موازنة العلاقات الأمريكية في شمال إفريقيا دون تقويض “اتفاقيات إبراهيم”
من الضروري أن تتعامل إدارة بايدن بحذر مع الجزائر، لأن الحفاظ على مفاوضات الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية وحماية علاقات المغرب الجوهرية مع واشنطن وإسرائيل أمر بالغ الأهمية للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة.
في 29 تشرين الأول/أكتوبر و5 تشرين الثاني/نوفمبر، ضربت عدة صواريخ مدينة السمارة في الصحراء الغربية الخاضعة للإدارة المغربية، مما أدى إلى تصعيد كبير في الصراع المستمر منذ عقود على المنطقة وتفاقم التوترات بين الرباط والجزائر. وفي ظل التوترات التي تشهدها المنطقة برمتها والتي أشعلتها حرب غزة، تواجه الولايات المتحدة المهمة الدقيقة المتمثلة في إدارة علاقتين رئيسيتين: شراكتها التاريخية مع المغرب، الذي قام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتعاملها مع الجزائر، التي فشلت في احتواء التصعيد الأخير من قبل “جبهة البوليساريو”، وهي الجماعة التي شنت على الأرجح الهجمات الصاروخية.
علاقة إسرائيل بالنزاع في شمال أفريقيا
تكمن جذور صراع الصحراء الغربية في انسحاب إسبانيا منها بعد فترة وجودها الاستعماري في أواخر السبعينيات، الأمر الذي خلق فراغاً في المنطقة. وسرعان ما أكد المغرب على مطالبه التاريخية بالإقليم، في حين ظهرت “جبهة البوليساريو” للدفاع عن الاستقلال. وقد شكّل الصراع الناتج عن ذلك تحدياً على مدى عقود لجهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة لإيجاد حل سياسي. ويتمتع المغرب الآن بالسيطرة الفعلية على معظم الأراضي، لكن “جبهة البوليساريو” تواصل الاعتراض على مطالبه.
في أواخر عام 2020، اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في إطار اتفاق ثلاثي أوسع نطاقاً مع إسرائيل، مما أدخل الرباط في عملية التطبيع التاريخية التي أطلقتها “اتفاقيات إبراهيم”. وشكّل ذلك انتصاراً كبيراً للرباط، التي أمضت سنوات في مناشدة الدول الاعتراف بمطالبها السيادية مقابل تعزيز العلاقات. وقد أدى الحصول على دعم الولايات المتحدة – الحليف القديم وحامل القلم في قرار “مجلس الأمن الدولي” الذي يحدد نطاق المفاوضات بشأن الصحراء الغربية – إلى تعزيز قدرة المغرب على توجيه العملية الدولية الجارية الرامية إلى إنهاء الصراع.
ومنذ ذلك الحين، وطدت الرباط علاقاتها الثنائية مع إسرائيل. وبلغ الجانب الدبلوماسي للعلاقة محطة بارزة أخرى مع اعتراف إسرائيل في تموز/يوليو 2023 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وبعد ذلك دعا الملك محمد السادس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى زيارة البلاد.
كما سهلت هذه العلاقة حصول المغرب على أسلحة متقدمة مثل نظام “باراك إم إكس” الدفاعي، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى مواجهة النزعة العدوانية الإقليمية المتزايدة للجزائر. كما عززت الجزائر قدراتها العسكرية أيضاً، مدعومةً بارتفاع عائدات الغاز الطبيعي والعلاقات الوثيقة مع روسيا والصين (انظر أدناه). وفي الواقع، أصبح الخصمان الآن من بين أكبر ثلاثة مشترين للأسلحة في أفريقيا.
حرب غزة تفرض قيوداً جديدة
منذ اندلاع الحرب بين “حماس” وإسرائيل، اهتزت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. فقد أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمر إخلاء لمكتب الاتصال التابع لها في الرباط الشهر الماضي، بينما أعربت المملكة المغربية عن قلقها إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة. ويعكس تردد الرباط في الظهور علناً كداعمة لإسرائيل خلال الحرب مشهدها السياسي الداخلي المعقد، والذي اتسم بدعم شعبي واسع للقضية الفلسطينية وتزايد الدعوات لإلغاء اتفاق التطبيع.
ومن جانبها، أبقت الولايات المتحدة اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في عهد بايدن مع التأكيد في الوقت نفسه على التزامها بالعملية التي تقودها الأمم المتحدة. كما تفاعلت واشنطن بشكل نشط مع الجزائر، كما تبين من خلال زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوش هاريس إلى المنطقة في أيلول/سبتمبر واجتماعه مع كبار المسؤولين الجزائريين وزعيم “جبهة البوليساريو” إبراهيم غالي. وأظهرت هذه الاجتماعات أن الإدارة الأمريكية ستتّبع نهجاً دقيقاً تجاه نزاع الصحراء الغربية، مما يخفض سقف توقعات الرباط بدعم أمريكي مطلق بشأن هذه القضية.
ومع ذلك، يمكن أن تؤدي حرب غزة وهجمات البوليساريو المتصاعدة إلى تعقيد هذه الاستراتيجية. على سبيل المثال، قد يفسّر المسؤولون المتخوفون بشكل متزايد في الرباط المبادرات تجاه الجزائر وغالي على أنها خروج عن التزامات الولايات المتحدة بموجب الاتفاق الثلاثي، الذي يدعم بصراحة خطة المغرب المتقدمة للحكم الذاتي باعتبارها “الأساس الوحيد” لحل نزاع الصحراء الغربية. وقد يؤدي هذا التحول الملحوظ إلى تقويض العلاقات الثنائية الأوسع نطاقاً للمملكة مع واشنطن وإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، منذ أن أنهت “جبهة البوليساريو” وقف إطلاق النار الأخير في أواخر عام 2020، ظهرت علامات مثيرة للقلق بشأن التصعيد العسكري، تمثلت في هجمات السمارة القاتلة. وقبل أسابيع من هذا الحادث، قتل خفر السواحل الجزائري بالرصاص راكبَي دراجات مائية مغربيين – فرنسيين زُعم أنهما دخلا المياه الإقليمية للبلاد. وقد اختارت السلطات المغربية الرد القضائي المحلي على كل من حادثة الدراجات المائية وضربات السمارة، وفضلت بوضوح هذا النهج على العمل العسكري. وفي الواقع، لا يزال التهديد المتمثل بالاشتباكات المباشرة بين البلدين منخفض السقف لأن أياً منهما لا يرى فائدة كبيرة في خوض الحرب. لكن الرباط ستواجه صعوبة أكبر في صد الاستفزازات في البيئة الحالية المشحونة.
وفي غضون ذلك، تعرب الجماعات الإسلامية المغربية بشكل متزايد عن معارضتها الشعبية لإسرائيل من أجل تعزيز مكانتها في الداخل. إن عودة ظهور هذه الجماعات – ومن بينها “جماعة العدل والإحسان” الواسعة الانتشار، والتي يكون موقفها من قضايا الشرق الأوسط خالياً من التعقيدات والقيود والتناقضات التي تشكل بالضرورة السياسة الخارجية للحكومة – تُشكّل تحدياً للرباط، التي تحرص على السعي وراء علاقات أكثر واقعية ودقة في الخارج. وفي ظل هذه التحديات، يكتنف التوقعات المتعلقة بـ “اتفاقيات إبراهيم” والعلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب وقضية الصحراء الغربية غموض متزايد.
الجانب الجزائري وسياسة القوى العظمى
تُعتبر الصحراء الغربية مسألة ذات أهمية وطنية حاسمة للجزائر أيضاً، وقد تفاقمت التوترات الثنائية حول هذه القضية منذ آب/أغسطس 2021، عندما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وأوقفت صادرات الغاز إليها وسط ارتفاع عالمي في أسعار الطاقة. وفي إعلانها عن القرار، أشارت السلطات الجزائرية إلى “أعمال عدائية” من قبل المملكة لم يتم تحديدها إلا بشكل غامض. كما أغلقت الجزائر مجالها الجوي، وهو أحد أكبر المجالات الجوية في أفريقيا، أمام جميع الطائرات المغربية، مما أضاف وقتاً وتكلفة إلى حد كبير للرحلات الجوية المتجهة شرقاً.
