اخبار فلسطين

جولة في «الإندونيسي»: تطبيب بدائي… في زحمة النزوح

غزة | على الطريق الواصل بين مفترق مدينة الشيخ زايد، وشارع صلاح الدين، في منطقة الوسط بين حيّ تل الزعتر شرق مخيم جباليا ومنطقة قليبو شرق مدينة بيت لاهيا، يقع المستشفى «الإندونيسي»، المجمع الطبي الذي حَمل اسم مَن شيّدوه بأيديهم في نهاية عام 2016، أي قبل أكثر من سبع سنوات من اليوم. هو المبنى الوحيد في القطاع، الذي استَقدمت من أجل بنائه المؤسّسات الخيرية الإندونيسية، المئات من العمّال والحرفيين، فضلاً عن المهندسين والمشرفين والأطباء الذين بنوه وأشرفوا عليه ولا يزالون إلى اليوم. ورغم أن عملية البناء، منذ اللحظة الأولى وحتى الافتتاح، شاهدها المئات من أهالي الحيّ الذين كانوا يتوافدون للحديث إلى العمّال الإندونيسيين الذين أبدوا طيبة وسلوكاً اجتماعيّاً لافتاً، فإن الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، زعم أن المستشفى بُني على شبكة من الأنفاق، تتّخذها قيادة «القسّام» مقرَّ قيادة وسيطرة. وعلى طريق تكريس تلك الأكذوبة، هدَّد العدو بقصف المستشفى منذ الأيام الأولى لبدء الحرب على القطاع. ولمّا رفض الطاقم الطبي ومعه 15 ألف نازح ترْك المستشفى الذي يمثّل آخر القلاع الطبية المركزية في شمال القطاع، بدأ الاحتلال، منذ أيام، تنفيذ سياسة التهديد بالنار؛ إذ لم يخلُ ليل أو نهار، في الأيام السبعة الماضية، من قصف محيط «الإندونيسي» بأحزمة نارية عنيفة جداً.

في محيط المستشفى، أضحت الغارات الثقيلة والقنابل الارتجاجية التي تتطاير شظاياها على المرضى والنازحين، روتيناً يومياً، بعدما بات المرفق محصوراً وسط حيّ مدمّر بنسبة 70%، تقطع حفره الكبيرة كلّ الشوارع الواصلة إلى «الإندونيسي»، خلا شارعاً واحداً. أُتيحَ لكاتب هذه السطور الذي زار المستشفى، أن يعاين ظروفاً إنسانية قاسية جداً، حيث انقطع التيار الكهربائي تماماً عن طبقاته الثلاث، فيما يسير النازحون بين الممرّات وغرف المرضى وهم يمسكون بهواتفهم المضاءة. ينام العجائز، الشباب، المرضى، في كلّ متر من المرفق، حيث لا بدّ من أن تكون حذراً وأنت تتنقّل. ورغم حذرك، قد تدوس على يد أحدهم أو إحداهن خطأً، ستعتذر وتواصل السير. هناك أيضاً، انطفأت كلّ المولدات بعد نفاد وقود السولار، فيما نظام الطاقة الشمسية لا يكفي سوى لتشغيل غرف العناية المركّزة وجهاز «الألترا ساوند» المخصّص للأشعة في حالات الطوارئ. يعمل الممرّضون وسط العتمة، في وقت تظلّ فيه أبواب قسم الأشعة مغلقة، بالنظر إلى أنه لا كهرباء لتشغيل الجهاز الكبير. يقول فنيّ الأشعة: «كلّ ألواح الطاقة الشمسية المتوافرة فوق سطح المستشفى، لا تكفي لتشغيله».

في الممرّات، يختلط المرضى والمصابون بالنازحين، في حين يبذل الممرّضون جهوداً كبيرة للوصول إلى المرضى. لا تصنيف ولا فرز وفقاً للحالات: مَن بُترت قدمه وحرق كلّ جسده، يعامل معاملة عادية جداً. أَسرَّة العناية المركّزة مخصّصة للحالات بالغة الخطورة. لا مسكّنات ولا حتى شاش طبياً للتغيير على الجروح، فيما العمليات الصغرى والمتوسطة تجري في الممرّات، وبين الأهالي، في غياب أيّ مستوى من التعقيم والنظافة. ولا يشقّ ضجيجَ القصف وضوضاء الازدحام، سوى صراخ المرضى من الألم. وبينما يفترش الآلاف من الأهالي وعدد محدود من الصحافيين محيط المستشفى، حيث انقطع الإنترنت أخيراً، جاء زعم العدو وجود موقع في المرفق الطبي يمثّل بوّابة نفق للمقاومة، ليُحوّل الناس سريعاً إلى ذلك الموقع. وبدورنا، أخذنا الفضول للذهاب إلى هناك، لكن الحقيقة التي لمسناها أنه لا شيء في الداخل، سوى قبو ممتلئ بالسيارات، وبعض خزانات الوقود، والأجهزة الطبية القديمة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى