في عقل نتانياهو: الحزب والعرب… شركائي!
جان عزيز -أساس ميديا |
ليس تمريناً ذهنيّاً تلك الوثيقة المسرّبة من 10 صفحات، والتي أعدّتها وزارة استخبارات الكيان، عن كيفية ترحيل الغزّيّين إلى سيناء.
الوثيقة مؤرّخة في 13 تشرين الأول، أي بعد 6 أيام على الهجوم.
لكنّ القرار لا شكّ أنّ نتانياهو اتّخذه فوراً. بعد ظهر ذاك السبت. أو حتى قبله. أو صباحه.
كيف فكّر وحلّل وخطّط وقرّر؟
هذه قراءة ملامسة لما حصل وللواقع والوقائع بشكل كبير… جدّاً.
********************************
قد يكون اختلى بنفسه لحظات. جوجل في رأسه أرقام الخسائر الحقيقية. لا تلك التي سيعلنها للإعلام الآن. ثمّ يكشفها مقسّطة على مدى أيام. فرقة كاملة من الجيش أُبيدت. هي فرقة الغلاف. بين قتيل وجريح ومفقود. ما بعد هذا لا كما قبله. بكلّ المقاييس.
تذكّر سريعاً أنّ مناحيم بيغن الذي لُقّب بملك اليهود، سقط بتحقيق إسرائيل عن حرب لبنان سنة 1982. بيريز سقط بعناقيد غضبه. أولمرت سقط بتحقيق ما بعد 2006 حتى صار سجيناً. بعد كلّ معركة تقدّم إسرائيل ضحيّة بمقصلة لجنة تحقيق. هذه معركة أقسى من كلّ ما سبق. أيّ ضحيّة تكفي؟ أيّ مصير لي إذا لم أجد الردّ والحلّ المناسبين فوراً؟
لحظات واتّخذ نتانياهو القرار: ترحيل مليونَي غزّيّ. أو قتل معظمهم. قُضي الأمر. فلنبدأ التنفيذ.
حين استدعى معاونيه لإبلاغهم أمر العمليات، ارتسمت المفاجأة والصدمة على وجوههم. ربّما سأله أحدهم: وماذا سيقول العالم؟ وماذا سيفعل حيال أمر كهذا؟
يعرف نتانياهو جيّداً المقولة المنسوبة إلى هتلر، يوم قيل أنّه قرّر إبادة اليهود. سئل السؤال نفسه. وقيل أنّه أجاب سائليه: وهل يذكر العالم إبادة الأرمن قبل ربع قرن فقط؟ ماذا قال؟ ماذا فعل؟
طبعاً لم يستشهد نتانياهو بمقولة هتلريّة. فالمقارنة مقيتة ومُدينة له. لكنّه تذكّر المماثلة نفسها. ولم يكن يحتاج للعودة إلى هتلر ولا إلى قرن مضى. عاد أسابيع قليلة فقط.
أجاب معاونيه على الأرجح: وماذا قال العالم أو فعل، أو هل من يذكر بعد، أنّنا قبل 3 أسابيع فقط، ساعدنا نحن مباشرة، على اقتلاع 120 ألف إنسان من أرتساخ؟ والعالم كلّه نسي الأمر في أقلّ من شهر.
أكثر من 4 آلاف أرمني قُتلوا. من فتح فمه؟ من عرف أصلاً.
صحيح أنّ الأذريّين هم من نفّذ المذبحة والترانفسير. لكن بوسائلنا وأسلحتنا وعتادنا. فماذا قال العالم، كلّ العالم العربي أو الإسلامي أو الغربي والدولي؟ ولا كلمة.
حتى إنّ مسؤولي باكو جاؤوا إلينا رسمياً لشكرنا بعد الحرب. وباتت مفضوحة ومعلنة المعطيات حول ذهاب الموساد إلى أذربيجان ونقل المعدّات والتخطيط للمعركة والترانسفير… وكلّ التفاصيل.
واقتلعنا شعباً كاملاً من أرضه. عمره هناك آلاف السنين.
هل سمع أحدكم بالأمر؟
الغزّيّون كأرمن أرتساخ
الأهضم، ربّما تابع نتانياهو تفكيره بصوت عالٍ، أنّ إردوغان الذي قد يزايد ضدّنا الآن في غزّة، كان شريكنا في ترانسفير أرتساخ. قبل 3 أسابيع فقط.
ثمّ حرام، قرأت في بعض تقارير استخباراتنا، أنّ البعض في بيروت حاول عقد لقاء تضامن مع الذين اقتلعناهم. مجرّد لقاء تضامن في قاعة صغيرة في فندق. فلم يجدوا ممثّلاً واحداً للقوى السياسية المسلمة ليشارك معهم.
مع أنّ أرمن يريفان حلفاء طهران. فيما باكو وسلطات أذربيجان أعداؤها. ومع ذلك سكتوا. ولم ينطقوا بكلمة…
فلا تقلقوا. لن يكون الغزّيّون مختلفين عن أرمن أرتساخ.
أكثر من ذلك، أردف نتانياهو على الأرجح، ماذا سيفعلون؟ سيعلنون حرباً ضدّنا من لبنان؟
مستحيل.
فهم قبل سنة. سنة واحدة بالتمام، أعطونا من بحرهم مساحة توازي 4 أضعاف غزّة. أو 40 ضعف مزارع شبعا.
صحيح أنّها مساحة مائية لا بشر فيها. لكنّ فيها ثروة تقدَّر بالمليارات. قدّموها لنا مجّاناً واحتفلوا بذلك.
حتى إنّنا قبل أسابيع قليلة سجّلنا الأمر اتفاقية دولية حدودية وتجارية بين دولتَيْنا. نعم بين إسرائيل ولبنان، في الأمم المتحدة. وسكتوا كلّهم. حكّام بيروت والحزب وقيادته لم ينبسوا بحرف.
أكثر من ذلك أقول لكم، ما زال ممثلنا الذي أنجز الصفقة يومها على اتصال يوميّ مع طرفهم. والبيزنس شغّال.
فكيف يشنّون حرباً ضدّنا؟
من يبقى؟ طهران؟ همّها الآن في ملياراتها الأميركية المودعة في الدوحة وفي ما هو مأمول بعدها…
الدوحة نفسها هي من تستضيف قيادة حماس، بطلب مباشر من واشنطن، كما كتب سفيرها خطّياً. وطبعاً لم تجرؤ واشنطن على تكذيبه. لأنّ هذه هي الحقيقة.
ثمّ من سيعترض من العرب؟
مصر؟ مشكلتها مع حماس وأنفاق حماس ونفاق حماس، منذ “تخابرها” مع نظام محمد مرسي الإخواني حتى خلايا الإرهاب في سيناء، موازية لمشكلتنا معها. ثمّ قرأت في مكان ما أنّ القاهرة على موعد مع فعّاليات مهرجان الجاز هذا الشهر. برنامج حافل يستمرّ أسابيع وأسماء لامعة من 14 دولة. هذا مؤشّر إلى أنّ المصريين مع ثقافة الحياة لا الموت.
السعودية؟ موقفها واضح. فهي مع حلّ الدولتين. الذي ترفضه حماس. وهي أيضاً على موعد مع موسم الرياض. ومنطقها حيال ذلك واضح أيضاً. تقول إنّه يوم قصفت أذرع إيران آرامكو، وهدّدت عصب حياة المملكة الاقتصادية، لم توقف سباق فورمولا وان. لأنّها تعتبر أنّ استمرار الحياة شكل من أشكال المقاومة أيضاً…
نتانياهو يهنّئ الأسد
من بقي؟ سوريا؟ تقديري أنّه لن تخرج فيها حتى تظاهرة واحدة. وستكون مثالاً في الصمود والتصدّي للغوغائيين والشعبويّين.
لا أتحدّث عن هدوء الجولان. بل عن دمشق نفسها. حتى إذا فكّر بعض الإيرانيين، وقد يفعلون، بالطلب من سوريا السماح بنقل بعض ميليشياتهم، من عندها أو من العراق، صوب لبنان. لمجرّد تسجيل موقف أو ضمن خطوات استعراضية. صدّقوني سيكون الجواب صارماً بالرفض. ممنوع!
وذكّروني بعد انتهائنا من عمليّتنا أن نشكرها على ذلك. إلا إذا خيّبت ظنوننا!
أمّا أميركا والغرب فسيكونان معنا بشكل أعمى. وأقول لكم بشكل أعمى حرفيّاً. لن يروا شيئاً. ولن يسألونا عن شيء. بايدن يحضّر لانتخاباته. وأوروبا حبلى بالإسلاموفوبيا. وما فعلته حماس اليوم، كافٍ لتغطية أيّ شيء نفعله بنظر الغرب.
انتهت اللائحة؟ آه. ثمّة تفصيل صغير. طبعاً سنواجه حملة عنيفة على صفحات العالم الافتراضي. بضع قفشات على السوشيل ميديا وبعض الإنفلونسرز اللاهثين في سباق اللايكات والمداخيل الرقمية، وهم كلّهم مهدورٌ دمهم أصلاً من حماس وأخواتها… اعتبروا ذلك من قبيل التسلية في المعركة.
الخلاصة: لا تخافوا. كلّ شيء مضبوط ومضمون.
فلنبدأ التنفيذ فوراً…
بعد يوم. بعد يومين. بعد شهر. لم يتحقّق شيء من خلاصات نتانياهو.
مع أنّه لم يكن مخطئاً في الوقائع. لكنّه غفل عن أمر واحد. أنّ هذه فلسطين.
حيث لا حساب ولا من يحسبون.
هذه فلسطين، حيث منذ ألفَي عام، يقتل طاغية أطفالها، ليقتل الطريق والحقّ والحياة. ويفشل.
هذه فلسطين، أرض خيانة وشكّ وخوف وهرب ربّما. لكنّها حتماً أرض عذاب وصلب وموت وقيامة.
هذا ما أخطأ به نتانياهو. وهذا ما لن يفهمه أبداً.