وفي غضون ذلك، أثارت الرباط غضب الجزائر من خلال ما أفادت به التقارير عن تكثيفها لعمليات الطائرات بدون طيار في المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، مما أسفر عن مقتل قادة في البوليساريو، وإصابة مدنيين جزائريين في حادثة وقعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021. واليوم، لن يؤدي أي تصعيد إضافي من جانب “جبهة البوليساريو” التي تقوم بعملياتها انطلاقاً من الأراضي الجزائرية، إلّا إلى تفاقم الاحتكاك الثنائي. وعلى الرغم من أن الجزائر يمكنها أن تنأى بنفسها علناً عن هجمات “البوليساريو” التي يتم شنها من المنطقة العازلة في الصحراء الغربية، إلّا أن جميع الأطراف تدرك جيداً أن استمرارية الجبهة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالضمانات الأمنية الجزائرية.
ومن هذا المنطلق، يمكن للولايات المتحدة أن تضر بعلاقتها الطويلة الأمد مع المغرب إذا لم تتوخَ الحذر في إدارة علاقاتها المتطورة مع الجزائر. ويبدو أن الرباط تعمل أساساً على تنويع شركائها الأجانب وسط شكوك إقليمية متزايدة حول موثوقية واشنطن، مراهنةً على النفوذ الصيني والروسي المتنامي في أفريقيا. وفي الشهر الماضي وحده، أعلنت العديد من الشركات الصينية عن استثمارات جديدة في المملكة، تشمل إنشاء مصانع مواد الكاثود، وهي عنصر حاسم في صناعة السيارات الكهربائية الآخذة في الازدهار. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، وقّعت وزارة الطاقة المغربية مذكرة تفاهم بشأن التعاون النووي السلمي مع شركة “روساتوم” الروسية المملوكة للدولة. كما عززت موسكو إمدادات الوقود إلى المملكة في محاولة لإعادة توجيه المنتجات النفطية وسط عقوبات الاتحاد الأوروبي. لكن الرباط ظلت حذرة بشأن هذه العلاقات نظراً لموقف روسيا المؤيد للجزائر بشأن الصحراء الغربية وتعاملها المفتوح مع جبهة البوليساريو.
ومن جهتها، طوّرت الجزائر شراكة أمنية واستراتيجية عميقة مع موسكو، والتي ستبقى حجر زاوية في سياستها الخارجية، على الرغم من الخلافات العرضية. وقد أقامت شراكة قوية مع الصين أيضاً. ففي عام 2022، وقّع البلدان خطة خماسية أخرى للتعاون الاستراتيجي الشامل، وتعززت العلاقة مع قيام الرئيس عبد المجيد تبون بزيارة إلى بكين هذا الصيف. بالإضافة إلى ذلك، زار رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة بكين الأسبوع الماضي للقاء كبار مصنعي الأسلحة، مما يعكس دفعاً كبيراً باتجاه تحديث القدرات العسكرية للبلاد.
ونظراً لعمق هذه العلاقات، فإن الجهود الأمريكية للتواصل مع الجزائر لا تضمن ابتعادها عن موسكو وبكين أو تقديمها تنازلات نحو وقف التصعيد مع الرباط. وفي الواقع، قد تؤدي هذه الجهود في النهاية إلى إضفاء الغموض على علاقات المغرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل في مرحلة تشهد أزمة إقليمية.
السبيل إلى المضي قدماً
في هذا المشهد المتطور، ينبغي على واشنطن مواصلة دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء الغربية، مع التمسك أيضاً باعترافها بالسيادة المغربية على الإقليم. ويمكن لهذا النهج المتوازن أن يساهم في تسهيل التواصل الناشط مع الجزائر دون تقويض علاقات المغرب مع إسرائيل، والتي تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية الأوسع نطاقاً في المنطقة.
على واشنطن أيضاً اقتناص فرصة تواصلها الحذر مع الجزائر لتخفيف التوترات مع الرباط ودرء المزيد من التصعيد العسكري في الصحراء الغربية. ويتطلب ذلك اتباع نهج دقيق، مع الاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة لإخماد الأعمال العدائية والعودة إلى الحوار.
وأخيراً، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يتذكروا أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل يمكن أن تساهم في الجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب. ولكن في غياب الدعم الأمريكي المستمر والرؤية الثاقبة لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ستواجه الرباط صعوبة في الالتزام بالمبادرات التي تقودها الولايات المتحدة في غزة، لا سيما إذا كانت ستفرض تكاليف محلية كبيرة أو تؤثر على سمعتها.
سابينا هينبرج هي “زميلة سوريف” في معهد واشنطن. أمين الغوليدي هو باحث في الجغرافيا السياسية والأمنية في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن.