بين القصف والمفاوضات.. أميركا: الأمر لي!…
سفير الشمال-غسان ريفي
يُدرك بنيامين نتنياهو أن بنك الأهداف الذي وضعه لجهة القضاء على حماس وإستعادة الأسرى هو غير قابل للصرف، وأنه مجرد كلام للاستهلاك يسعى من خلاله الى تحسين صورته لدى المجتمع الاسرائيلي الذي يطالب بإسقاطه ومحاكمته، ويطالب حركة حماس بأسره وإطلاق الرهائن الموجودين لديها.
ويقتنع الأميركيون أن القضاء على حماس هو من المستحيلات، خصوصا أنها من نسيج شعب غزة وفلسطين، وبالتالي فإن الاستمرار في إستهدافها يعني إبادة شعب بأكمله وهذا ما لم تعد تستطيع الولايات المتحدة تحمله في ظل تنامي الدعوات لحماية المدنيين الذين يُمعن نتنياهو فيهم قتلا وتشريدا على مدار 21 يوما وصولا الى تصعيد تدميري غير مسبوق ليلة أمس، من دون أن يحقق أي إنجاز لا ضمن بنك أهدافه ولا خارجه، لا سيما في ما يتعلق بالاجتياح البري الذي قد يبدأ إثر القصف التدميري لكن من دون أن يزيل المخاوف الاسرائيلية والأميركية من تداعياته ونتائجه الكارثية، خصوصا بعدما تصدت المقاومة الفلسطينية للإنزال الذي قام به جيش العدو على شاطئ رفح وأجبرته على التراجع.
لا شك في أن إسرائيل لا تحتمل حروبا طويلة الأمد، بل هي معتادة على الحروب الصغيرة التي قد تمتد لشهر على أبعد تقدير، وهي تخشى من حرب تستنزفها في غزة، خصوصا أن قواتها الأساسية المعدة لمواجهة حماس والمعروفة بقوات غلاف غزة قد إنهارت بالكامل وتم القضاء على أكثرية عناصرها، كما وقع قائدها في الأسر، أما الاحتياط الذي تم إستدعاءه، فإن عناصره غير مؤهلين ويحتاجون الى الكثير من الخبرات العسكرية والقتالية، كما أن معنوياتهم شبه منهارة بسبب الانتظار الطويل من دون إتخاذ القرار حول الاجتياح البري.
يضاف الى ذلك، الانهيارات الاقتصادية والمالية المتلاحقة بفعل تعطل حركة الانتاح وضرب القطاع السياحي وشلل المؤسسات وتوقف كل المصالح، والنزوح الكثيف حيث بلغ عدد النازحين من المستوطنات الشمالية بفعل المواجهات الجارية مع المقاومة الاسلامية في لبنان ومن مستوطنات غلاف غزة أكثر من 120 ألف مستوطن، في حين يؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي أننا “نحتاح الى سنوات طويلة لإعادة الثقة الى المستوطنين ليعودوا الى منازلهم في مستوطنات الشمال والغلاف”.
في غضون ذلك، ثمة محاولات لتفعيل الضغط العربي في مجلس الأمن، لا سيما من الجانب السعودي والمصري والأردني والفلسطيني، من أجل وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الى أهلها، وهذا ما بحثه الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي جو بايدن في إتصال هاتفي، في وقت بدأ فيه المجتمع الدولي يتجاوز ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر، أمام هول المجازر اليومية التي يرتكبها العدو الاسرائيلي، وبالتالي بدأ يبدل من مواقفه، وقد كان لافتا التطور في الموقف الاسترالي حيث أعلن رئيس الحكومة أنتوني ألبانيز أنه سيتم تقديم مبلغ 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية للمدنيين في غزة.
ويترافق هذا الضغط، مع معلومات تشير الى أن ثمة بنك أهداف سري، يتمثل بمفاوضات أميركية إيرانية مباشرة في سلطنة عمان، ومفاوضات أميركية مع حماس في قطر، إضافة الى مساع من روسيا التي تستقبل وفدا من حماس وكل ذلك يهدف الى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الى غزة، مقابل أن تفرج حماس عن المدنيين من الأسرى الذين يبلغ عددهم نحو 46 شخصا، شرط أن تفرج إسرائيل عن النساء المعتقلات من سجونها.
وتقول المعلومات إن هذه المفاوضات لم تصل الى نتائج إيجابية بعد، في ظل تعنت حكومة إسرائيل التي تريد الافراج عن كل الأسرى لدى حماس من دون قيد أوشرط وهذا ما يفسره البعض بتكثيف قصفها على غزة، إلا أن أميركا التي تتجنب الدخول في حرب إقليمية تعلم أن نتائجها لن تكون لمصلحة إسرائيل تسعى الى الدفع نحو تفاهمات قد تفضي الى هدنة ومن ثم وقف إطلاق النار، خصوصا أنها هي من تدير هذه الحرب وتمولها، وطبعا فإن الكلمة الأخيرة فيها ستكون لها مع المراعاة الكاملة لمصلحة الكيان الغاصب.