استنجاد إسرائيل بداعش… بحثا عن أوهام وجهلا بالحقائق

شفقنا-منذ بداية العملية في 7 أكتوبر، بُذلت جهود كبيرة لتقديم قوات المقاومة الفلسطينية كأشخاص عديمي الرحمة وعنيفين على غرار داعش في الفضاء الإلكتروني والإعلامي. كما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “حماس هي داعش”. وهو ادعاء لا أساس له من الصحة، كرره مسؤولون إسرائيليون ومسؤولون غربيون آخرون، دون تقديم صورة أو وثيقة لهذه الادعاءات.
وفي ضوء هذه القضية يمكن بيان النقاط التالية:
أولا؛ وفقا للأدلة المتوفرة، فإن عددا قليلا من الفلسطينيين يتعاطفون مع فكرة خلافة داعش، التي لا علاقة لها بالمقاومة الفلسطينية. ومن الناحية الأيديولوجية والعملية، فإن داعش لم ولن ترغب في تركيز جهودها على محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين.
ثانيا؛ لم يعط تنظيم داعش أبدا الأولوية للقتال ضد إسرائيل. ومنذ أبو مصعب الزرقاوي، الذي شكلت أفكاره حجر الزاوية في تنظيم داعش الحالي، وحتى اليوم، كانت خطة عمل داعش تتمثل في التقليل من التركيز على القضية الفلسطينية.
مزاعم الزرقاوي
وقد ادعى الزرقاوي مرارا وتكرارا أن تحرير فلسطين سيتم بعد النصر في العراق واستسلام الشيعة. أي أولا، مهاجمة الشيعة وغيرهم من “المرتدين” الذين يتعاونون مع المسيحيين واليهود، ثم الانتقال إلى المرحلة التالية من الجهاد، وهي معركة فلسطين وغيرها من الأراضي الإسلامية المفتوحة.
وكانت لأبي عمر البغدادي وجهة نظر مماثلة للزرقاوي فيما يتعلق بفلسطين. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر إنشاء دولة إسلامية شرطا أساسيا لفتح القدس. فبينما أدان حماس لمشاركتها في العملية الديمقراطية وتحالفها مع النظام “المرتد” في سوريا، رأى أن الجماعات التي تقاتل هناك منحرفة عقائديا، وشجع السلفيين الجهاديين على الانفصال عنها.
ولم يكن لفلسطين مكانة كبيرة في نظر قادة داعش اللاحقين مثل أبو بكر البغدادي وغيره، وتم ذكر فلسطين والقدس في قائمة الأماكن التي ستحتلها الدولة الإسلامية في نهاية المطاف إلى جانب الأندلس وروما.
كما عكست وسائل إعلام داعش الرسمية، بما فيها النبأ بعد إعلان الخلافة الداعشية، آراء الزرقاوي وخلفائه، لافتة إلى أن “جنود الخلافة لم يبالغوا في قضية فلسطين ولم يستثنوها عن باقي قضايا المسلمين، ولم يفرقوا بين دماء اخوتهم المسلمين في فلسطين ودماء الاخوة المسلمين الآخرين في الأراضي الاخرى”. ويزعم هؤلاء الارهابيون بان قضية فلسطين تم المبالغة فيها على يد اللاعبين السياسيين وطرحت كونها القضية الأولى للمسلمين.
طريق القدس ومكة والأندلس واحد
وبحسب داعش فإن “طريق القدس ومكة والأندلس واحد” وهذا الطريق هو الجهاد وليس “المقاومة” بقيادة إيران ممثلة بحماس والجماعات المماثلة.
ومن خلال طرحها أن الجهاد في فلسطين لن يكون مشروعا إلا إذا كان في خدمة نشر التوحيد والقضاء على الشرك، فإن داعش تقدم حماس على أنها حركة “مرتدة” متهمة بـ “شرك الديمقراطية” وغير قادرة على تطبيق الشريعة الإسلامية، ويدعي أنه إذا أخذت حماس مكان اليهود كحكام لفلسطين، فهذا يعني ببساطة استبدال طاغية بطاغية آخر.
ثالثا؛ وبناء على ما سبق، فإن حماس ظلت منذ فترة طويلة موضع جدل بين السلفيين التكفيريين؛ خاصة أنها شاركت عام 2006 في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وفازت بها، وشكلت لاحقا حكومة وحدة وطنية في الضفة الغربية إلى جانب حركة فتح.
وتعود قضايا الخلاف إلى جذور حماس في جماعة الإخوان المسلمين، ومشاركتها في الانتخابات وقبولها بالديمقراطية التي تعتبر شركا في نظر داعش، وعدم تشكيل حكومة وفق الشريعة الإسلامية في غزة، والتحالف مع إيران الشيعية كلها قضايا مرفوضة لدى الجماعات التكفيرية مثل داعش.
ووفقا لتنظيم الدولة الإسلامية فإن أعمال حماس ضد إسرائيل لا ينبغي اعتبارها جهادا لأنها تخدم مصالح الإيرانيين و”الفرق بين الجهاد والمقاومة هو نفس الفرق بين الحق والباطل”.
داعش تسخر من فكرة أن حماس يمكن أن تجعل فلسطين تنتصر، وتطلب من الفلسطينيين ألا ينخدعوا بصواريخ حماس التي تطلق باتجاه إسرائيل.
رابعا؛ داعش هي منظمة عابرة للحدود الوطنية وعالمية تتكون من مقاتلين من جميع أنحاء العالم يبايعون الخليفة الذي نصب نفسه، في حين أن حماس هي جماعة فلسطينية تتكون من الفلسطينيين فقط وتقتصر على حدود فلسطين، والعلاقة بين الشعب وقيادة حماس لا تقوم على الولاء، بل تعتمد على الانتخابات.
القومية
خامسا؛ تعتبر داعش أن القومية تتعارض مع التوحيد والشريعة، وترفض الحدود الوطنية المفروضة على أساس اتفاقية سايكس بيكو وتقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر وتعتبر أساس التقسيم هو الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بتفسيرها الخاص للإسلام. بينما تحاول حماس منذ تأسيسها تحرير فلسطين من الاحتلال في إطار الحدود الإقليمية المعترف بها وسعيا للتوفيق بين القومية والإسلام وتعزيز القومية الفلسطينية في إطار الإسلام.
سادسا؛ داعش لا تكفر الشيعة فحسب، بل أيضا جماعات مثل الإخوان المسلمين وفروع الإخوان في بلدان مختلفة، بما في ذلك حماس في فلسطين والمسلمين الذين لا يقبلون تفسير داعش ونهجها الأيديولوجي، وتعتبر الشيعة والإخوان المسلمين حلفاء يسعون إلى تدمير الإسلام وترفض التفرقة بين اليهود والشيعة.
سابعا؛ تعتقد داعش، مثل غيرها من السلفيين التكفيريين، أن القوة الشرعية فقط هي التي يمكنها قيادة الجهاد. ويعطي تنظيم داعش الأولوية لتطهير المجتمع الإسلامي مقارنة بمجالات الحرب والجهاد الأخرى، مثل القتال ضد الدول غير الإسلامية.
على سبيل المثال، بما أن داعش أعطت الأولوية للنضال والجهاد ضد “العدو القريب” أي الشيعة على القتال ضد “العدو البعيد” مثل الولايات المتحدة، فإنها تعتبر حماس، وهي جماعة سنية وغير تكفيرية؛ مرتدين وليس لديهم سلطة شرعية لقيادة الجهاد، وتعتبر القتال ضد حماس الخطوة الأولى قبل مواجهة إسرائيل.
ثامنا؛ وعلى عكس حماس التي تقبل الانتخابات كوسيلة ديمقراطية للمشاركة السياسية، فإن داعش تعتبر الانتخابات والديمقراطية اختراعات بشرية تتعارض مع السيادة الإلهية، كما أن المسلمين الذين يستخدمون الأساليب الديمقراطية مثل الانتخابات للوصول إلى السلطة يتهمون بالخيانة والكفر بالتوحيد.
تاسعا؛ بالنسبة للكثيرين، فإن الهدف الرئيس لداعش هو أن تكون للمسلمين السنة على غرار ما تمثله إسرائيل لليهود؛ حكومة تقوم على أيديولوجية متطرفة في أرض قديمة، تم استعادتها في العصر الجديد بالقتل والضغط والترهيب. حكومة يجتمع مواطنوها من كل أنحاء العالم حول فكر متطرف وفي أرض مقدسة ولا يتوقفون عند أي جريمة لحماية هذه الأرض. حكومة دينية تدعي أنها تحمي/تدعم شعبها في أي مكان في العالم وتتلقى بدورها المساعدة منهم عن طريق الاتصال عند الحاجة.
عاشرا؛ في غياب الأدلة الموثقة وتفنيد ادعاءات السلطات ووسائل الإعلام الإسرائيلية حول أعمال حماس مثل قطع الرؤوس وحرق الجثث والاغتصاب… وبالنظر إلى كثرة مقاطع الفيديو والصور للجرائم الإسرائيلية في غزة، فانه من الملفت للنظر حديث الناجين عن تصرفات قوات الاحتلال في قتل المستوطنين، وأقوال الأسرى المحررين حول السلوك الإنساني لحركة حماس تجاه الأسرى. بالإضافة إلى ذلك، في الصورة الأكبر لتاريخ جرائم إسرائيل في فلسطين الممتد لـ 75 عاما، هل هناك شك في أن “إسرائيل هي الرواية الصهيونية لداعش”؟
ومنذ قيامها، كانت استراتيجية إسرائيل هي تضييق المساحة المعيشية للشعب، والضغط من أجل إخلاء الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين وتسليمها لليهود والمستوطنين. على غرار السياسة المتبعة في غزة منذ 7 أكتوبر.
ان التطهير العرقي لغزة من خلال قصف المستشفيات والمنازل والمدارس ومراكز التسوق والجامعات والمساجد والكنائس، والتي تعتبر ملاجئ ويحتاجها الناس العاديون، وذلك بهدف خلق ظروف لا تطاق للشعب لإجبارهم على مغادرة وطنهم والهجرة الجماعية وهي على غرار ما حدث في عامي 1948 و1967 والتي تمت بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين واحتلال فلسطين خطوة بخطوة، وهي مازالت اليوم مستمرة. والغرض الآخر من المذبحة في غزة هو محاولة تحريض الناس على الثورة.
ان إسرائيل، التي لا تملك القدرة على الانتصار على الناس العاديين في الظروف الطبيعية، مثل أي منظمة إرهابية، لجأت إلى قتل الناس لإجبارهم على المواجهة والوقوف ضد الحكومة المنتخبة، وبالتالي فتح جبهة جديدة لتقدمها.
المصدر: صحيفة اطلاعات
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-04 15:51:42
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي