أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان لصالح هذا القرار، بينما غابت تركمانستان.

وكان وجود مواطنين يحملون جنسية مزدوجة من دول آسيا الوسطى والكيان الصهيوني سببا في المواقف الثنائية. وخاصة من أوزبكستان ومن بين اليهود الذين يعيشون في هذا البلد، إذ هاجر عدد كبير منهم إلى الأراضي المحتلة خلال التسعينيات. وخلال التوترات الأخيرة، ادعت وزارة خارجية الكيان الصهيوني أن ثلاثة مواطنين أوزبكيين ومواطن كازاخستاني كان من بين القتلى. ونفت وزارة خارجية كازاخستان ذلك، وأصدرت وزارة خارجية أوزبكستان بيانا وصفت فيه هؤلاء الأشخاص بأنهم مواطنون فقط من هذا البلد الذين ليس لديهم الجنسية الأوزبكية الرسمية.

تداعيات الحرب 

من الممكن أن يكون من تداعيات حرب 2023 على قطاع غزة، نظرا لأبعادها ونتائجها العالمية وانتشار جرائم الكيان الصهيوني، تنشيط الخلايا المناهضة للصهيونية في آسيا الوسطى. وأهم ما يترتب على هذا الحدث أنه سيؤدي إلى إضفاء الطابع الأمني على العلاقات الثنائية، خاصة في الأماكن التي تعجز الحكومات عن قمعها أو السيطرة عليها. فخلال الصراعات الأخيرة في غزة، شهدنا بعض هذه التحركات. 

وفي نهاية شهر أكتوبر، أفادت بعض المصادر غير الرسمية عن هجوم على مراكز تابعة للكيان الصهيوني في طشقند. وعلى إثر هذه الأحداث، تم تطبيق إجراءات أمنية مشددة في سفارة الكيان الصهيوني في طشقند، كما تم إلغاء عدد من الفعاليات في المراكز التابعة للكيان الصهيوني. ويقال إن معبدين يهوديين أوقفا أنشطتهما مؤقتا.

وذكرت بعض المصادر أنه تم القبض على مواطن قرغيزي مع مواطن أوزبكي للاشتباه في تورطهما في هذا الهجوم. وعلى الرغم من أن الحكومة الأوزبكية لم تقدم معلومات رسمية في هذا الصدد، إلا أن البيئة الأمنية الناتجة عن ذلك واضحة للعيان. وقد يكون هذا عاملا لتعديل سلوك دول آسيا الوسطى تجاه التطورات في غزة. 

وفي الوقت نفسه، تشير بعض الأخبار إلى احتمال إلغاء حفل “أندريه ماركاريفيتش”، المغني الروسي الشهير الذي كان من مؤيدي الكيان الصهيوني، في دول قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان. وكان قد وعد في السابق بتمويل الجيش الإسرائيلي، وخطط لإقامة حفلاته في المنطقة في أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر.

وهذه القضية خطيرة بشكل خاص في أوزبكستان، التي شهدت حوادث أمنية. وفي عام 2001، قام ما يسمى بـ “اتحاد الجهاد الإسلامي” بتفجيرات أمام السفارة الصهيونية في طشقند، مما أدى إلى وضع أمني خطير في علاقات أوزبكستان الثنائية مع الكيان الصهيوني. ويمكن أن يظهر هذا كعامل مقيد في كازاخستان. وخاصة أن التطورات الواسعة في الأجهزة الأمنية والأخبار التي نشرت خلال العام الماضي حول أنشطة الموساد، حتى في خطة اغتيال توكاييف، تعزز هذه الإمكانية. وفي الجمهوريات الثلاث الأخرى، تكون هذه الإمكانية أضعف، لكن تجربة التطورات في السنوات الأخيرة أظهرت أن مواطني قيرغيزستان وطاجيكستان يمكن أن يشكلوا أفضل الخيارات للأحداث الأمنية في كازاخستان، وأوزبكستان، وحتى روسيا.

 هذا وتجدر الإشارة إلى أن دور الرأي العام، وخاصة علماء الدين والإعلام، فعال للغاية في العمليات المتعلقة بهذه القضية. إن تحليل عملية تصوير التطورات في غزة في سياق وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي سيكون له علاقة مباشرة بهذه التطورات المحتملة.

ومن ناحية أخرى، فإن النهج المحافظ لدول المنطقة في السياسة الخارجية، والذي تم تكثيفه في الفترة التي تلت بدء الحرب في أوكرانيا ودفعه نحو التعددية، سوف يتكثف مرة أخرى نتيجة لهذه التطورات. 

وفي هذا الإطار، ستفضل دول المنطقة إبقاء التعاملات مع الكيان الصهيوني صامتة أو من دون مخرجات واضحة لمدة 6 أشهر على الأقل. ومن ناحية أخرى، وكعمل متوازن، فإنها ستعزز التفاعلات مع الحكومة الفلسطينية. لكن من ناحية أخرى، فإن نوع وجهة نظر ونفوذ الدول الثالثة يمكن أن يغير مستوى واتجاه النزعة المحافظة تجاه الكيان الصهيوني، بل ويؤثر حتى على العلاقات مع فلسطين. 

تتمتع تركيا بقدرات لترك تأثير أكبر في هذا المجال. بعد تغير موقف أنقرة من تطورات غزة والتصريحات الحادة لـ “رجب طيب أردوغان” ضد الكيان الصهيوني، هناك احتمال أن تقوم تركيا بتوفير أرضية في دول آسيا الوسطى من أجل خلق تحقيق اجماع بهدف دعم أهل غزة.

وأخيرا، فإن التوترات بين روسيا والكيان الصهيوني هي عامل آخر يمكن أن يؤثر على آسيا الوسطى. ودعمت روسيا حماس رسميا، بل إن بعض وسائل الإعلام التابعة للكيان الصهيوني نشرت معلومات عن دعم موسكو الآخر لقوات المقاومة الفلسطينية. ويتأثر موقف روسيا هذا بشكل مباشر بتطورات الحرب في أوكرانيا.

 أولا، ما دام الكيان الصهيوني في أزمة، فسوف يتم تحويل المساعدات الغربية إلى جنوب غرب آسيا بدلا من أوكرانيا، وسوف يركز الرأي العام على فلسطين. 

ثانيا، يخلق الدعم اللوجستي والأسلحة الذي يقدمه الكيان الصهيوني لأوكرانيا إمكانية تعويض روسيا في سياق الأزمة الحالية.

 وفي مثل هذا الوضع، فإن مشاركة الكيان الصهيوني في مخططات الغرب ضد روسيا في آسيا الوسطى، وخاصة في الأطر العملياتية مع وجود الموساد، ستكون أحد الخيارات المحتملة للتوتر في آسيا الوسطى. لكن هذا العامل يعتمد بشكل كبير على مصير حكومة نتنياهو بعد الأزمة الحالية، وخاصة على نوع التعامل مع موسكو في فترة ما بعد الأزمة.

آخر الكلام

يبدو أن العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول آسيا الوسطى، باعتبارها منطقة ذات سكان مسلمين، لن تعود إلى طبيعتها بعد انتهاء الحرب الحالية في غزة. ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون إعادة العلاقات متناسبة مع ردود الفعل الأسرع مقارنة بمناطق أخرى من العالم الإسلامي. في الوقت نفسه، أظهرت ردود الفعل الواسعة على تطورات غزة في شبكات التواصل الاجتماعي وبين المؤثرين في آسيا الوسطى، إلى جانب التطورات الأمنية المذكورة في طشقند وبشكيك، أنه على الرغم من الصمت النسبي، إلا أن هناك قدرات لدعم فلسطين ومواجهة الكيان الصهيوني في هذه المنطقة.

 إن احتمال بقاء هذه القدرات وعدم تحققها في الفترة الحالية يظهر عدم تركيز وجهة نظر المقاومة على هذه المنطقة، خاصة على مستوى الرأي العام. إن تحليل رد فعل وسائل الإعلام الرسمية على التطورات في غزة وشبكات التواصل الاجتماعي يظهر بوضوح وجود فجوة خطيرة. كما أن مطابقة الأوضاع العامة لهذه الدول مع رواية الإعلام الرسمي تظهر ضعفا عميقا في تفسير وجهة نظر المقاومة في المنطقة. وفي حالة تصميم استراتيجية طويلة المدى على مستوى الرأي العام وخاصة بالنظر إلى الحكومات، فمن الممكن تصميم استراتيجيات لردود فعل أكثر جدية على القضية الفلسطينية وخطوات استراتيجية مثل وقف إمدادات النفط وبعض الموارد المعدنية في المستقبل.

المصدر: مطالعات شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

 

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-18 02:43:16
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى