الديمقراطية الآسيوية ضد الاستبداد الشيوعي… مواجهة بين الصين واليابان

شفقنا-بعد عقدين من الاضطرابات الاقتصادية، يبدو أن اليابان استعادت قوتها الاقتصادية. وبينما تقوم الصين بتعزيز عسكري طموح لمواجهة التهديد المتنامي الذي تفرضه طموحاتها الجيوسياسية، فإنها تسعى إلى ترسيخ مكانتها كزعيم بين الديمقراطيات الآسيوية.
وتقام مراسم منح جائزة مرموقة، التي ترعاها العائلة الإمبراطورية اليابانية، سنويا للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس جمعية الفنون اليابانية في منتصف فترة ميجي. ومنذ إنشائها عام 1988، تم تشبيه الجائزة بجائزة نوبل في التخصصات الفنية مثل الرسم والنحت والسينما.
في هذا الوقت من العام، تقدم المنطقة مشهدا مذهلا آخر، حيث أن المنحدرات الموجودة أسفل القمة مغطاة بحقول من عشب البمبة الذي يتمايل ويحدث حفيفا في مهب الريح. وهي من أشهر مناطق الجذب السياحي في اليابان.
أثناء زيارة الزائرين، كان حفيف العشب يتقطع أحيانا بسبب أصداء إطلاق النار، لكن ما سمعه البعض هو نيران المدفعية والدبابات من مركز تدريب قريب لقوات الدفاع الذاتي اليابانية.
وتحت قيادة الراحل شينزو آبي، بدأت اليابان في الابتعاد عن سلمية ما بعد الحرب وتبني إعادة تسليح المؤسسة العسكرية. وقد تسارع هذا التحول في الاتجاه في عهد خلفاء آبي، يوشيهيدي سوجا، ورئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا، الذين كشفوا عن خطة لمضاعفة الإنفاق الدفاعي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعلى مر السنين، قدمت هذه الدولة نفسها كحليف رئيسي للديمقراطيات الليبرالية في العالم.
وعلى حد تعبير رئيس الوزراء الياباني آنذاك ياسوهيرو ناكاسوني في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، التي اعتبرت اليابان نفسها “حاملة طائرات غير قابلة للغرق”؛ ملتزمة بدعم الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية ضد التهديد السوفييتي. انه لدور مهم في الحفاظ على الاستقرار في المحيطين الهندي والهادئ والدفاع عن النظام الدولي بعد الحرب. وبسبب انزعاجها من الطموحات الجيوسياسية المتنامية للصين، وخاصة تجاه تايوان، سعت اليابان إلى تعميق علاقاتها الدفاعية مع ديمقراطيات أخرى في المنطقة، مثل الهند وأستراليا ونيوزيلندا.
ومع اضطلاع اليابان بدور أكثر استراتيجية في المنطقة، فقد بدأت أخيرا في الخروج من عقدين من الضعف الاقتصادي. فقد أدى انهيار فقاعة الأصول اليابانية في أوائل التسعينيات إلى ربع قرن من الركود والانكماش، الأمر الذي دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن البلاد فقدت سحرها. لكن أبينوميكس، أو حزمة الإصلاحات التي دافع عنها آبي، جنبا إلى جنب مع السياسات الحذرة التي انتهجها رئيس بنك اليابان السابق هاروهيكو كورودا، أدت إلى تحسين القدرة التنافسية، وفتحت أسواقا جديدة للسلع اليابانية وأعادت الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
والأمر الأكثر أهمية هو أن المرونة التي تتمتع بها اليابان تعكس اعتقادا أساسيا بأن الحكومة كونت لخدمة مواطنيها، وليس العكس. وهذا من شأنه أن يمكن البلاد من تنفيذ الإصلاحات الرئيسية واستعادة الثقة، حتى في ظل ظروف تتصارع التحدي الديموغرافي الكبير المتمثل في شيخوخة السكان وتقلص القوى العاملة.
سياسة “الإصلاح والانفتاح”
قد تكون ملفتا ان نعرف أن الحزب الشيوعي الصيني، من ناحية أخرى، ناضل من أجل تنفيذ الإصلاحات الأساسية اللازمة لعكس اتجاه الركود الاقتصادي المستمر في البلاد واستعادة النمو السريع الذي كان يعتبر أمرا بديهيا ولكن بعد دنغ عندما شياو بينغ عندما تولى السلطة في عام 1978 وأطلق سياسة “الإصلاح والانفتاح” في الصين، بدا الأمر وكأن الحزب الشيوعي الصيني قادر على تحقيق هذا الزواج غير المستقر.
ومع النمو الاقتصادي السريع، ومع تضاعف الناتج المحلي الإجمالي كل عقد تقريبا، أظهرت السياسة الصينية علامات التحرر. وواجهت بيروقراطية الحزب الاشراف العام، وازدهرت المناقشات الفكرية في الجامعات ومراكز الفكر، وعبرت منظمات المجتمع المدني عن آراء انحرفت عن خط الحزب الشيوعي الصيني بشأن مجموعة واسعة من القضايا، من المخاوف البيئية إلى السياسة الأسرية. ويعتقد كثيرون أن الصين كانت في طريقها إلى التحول إلى دولة ديمقراطية.
وبدلا من ذلك، كان صعود شي جين بينج إلى السلطة في عام 2012 بمثابة إعلان عن تراجع جذري. إذ وبدلا من تعزيز نظام الحزب الواحد في الصين، سعى شي إلى ترسيخ حكم الرجل الواحد إلى أجل غير مسمى. ومع شعوره بالقلق المتزايد داخل الحزب الشيوعي الصيني من تراجع نفوذه، تراجع عن كل خطوة نحو مجتمع واقتصاد أكثر انفتاحا، الأمر الذي أدى إلى خيبة الأمل بين بعض رجال الأعمال الأكثر نجاحا في الصين. الأجيال الشابة صارت تشعر بخيبة أمل. ومع ذلك، استمر شي في رئاسة نظام سري يتسم بالإقالة المفاجئة وغير القابلة للتفسير على مستويات عالية. وقد وصف بعض المراقبين حكم شي بأنه “ماو إضافة إلى المال”.
لا شك أن شي كان يؤمن بالسيطرة المركزية. ولكن من أجل الحفاظ عليها، فقد انتهك الاتفاق الضمني الذي أبرمه الحزب الشيوعي الصيني مع الشعب الصيني: إذا ظل الناس بعيدا عن السياسة، فسوف يظل الحزب بعيدا عن حياتهم الشخصية؛ وقد أدى انعدام الثقة هذا إلى إضعاف الآفاق الاقتصادية للصين.
إن الركود الاقتصادي في الصين قد يدفع الحزب الشيوعي الصيني إلى تبني شكل متشدد من القومية الصينية في محاولة للحفاظ على الولاء الشعبي. وعلى المدى البعيد فإن هذا من شأنه أن يسبب المتاعب لتايوان، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ برمتها، والصين ذاتها. ونظرا للتهديد الذي تفرضه عدوانية الصين، فليس من المستغرب أن تعمل اليابان على زيادة ميزانيتها الدفاعية وأن تقرر دول أخرى أن تحذو حذو الولايات المتحدة وتستكشف السبل لدعم الديمقراطيات الليبرالية في آسيا.
هذا هو الاستقرار في بلد حيث الحكومة عازمة العقد على السيطرة على كل جانب من جوانب حياة مواطنيها. ورغم أن مثل هذه السيطرة قد تكون ممكنة، إلا أنها سوف تعمل بلا شك على خنق الديناميكية الاقتصادية للبلاد. وفي المقابل، فإن استقرار اليابان يضرب بجذوره عميقا في الاعتقاد بأن المجتمع المفتوح والحر الذي تحكمه سيادة القانون هو أفضل وسيلة لتعزيز الانسجام والرخاء المشترك. هل يستطيع النظام اللينيني الفاسد أن يتفوق على المجتمع الحر؟ وأيا كانت الإجابة فإن الصين تواجه معركة شاقة.
المصدر: ديبلماسي إيراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-09 16:29:57
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي