ايكونومست: اتفاق إسرائيلي سعودي قد يقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب

ايكونومست 24-9-2023: اتفاق إسرائيلي سعودي قد يقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب
لا يفعل محمد بن سلمان الكثير لإخفاء استمتاعه باحتمال التوصل إلى اتفاق استراتيجي بين أمريكا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. وفي مقابلة تلفزيونية نادرة يوم 20 أيلول/سبتمبر، أقر ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد بابتسامة أن هناك اتفاقاً وشيكاً. “كل يوم نقترب. يبدو أنها المرة الأولى حقيقية وجدية”. وقال إن الاتفاقية ستكون “أكبر صفقة تاريخية منذ الحرب الباردة”. وفي 22 سبتمبر/أيلول، أكد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن الدول الثلاث كانت “على أعتاب” الصفقة. وقال إنها ستكون “قفزة نوعية”.
إن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين المملكة العربية السعودية، أغنى دولة عربية وأكثرها نفوذاً، وإسرائيل، الدولة اليهودية التي نبذتها المملكة منذ فترة طويلة، كانت قادمة منذ فترة طويلة. منذ أن أصبح ولي العهد في عام 2017، عقد محمد بن سلمان، كما يُعرف بالأمير محمد، اجتماعًا سريًا واحدًا على الأقل مع السيد نتنياهو. لدى كلا البلدين منافس مشترك في إيران، ويعقدان صفقات تجارية بهدوء. لكن في عام 2020، تم توقيع اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، باستثناء السعودية. قليلون توقعوا أن يتم إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الإسرائيلية السعودية خلال حياة والد الأمير، الملك سلمان، الذي ينتمي إلى جيل لم يكن من الممكن بالنسبة له إقامة أي علاقة مع إسرائيل.
ومع ذلك، فقد زادت المحفزات للصفقة. وبالنسبة للسعودية، فالدافع هو معاهدة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة. وهناك علاقات أمنية بين البلدين، إلا أن السعودية تريد معاهدة دفاع رسمية، وليس أقل من ذلك، لأن إيران تزيد من من برامجها النووية وتقف على أعتاب إنتاج الأسلحة النووية، مما سيقلب مستوى القوة الأمنية بالمنطقة.
وتشمل المحادثات على تطوير مفاعل للطاقة النووية يتم تخصيب اليورانيوم في داخل السعودية وتحت إشراف أمريكي، حسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، وعلى نفس الطريقة التي أدارت فيها الولايات المتحدة شركة أرامكو العملاقة في البداية.
ومع أن هذه الجهود ستكون مدنية الطابع، إلا أن الهدف الأمريكي النهائي هو منع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. ويقول ولي العهد السعودي إن بلاده لها الحق في امتلاك الأسلحة النووية إذا امتلكتها إيران، قائلا: “لو حصلوا على سلاح، فنسنحصل على مثله، لكننا لا نريد رؤية هذا”.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، فإطار دبلوماسي أمني تدعمه الولايات المتحدة ويقوم على القوتين الإقليميتين، سيكون إنجازا مهما في السياسة الخارجية ويدخل فيه عامه الانتخابي.
التغيير في مواقف بايدن من السعودية في أثناء حملته الانتخابية التي لم يرد التعامل معها، لكن الواقعية السياسية هي التي تحكم اليوم.
وترى إدارته في الصفقة وسيلة للتكيف مع العصر الجيوسياسي الجديد، والذي ستظل فيه الولايات المتحدة الضامن النهائي لأمن دول الخليج وعلى مدى العقود القادمة، حتى لو استمرت اقتصاديات هذه الدول تنحرف نحو آسيا، وبالتالي إحباط محاولات إيران وتهدئة أسواق الطاقة ومنع الصين من دفع الشرق الأوسط نحو فلك تأثيرها.
ولا تزال هناك عقبات محلية مهمة أمام الاتفاق. بدءا من السعودية، ورغم غياب استطلاعات الرأي، إلا أن نسبة 2% من الشباب السعودي فقط يدعمون التطبيع، وذلك بحسب دراسة لمسح الشباب العربي 2023، مقارنة مع 75% في الإماراتن و73% في مصر، وكلاهما طبعت علاقاتها مع إسرائيل.
وهذا يفسر إحالات ولي العهد المستمرة في مقابلته للاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، حيث قال: “بالنسبة لنا، فالقضية الفلسطينية مهمة جدا ونحن بحاجة لحل هذا الجزء”. وتجري محادثات متوازية مع الفلسطينيين، ومن المتوقع زيارة وفد فلسطيني الرياض في تشرين الأول/أكتوبر. ويزور المسؤولون الفلسطينيون العاصمة الرياض بشكل أسبوع، وفق مصدر في الضفة الغربية.
ولم يذكر بن سلمان في مقابلته، المبادرة العربية للسلام، وهي خطة أقرتها السعودية والدول العربية في 2002، وتقوم على علاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس الشرقية وإنشاء الدولة الفلسطينية. وبدلا من ذلك، قدم الأمير وعودا غامضة مثل منح الفلسطينيين “احتياجاتهم” والتأكيد من توفير “حياة جيدة لهم”. وتتحدث الأطراف كلها عن صورة “شرق أوسط جديد” تربطه المواصلات والطاقة، حيث تتغلب الفرص الاقتصادية على الكراهية.
غموض ولي العهد السعودي بشأن الحقوق الفلسطينية، هو اعتراف بمشاكل نتنياهو الداخلية. فقد تطلع كل زعيم إسرائيلي لإنهاء عزلة الدولة العبرية الإقليمية والتي استمرت منذ إنشائها. وبالنسبة لنتنياهو الذي يقود حكومة متطرفة، ويواجه احتجاجات واتهامات بالفساد، فصفقة مع السعودية ستكون فرصة ذهبية لكي يلمع إرثه المشوه.
فالأشهر التسعة الفوضوية من حكومته، تفسر السبب الذي يدفع نتنياهو الذي بنى مسيرته السياسية على المعارضة القوية للبرنامج النووي الإيراني، واستعداده للموافقة على برنامج للطاقة النووية يتم فيه تخصيب اليورانيوم داخل السعودية.
وربما أدت صفقة مع السعودية لخلق ترددات وتداعيات، فالائتلاف الحكومي الإسرائيلي يضم أحزابا دينية وقومية متطرفة ومستوطنين يعارضون فكرة التنازل للفلسطينيين. ولدى المستوطنين تمثيل قوي داخل حزب الليكود، وكلهم يحذرون من أنهم سيعارضون أي تنازلات أو صفقة تتخلى فيها إسرائيل عن المناطق الفلسطينية.
ويبدو أن الزعيم الفلسطيني محمود عباس، توصل لنتيجة وهي أن السعوديين لن ينتظروا إنشاء الدولة الفلسطينية حتى يقيموا علاقات مع إسرائيل، لكنه يريد من إسرائيل تخفيف نشاطاتها الاستيطانية ومنح السلطة حكما ذاتيا أوسع في الضفة الغربية.
وقد تؤدي الصفقة لانهيار تحالف نتنياهو الحالي “الصيغة الوحيدة التي يدعمها التحالف، هي حصول الفلسطينيين على المال السعودي لاحتياجاتهم، ولكن بدون مزيد من الحقوق”، كما يقول سياسي إسرائيلي متطرف. ولو دعم بن سلمان المطالب الفلسطينية، فسيخسر نتنياهو على الأرجح دعم بعض تحالفه، ومعه غالبيته في الكنيست. وخياره الوحيد، هو استخدام اتفاق تاريخي للحصول على دعم أحزاب الوسط والتي رفضت حتى الآن الانضمام لحكومته، وستطالب بتغيرات مهمة في السياسة لكل تفعل هذا. وربما يرحب نتنياهو بهذه الخطوة لإعادة تشكيل ائتلافه واستبدال المتطرفين بأحزاب الوسط.
ورغم دعم الوسط بقيادة بيني غانتس ويائير لبيد لصفقة سعودية، إلا أن الأخير طرح بعض التحفظات حول تخصيب اليورانيوم في السعودية. وكلاهما لديه تجربة مُرّة في التعامل مع نتنياهو ولديهما الأسباب لعدم المشاركة في حكومة أخرى.
وربما وجد بايدن صعوبة في تسويق الصفقة، فحصول السعودية على مفاعل نووي قد يقلق الأمريكيين الخائفين من انتشارها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. كما أن التقدميين المعارضين للسعودية والجمهوريين الذين يصوتون ضد أي شيء يقترحه بايدن، سيحاولون عرقلة الصفقة.
وأمل بايدن الوحيد، هو حفاظ نتنياهو على شعبيته بين الجمهوريين لحرف معارضتهم ودفعهم لدعم الصفقة. وتظل إمكانيات صفقة أمريكية- إسرائيلية- سعودية كبيرة، لكن النافذة السياسية لتحقيقها تظل صغيرة. وقال نتنياهو: “لو لم نحققها في الأشهر القليلة المقبلة، فربما نأخرها للسنوات القادمة”.