نشرت “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” مقالاً تحت عنوان: “هل باتت إسرائيل رهينة دفاع الولايات المتحدة الأميركية عنها؟”، وجاء فيه:
لم يسبق للولايات المتحدة الأميركية أن انخرطت مباشرة في حرب خاضتها
إسرائيل في الماضي، كما هي تفعل هذه الأيام في الحرب التي تخوضها
إسرائيل ضد قطاع غزة. ففي حرب تشرين الأول 1973 على سبيل المثال، اكتفت الولايات المتحدة الأميركية بإقامة جسر جوي لإمداد
إسرائيل بالأسلحة عندما كانت هذه الأخيرة تواجه، في المرحلة الأولى من تلك الحرب، أوضاعاً صعبة في مواجهة الجيشين المصري والسوري؛ وفي سنة 1991، تمّ النظر إلى قيام الولايات المتحدة الأميركية بإرسال بطاريات “باتريوت” للدفاع عن
إسرائيل ضد الهجمات بصواريخ “سكود” العراقية، بصفته استثناءً نادراً.
التشكيك في جدوى حلف دفاعي مع الولايات المتحدة
منذ عهد دافيد بن غوريون، تبنت إسرائيل عقيدة عسكرية كان أحد أسسها هو الالتزام بالاعتماد على قدراتها الذاتية في الدفاع عن نفسها. وانطلاقاً من هذه العقيدة، امتنعت إسرائيل دوماً عن إقامة أحلاف او معاهدات عسكرية حتى مع أقرب حلفائها وهي الولايات المتحدة الأميركية. فقبل سنوات، وفي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب طُرحت فكرة إقامة حلف دفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة، ثم برزت هذه الفكرة من جديد لدى الحديث عن إقامة حلف دفاعي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة كأحد ثلاثة شروط تطرحها القيادة السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل؛ لكن هذا الحلف لم يرَ النور جراء المعارضة التي برزت إزاءه.
من الصحيح أن الأوساط الحاكمة في إسرائيل بقيت على قناعة بأن أحد عناصر قوة إسرائيل الرئيسية هو التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن التشكيك في هذا التحالف قد يهدد “جوهر وجود” إسرائيل “كدولة مستقلة وذات سيادة في العالم العنيف الذي نعيش فيه”، كما كتب المحلل يورام دوري، في 16 تمو 2023 في صحيفة “معاريف”، مقدّراً أن “المواجهة مع الولايات المتحدة ليست حماقة فحسب، بل تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل“؛ ولكن، وعلى الرغم من هذه القناعة، فإن تلك الأوساط ظلت تتحفظ، عموماً، على رهن السياستين الخارجية والدفاعية الإسرائيليتين للسياسات الأميركية من خلال إقامة حلف عسكري بين الدولتين.
في الثاني عشر من شهر حزيران 2023، نشر المحلل الإسرائيلي عومر دوستري، في صحيفة “مكور ريشون”، مقالاً بعنوان: “ممنوع الاعتماد على الأميركيين: على إسرائيل الاستعداد لمهاجمة إيران لوحدها”، وافترض فيه أن إدارة الرئيس جو بايدن “ستمتنع من القيام بخطوات معينة ضد إيران، وستحاول إحباط كل هجوم إسرائيلي ضد إيران، حتى أنه يمكن الافتراض أن بايدن يريد الوصول إلى فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني 2024، وهو يملك إنجازاً سياسياً في مجال العلاقات الخارجية، على شكل اتفاق مع إيران“.
وخلُص الكاتب انطلاقاً من هذا الافتراض، إلى أن على
إسرائيل “أن تحضّر نفسها لإمكانية العمل وحيدة حيال كل ما يخص التعامل مع السلاح النووي الإيراني؛ وأكثر من ذلك، عليها أن تكون جاهزة في حال رفضت إدارة بايدن منح الشرعية لضربة إسرائيلية، ومنعت أيضاً المساعدة الأميركية في المجال العسكري الاستراتيجي (التزويد بسلاح، ورفض بيع أسلحة مخصصة للهجوم)، وفي المجال العسكري العملياتي (تعاون استخباراتي)، والسياسي (إقناع دول المنطقة بالتعاون مع
إسرائيل)، وفي المجال الدبلوماسي (عدم استعمال الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعدم وجود دعم أمام المجتمع الدولي)”.
وفي الأول من شهر تشرين الأول الجاري، أي قبل أيام قليلة من عملية “طوفان الأقصى”، نشر المحلل
يتسحاق كلاين، من “القناة 7 عروتس شيفع”، مقالاً بعنوان: “يجب القول: لا لحلف دفاعي إسرائيلي-أميركي”، أشار فيه إلى أنه “في إطار المفاوضات الثلاثية بين
إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة، حيث أحد المطالب السعودية هو حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، طُرحت أيضاً فكرة بناء حلف دفاعي بين
إسرائيل والولايات المتحدة”، داعياً إلى رفض هذه الفكرة، ذلك إن “حلفاً بين
إسرائيل والولايات المتحدة سيُلحق الضرر بأمن الدولتين، وبصورة خاصة بأمن
إسرائيل“، لأنه سيعني أن هذه الأخيرة لن يكون “لديها رصيد مفتوح للقيام بكل ما تراه مناسباً للدفاع عن أمنها، بل ستضمن الولايات المتحدة الدفاع عنها من العواقب السيئة”، ولن تكون
إسرائيل قادرة على القيام “بأي عمل تعتقد الولايات المتحدة أنه غير ضروري، ومبالَغ فيه”.
ومن ناحية أخرى، فإن مثل هذا الحلف يمكن “أن يدفع الولايات المتحدة إلى التشكيك في مطالب
إسرائيل بالحصول على سلاح متطور (على حساب دافع الضرائب الأميركي)”، وذلك من منطلق أن
إسرائيل لن تكون في حاجة إلى هذا السلاح المتطور ما دامت الولايات المتحدة هي التي “تضمن أمنها”.
وخلص المحلل نفسه إلى القول إن وجود مصالح مشتركة بين هاتين الدولتين لا يعني، بالضرورة، أن “كل مصالح الدولتين هي نفسها”، مؤكداً أن الضمان الأهم لأمن
إسرائيل هو “استقلالية اتخاذ القرار لما يجب أن تقوم به للدفاع عن نفسها والعمل استناداً إلى ذلك”، وأن على
إسرائيل “أن تتذكر سنة 1975، ذلك إنه في تلك السنة، تخلت الولايات المتحدة عن حليفة لها، فيتنام الجنوبية، وقبلت بسقوطها في يد الأعداء؛ وفي العام نفسه أيضاً، حذّرت رئيسة الحكومة غولدا مئير شعبها من الاعتماد على الوعود الأميركية، وهو تحذير صالح اليوم أيضاً”.
الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في المنطقة
ومنذ الثامن من هذا الشهر، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل تعزيزات لـ “القبة الحديدية” المضاد للصواريخ، وسفينة مليئة بالذخائر وعدداً من مستشاريها العسكريين. كذلك، زادت واشنطن أعداد جنودها المرابطين في قواعدها المنتشرة في عدد من دول المنطقة، وأرسلت أحدث أنظمة دفاعها المضادة للصواريخ وحرّكت حاملتَي طائرات وعدة مدمرات وبوارج من أسطولها البحري نحو البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بل ذهب بها الأمر إلى حد مشاركة الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته انطوني بلينكن شخصياً، خلال زيارتيهما إلى إسرائيل، في اجتماعات “المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الحرب”.
وبينما طلب الرئيس الأميركي من الكونغرس الموافقة على تمويل بقيمة 14 مليار دولار لصندوق حرب
إسرائيل، أعلن وزير دفاعه لويد اوستن، في 21 الشهر الجاري، أن “هذه الإجراءات ستعزز جهود الردع الإقليمي وتزيد حماية القوات الأميركية في المنطقة وتساعد في الدفاع عن
إسرائيل“.
وكانت مدمرة أميركية في البحر الأحمر قد أسقطت، في 19 الشهر الجاري، ثلاثة صواريخ وعدداً من المسيّرات التي أطلقها الحوثيون من اليمن، من المحتمل أنها كانت موجهة نحو أهداف في
إسرائيل. كذلك، ردت الطائرات الأميركية، في 26 من هذا الشهر، على قصف طال القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا بمهاجمة “منشأتين متمركزتين في شرق سوريا يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة له”، بحسب بيان صادر عن البنتاغون، ورد فيه أن هذه الهجمات جاءت بعد “تحذير” أرسله الرئيس الأميركي
جو بايدن إلى القيادة الإيرانية من أن “أي هجوم يستهدف القوات الأميركية ويهدد بإثارة توسيع الحرب المستمرة بين
إسرائيل وحماس من شأنه أن يدفع إلى رد عسكري فوري” من جانب القوات الأميركية.
(مؤسسة الدراسات الفلسطينية)