أعرف عدوك

خرائط نتنياهو الاستفزازية للشرق الأوسط تأتي أحلام يقظة وتكريما للمحذوفين منها..

خرائط نتنياهو الاستفزازية للشرق الأوسط تأتي أحلام يقظة وتكريما للمحذوفين منها.. كيف يسكت العرب على هذه الوقاحة؟ ومن يريد التطبيع مع دولة فاشلة على حافة الانهيار؟ ومن هو حتى يضع “فيتو” على الطموحات النووية السعودية؟

عبد الباري عطوان

⁨23 سبتمبر 2023⁩

لو كان هناك عرب “اقحاح” يحترمون أنفسهم وإرثهم التاريخي العربي والإسلامي العريق، لانسحبوا من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة اثناء خطاب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وغادر زعماؤهم ومندوبيهم الذين شاركوا بحضور اجتماعات دورة الجمعية العامة ملوحين بخرائط للشرق الأوسط تحتل فلسطين التاريخية مكانها، وبأحرف كبيرة، كرد على خريطة نتنياهو التي لوح بها بكل غطرسة وغرور، لما سّماه بـ”الشرق الاوسط الجديد”، ولكن عرب “سلام ابراهام” وغير “سلام ابراهام”، لم يفعلوا، ويبدو انهم لن يفعلوا، بل ربما صفق بعضهم لنتنياهو علانية، وبعضهم الآخر حبس التأييد والفرحة في قلبه.

نحن نعيش هذه الأيام أكثر المراحل ردائه في تاريخنا، وبات معظم حكامنا مثل الماء، بلا لون او طعم، او رائحة، ودون الحد الأدنى من الكرامة، وليس لهم أي علاقة بأصلهم، او إرثهم، مجرد خشب مسندّة.

وقاحة نتنياهو في المقابل فاقت كل الحدود، وكان يتحدث، وهو المنبوذ، والمطارد من معظم مستوطنيه، وكأنه الحاكم الفعلي للمنطقة العربية، ومالك قرارها ورسم خرائطها وتقرير مصيرها ومستقبلها، وهو الذي يتنفس كذبا، ولا يستطيع إزالة خيمة في شمال مزارع شبعا اللبنانية، او إرسال دبابة لإقتحام قطاع غزة، او حتى إغتيال عصفور في بيروت، خوفا ورعبا من النتائج التي ستترتب على ذلك.

خريطة الشرق الأوسط الجديد التي لوح بها نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة، ضمت دولا مطبعة مثل مصر والأردن والسودان والامارات والبحرين، وأخرى غير مطبعة، او يقال انها في طريقها نحو التطبيع مثل المملكة العربية السعودية، ونحمد الله انها استثنت دولا مركزية ومشرفة بمواقفها الرافضة لكل أشكال التطبيع مثل العراق وسورية واليمن وسلطنة عُمان ولبنان، وهذا وسام وطني كبير على صدر شعوبها وحكامها.

خرائط نتنياهو “تهريجية” وتعكس طموحات العنصرية الإرهابية، ولا ننسى وقوفه في المكان نفسه في أيلول (سبتمبر) عام 2018، وتلويحه بالقنبلة النووية الإيرانية، وتهديده بتدمير البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، ومثلما انتهت هذه الرسوم الكاريكاتورية المضحكة “النتنياهوية” للقنبلة النووية الإيرانية في صندوق القمامة، ستنتهي خريطته للشرق الأوسط الجديد في قعر المكان نفسه قريبا جدا.

طالما اننا نتحدث عن الخرائط فلا بد من الإشارة في هذه العجالة الى خريطة بتسلئيل سموتريتش تلميذ نتنياهو الفاشي، ووزير المالية في حكومته اليمينية العنصرية، التي طرحها اثناء مشاركته في مؤتمر بباريس “لدولة إسرائيل” شملت الضفة الغربية والأردن، وربما سيجددها في الأيام المقبلة، بإضافة مكة والمدينة، وربما مصر أيضا، وكل ارض وطأها اليهود.

نتنياهو يخطّئ العرب لأنهم كانوا يشترطون تلبية مطالب الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ارضه، ويتباهى بأن التطبيع تم دون الالتفات اليها، وينصح بإسقاط “الفيتو” الفلسطيني عن أي اتفاقات سلام، فمن غير الجائز حسب رأيه “ان يمنع 2 بالمئة من العرب تحقيق 98 بالمئة منهم السلام” مع دولة الاحتلال.

ليس الشعب الفلسطيني الذي يضع “فيتو” على أي اتفاق تطبيعي مع دولة الاحتلال، وليته يفعل، وانما 100 بالمئة من الشعوب العربية الشريفة التي تفرض هذا “الفيتو”، وتعتبر التطبيع خيانة، ومن وقعّوا، او سيوقعون هذه الاتفاقات لا يمثلون شعوبهم، بل يسيئون اليها وإرثها الحضاري الإسلامي العريق، وما حصل من رفض وإحتقار ونبذ عفوي للإسرائيليين، من قبل الشعوب العربية على هامش مباريات نهائيات كأس العالم في قطر، واستطلاعات رأي اجراها معهد الشرق الأدنى الأمريكي الداعم لإسرائيل حول التطبيع في البحرين والامارات، تكشف عن إنخفاض التأييد الى أكثر من النصف في غضون عام فقط، وهذه بعض الأدلة في هذا الصدد.

نتنياهو الذي يريد إسقاط “الفيتو” الفلسطيني، الغير موجود للأسف، يبيح لنفسه استخدام “فيتو” إسرائيلي بمنع المملكة العربية السعودية من إمتلاك برنامج نووي سلمي، وفي الخطاب نفسه، الا اذا كان تحت إشراف إسرائيلي مثلما قال في أحاديثه الصحافية الأخيرة، وقوله “ان لا حاجة للسعودية للتزود بأنظمة نووية كشرط للتطبيع مع حكومته”، ويتناسى ان كيانه يملك 200 رأس نووي، ولا يسمح لخبراء الوكالة العالمية للطاقة الذرية من مجرد الاقتراب من مفاعل ديمونا الذي أنتجها، فمن هو حتى يقرر ويفرض شروطه على السعودية الدولة رقم 17 كأقوى واسرع اقتصاد نموا في العالم.

نتمنى، ونصلي، ان لا تطبع المملكة العربية السعودية مع دولة الاحتلال، وتقدم لها هذه الجائزة الكبرى، وترضخ للشروط الامريكية والإسرائيلية، لأنها أكبر وأقوى من دولة الاحتلال التي تقترب من نهايتها بسرعة قياسية، وتشهد حاليا تهديدا وجوديا لبقائها بفعل المقاومة الفلسطينية المتصاعدة، والالتفاف الشعبي العربي حولها.

التطبيع، ومع دولة فاشلة، فاشية، تحتل أراضي عربية وفلسطينية، وتقترب من نهايتها، ويريد الغرب التخلص من عبئها الثقيل والمنفر، لا يخدم المملكة ولا يشرفها، وربما قد يشكل خطرا على أمنها واستقرارها، ونسف مكانتها القوية في العالمين العربي والإسلامي، وهي المكانة التي تعززت في الأعوام القليلة الماضية، وبات أكثر من ملياري عربي ومسلم يرون في قيادتها الأمل الأكبر في إستعادة هذه الامة لكرامتها، خاصة في ظل تراجع هذه الزعامة والهيمنة الامريكية والغربية، وقرب هزيمتها الحتمية في الحرب الأوكرانية، لمصلحة عالم جديد متعدد الأقطاب بزعامة المحور الصيني الروسي.

دولة الاحتلال محاطة بغابة من الصواريخ والمسيّرات، وتفتقد الى الأمن والاستقرار داخليا وخارجيا، وبات اكبر قادتها ومفكريها لا يتوقعون ان تكمل عامها الثمانين، فلماذا يلقي بعض العرب طوق النجاة، ويحجون اليها؟

في الماضي كان العرب وغيرهم يذهبون الى تل ابيب اعتقادا منهم انها البوابة الاوسع للوصول الى قلب واشنطن ورضاها واموالها، الآن ما يحدث هو العكس، ورأينا بايدن يذهب زاحفا على بطنه الى الرياض مستجديا سماحها، وهو الذي توعد بعزلها، ونبذ قيادتها، ولعل أحوال الدول العربية المطبعة المزرية التي وضعت كل بيضها في السلة الصهيونية الامريكية درسا يجب الاستفادة منه، فمتى يصحو العرب ويعودون الى رشدهم؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى