منير الربيع-المدن
ما يمكن تجميعه من سلسلة المواقف التي أطلقت في الأيام القليلة الماضية إزاء الحرب على غزة، يمكن تلخيصها بجملة نقاط، أبرزها الرهان اللبناني على المفاوضات والقنوات الخلفية المفتوحة، في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار.
من الواضح أن حزب الله حدد سقوفه القتالية حتى الآن، وانتقل من وصف الجبهة اللبنانية والجبهات الأخرى باعتبارها جبهات مساندة إلى جبهات ضاغطة، كما أنه شدد على نقطة أساسية تتصل بتحركات الحزب العسكرية في الجنوب، والتي تنطوي على مخاطرة كبيرة بنتيجة المسيرات الإسرائيلية، فقال إن كل مجموعة تتقدم لتنفيذ عملية، شبابُها مشاريع استشهاديين، وفق ما قال أمين عام الحزب: إن أي خطوة إلى الأمام هي بمثابة عمل استشهادي بكل ما للكلمة من معنى، هي بمثابة عمل استشهادي.
“عقلانية” حزب الله!
ولكن في مضمون كلام نصرالله، لا يبرز اختلاف عن ما صدر عن الجامعة العربية ولا عن موقف لبنان الرسمي، ولا حتى عن موقف حكومة فؤاد السنيورة في حرب تموز عام 2006، والتي ترتكز كلها على ضرورة مناشدة القوى الاقليمية والدولية لوقف اطلاق النار في غزة، وإن كان نصرالله برفع سقفه درجة، ملوحاً باحتمال الذهاب إلى حرب إقليمية. هي حرب لا يريدها أحد. وقد كان حضور المدمرات الأميركية إلى البحر الأبيض المتوسط هدفها منع التصعيد ومنع فتح الجبهات الإقليمية ضد اسرائيل.
من هنا تبرز توأمة بين كلام حزب الله من جهة وكلام الحكومة اللبنانية، خصوصاً في ضوء مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي يتماهى مع الحزب إلى حدّ بعيد، ويسلّفه الكثير من خلال وصف مواقفه بالعقلانية.
بناء عليه، وفي ظل المعطيات المتوفرة، فلم يعد لدى لبنان سوى السعي في سبيل انتهاء الحرب على غزة بأسرع وقت ممكن، وربما عليه أن يستعين بالدعاء، بالإضافة إلى الاستناد على عقلانية حزب الله، كما وصفها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. هنا لا بد للبنان أن يستفيد مما أقر في القمة العربية والإسلامية، لتجنّب الحرب والصراع وتمدده، على الرغم من أن نصرالله أشار إلى أن الكلمة للميدان، والذي قد يكون قابلاً للتوسيع في المرحلة المقبلة، في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتكررة.
القنوات الخلفية
عملياً، فمن الواضح أن حزب الله -ونصرالله بالتحديد- يسير ضمن المعادلة المرسومة دولياً وإقليمياً، في عدم التصعيد وتوسيع الجبهات، بالإضافة إلى رهانه الواضح على الوقت للوصول إلى وقف لإطلاق النار. وهو مؤشر على أن لا أحد يريد الدخول في حرب شاملة إقليمية أو دولية. ذلك لا يمكن أن ينفصل عن جملة أمور. أولها، التقاطع الإيراني الأميركي حول منع تصعيد الوضع العسكري في المنطقة. وثانيها، استمرار القنوات الخلفية بالعمل والتفاوض بين الإيرانيين والأميركيين. وثالثها، الالتزام عملياً بالرسالة التي نقلها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، وتضمنت رسائل واضحة عبر وسطاء إلى حزب الله. وبذلك لا يكون الحزب قد خرج عن السقف المرفوع دولياً وأميركياً بالتحديد، باستثناء العمليات المدروسة والمضبوطة والمستمرة في الجنوب، بشكل لا تتيح الذهاب إلى توسيع الجبهة.
ضمن هذه المعادلة، يبقى حزب الله قوياً بين ضعفاء، في ظل عدم قدرة أي طرف على تعديل المسار الذي يقوده الحزب، ولا يخرج عن السقف الأميركي، أو لا يظهر تضارباً كبيراً مع الأميركيين إلى حد المواجهة الفعلية معهم.
هناك براغماتية واضحة في تعاطي حزب الله والإيرانيين مع ما يجري. وهذه البراغماتية تفترض الحفاظ على مكتسبات سياسية والبحث عن تعزيزها، على حساب الذهاب بحماسة إلى الانخراط في حرب كبرى، قد تؤدي إلى خسائر كبيرة وتكاليف أكبر. خصوصاً في ظل إضفاء المزيد من الإغراءات الأميركية لإيران كي لا تكون عنصراً منخرطاً بقوة في هذا الصراع. وهو ما يعمل عليه الأميركيون تارة بالهدوء وطوراً بالتهديد.
في المقابل، فإن الدول العربية ستكون بأمس الحاجة إلى تكريس الاستقرار، والذي لا يمكن أن يكون مدخله الحقيقي إلا حل عادل للقضية الفلسطينية، لأنه من دون حلها لا مجال لتوفير الاستقرار، الذي سيشكل منطلقاً لتحقيق طموحات اقتصادية واستثمارية مستقبلية.
أبضاً، فإن إيران حريصة على توفير مقومات الاستقرار داخلها، وتسعى إلى ترتيب علاقات مع واشنطن ومع دول الخليج، ولذا، تتعامل ببراغماتية منذ الأيام الأولى، عندما تبرأت مما جرى.. وصولاً إلى تبرؤ نصرالله أيضاً في خطابه الأول، ليشير في خطابه الثاني إلى أهمية الدور الإيراني في توفير الدعم للمقاومة الفلسطينية. وهذا يتصل بإثبات حضور إيران على الطاولة في ضوء المفاوضات الدائرة.