من يقود فلسطين… بعد حرب غزّة؟
قاوم الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي فرادى وجماعات، فصائل وحركات حتى تجمعوا تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية لعقود، ثم ما لبثوا أن تفرقوا غداة اتفاق أوسلو. اليوم ومع حرب الإبادة التي تشنها اسرائيل في قطاع غزة، وتطال آثارها إخوانهم في الضفة الغربية وداخل اسرائيل وفي الشتات أيضا، فإنهم يواجهون مجددا سؤال القيادة.
ثمة أكثر من جهة تقف على رأس أمر الفلسطينيين الذين يواجهون مرحلة مصيرية كبرى. وعلى مدار نحو 18 عاما، فشلت وساطات عربية وإقليمية، وتبخر حبر اتفاقات كتبت بأدبيات الوحدة والوطن قبل الفرد والجماعة، وعجزت هيبة عواصم العرب عن جمع ولاة الفلسطينيين تحت راية واحدة. كل ذلك واحتلال اسرائيل يغشى الأرض الفلسطينية.
على الرغم من سقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وتدمير المساكن والمباني والطرقات والمستشفيات والكنائس والمساجد، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الجاري، بل منذ 20 عاماً، لم تطفُ على السطح أي مؤشرات تقول باحتمال ظهور قيادة فلسطينية واحدة موحدة، في مواجهة اسرائيل والعالم الذي يقف نصيراً معيناً لها ومعها.
صحيح أن المعاناة والمصائب تقرّب البعيدين والمتخاصمين، لكن يبدو حتى الآن أن الأمر لا يشمل بند القيادة الفلسطينية الواحدة. ربما تنفرج إرهاصات الوضع الحالي عن نتائج مغايرة، بيد أن الأمثلة الحاضرة، والظروف التي صقلت ملامح القضية الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي عمر أوسلو بالتحديد، ظلت تحسم الأمر حتى اندلاع المواجهة الحالية في السابع من أكتوبر.
لماذا عدّل أبو مازن تصريحه؟
سيترك تاريخ السابع من أكتوبر أثره بكل تأكيد، وسيظل السؤال قائما حول ماذا سيفعل ذلك بوضع الفلسطينيين المنقسم، وفي بعض الإجابة عن ذلك ما حصل في تراجع الرئاسة الفلسطينية في رام الله عن تصريح كان أدلى به الرئيس محمود عباس غداة الهجوم الذي نفذته المقاومة في المستوطنات اليهودية في قطاع غزة.
التصريح الذي نقلته الوكالة عن عباس خلال محادثة مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو جاء فيه أن “سياسات حركة حماس وأفعالها لا تمثل الشعب الفلسطيني”، ثم أعادت الوكالة، بعد موجة انتقادات شعبية، صياغة الخبر وقالت إن الرئيس اعتبر خلال المحادثة مع الرئيس الفنزويلي أن “سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني بصفتها ممثّله الشرعي والوحيد”.
لم تغير إعادة النشر شيئاً من واقع حال وضع قيادة الشعب الفلسطيني حاليا. تقف منظمة التحرير، التي باتت السلطة تتحكم في سياستها وتتخذ من رام الله مقرا لها، في جانب، وحركة حماس في جانب آخر. بل إنّ من يحكم قطاع غزّة في حقيقة الأمر، هي القيادة العسكرية لحركة حماس ممثلة في كتائب القسام، وهي تتّخذ من تحت أرض غزّة مقرّاً لها، بينما يقيم قادة المكتب السياسي للحركة، لا سيما رئيسها اسماعيل هنية ومعه خالد مشعل وآخرون في الخارج موزعين على تركيا وقطر وبيروت.
ليس ذلك سوى قدر يسير من الخلاف القائم بين الحركتين، حماس التي تؤمن بالمقاومة المسلحة وتعمل على ذلك، وفتح أو السلطة، التي يقودها عباس وترى في قرارات الشرعية الدولية والتسوية السياسية ومعها المقاومة السلمية سبيلا واحدا وحيدا.
الوحدة: قتل أبو عمّار… واحتلال الضفّة
المثال اليتيم الذي التقت فيه الحركتان، أول مرة وآخر مرة، حدث إبان ما عرف في عام 2000 بانتفاضة الأقصى التي شارك فيها مقاتلون من الجانبين في مقاومة الجيش الإسرائيلي وانتهت بإعادة احتلال المدن الرئيسية في الضفة الغربية ومقتل أكثر من ألفي فلسطيني وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى وفاته مسموماً، وفق ما يؤكد الفلسطينيون، ثم سيطرة حماس على قطاع غزة.
ترفض السلطة الفلسطينية ادانة حماس وتحميلها مسؤولية المواجهة الأخيرة، لكن تبدو حماس التي تتعرض لحملة تشويه دولية تزامناً مع حملة الجيش الإسرائيلي “للتخلّص منها”، أنها باتت أكثر قناعة من أي وقت مضى بالمضي على درب المقاومة المسلحة. وفي غضون ذلك، قالت تقارير غربية إن الولايات المتحدة واسرائيل تسعيان لتشكيل قيادة بديلة تحكم غزة عند انتهاء الحملة العسكرية الحالية.
ينشغل العالم في مهمة ادخال مساعدات إنسانية وعمل ما يمكن من أجل الإفراج عن أسرى إسرائيليين وأجانب تحتجزهم حماس، فيما تواصل إسرائيل دكّها وقصفها للقطاع قبل التجهّز لشنّ حرب برية لا يعرف أحد على وجد التأكيد نتائجها وهل ستفضي بالفعل الى القضاء على حركة حماس في القطاع. ثمة فراغ كبير محتمل في من سيقود قطاع غزة في حال تحققت رغبة اسرائيل وحلفائها.
ينخرط الفلسطينيون بسؤال الحياة والموت مجدّداً، غير قادرين على الخروج بقيادة موحدة، فيما تُسمع أصوات، منها من ينادي بحل الدولة الواحدة على أرض فلسطين التاريخية، وبينها ما ظهر حديثا ويدعو إلى “قيام تشكيل عربي إسلامي جديد في ضوء المستجدات”، كما نشر الناشط في حركة فتح جمال السلقان على صفحته على موقع فيسبوك.
قال السلقان، وهو رئيس مجلس طلبة سابق في جامعة بيرزيت وأسير سابق في سجون إسرائيل، إنّ “الفكرة الملهمة لأي تشكيل فلسطيني/عربي عتيد هي أن نودع السقف القطري لتسمياتنا واستراتيجياتنا، بمعنى أن لا يكون التشكيل حصريا في فلسطين بل يتحول إلى تشكيل عابر للحدود ولا يعترف بسايكس بيكو، ومؤمن أن هذه الأمة أمّة واحدة وأن لا حلّ مصيرياً لها سوى الوحدة”.
أضاف في مقترحه الذي لقي تفاعلا ملحوظاً: “محظور أن نبقى أسرى لطرق عملنا السابقة التي أثبتت فشلها، فلسطنة القضية هي مقتل استراتيجي، ومن المهم بلورة خطاب قومي عربي متوحّد مع العالم الاسلامي، وهذا الأخير فيه مليار مسلم يشكلون ربع البشرية”.