موضوعات وتقارير
تبدُّل في الرأي العام العالمي من تأييد السياسة الإسرائيلية إلى إحياء مشروع الدولة الفلسطينية الإعلام الفضائي سلاح فعَّال بحرب غزة فضح احتكار إسرائيل المزمن وكشف جرائمها
معروف الداعوق-اللواء
في اول حرب تنشب على هذا النحو بين الفلسطينين والاسرائيليين حول قطاع غزّة، وحتى بين العرب والدولة العبرية، انتزع الإعلام الفضائي ميزة احتكار إسرائيل لسلاح الإعلام العالمي لصالحها في الصراع العربي الاسرائيلي، وارسى معادلة جديدة، افقدت الدولة العبرية عناصر ومقومات مهمة في دعم وتغطية مشروعها للسيطرة واحتلال الاراضي، وإنهاء القضية الفلسطينية، وفضح اساليبها الارهابية والعنصرية واللانسانية للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
اعتادت إسرائيل منذ اغتصابها ارض فلسطين عام ١٩٤٨، على احتكار وسائل الإعلام العالمية المؤثرة، ولاسيما منها الاميركية ، بالمال تارة اوبالترهيب تارة اخرى، للترويج لسياسةاستيلائها على اراضي الفلسطينين بالقوة، بدعم من الغرب، وتطويعها لبث الدعايات الكاذبة، والتغطية على سلسلة الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المنظمة بحق المدنيين الفلسطينين العزل، ابان النكبة، وتهجير ابناء الشعب الفلسطيني إلى خارج اراضيهم ومنازلهم في دولة فلسطين، إلى الدول العربية المجاورة، في لبنان وسوريا والاردن ومصر.
استغلت الدولة العبرية واقع سيطرتها على الاعلام الغربي والاميركي تحديدا، لاظهار أحقية اليهود بالارض الفلسطينية خلافا للواقع، لاقامة دولة «إسرائيل الموعودة»، ونظمت وماتزال حملات التضليل وقلب الوقائع، وبث الدعايات الكاذبة، واظهار اليهود في إسرائيل بمظهر الضحية، والعرب المعتدين الذين ينوون «رمي اليهود في البحر»، والتغطية على المزيد من عمليات الاستيلاء غير الشرعيةعلى الأراضي الفلسطينية والسورية، واقامة المستوطنات عليها، وتنظيم استقدام اليهود من سائر دول العالم الموجودين فيها، وحصرهم تحت سماء ماروج له زورا «الدولة الموعودة لليهود».
استطاعت إسرائيل من خلال تطويع وسائل الإعلام العالمية، وامتلاك معظمها، وتوجيهها كيفما تشاء للترويج لسياساتها العدوانية وتضليل الرأي العام العالمي بمعظمه ولاسيما بالدول الفاعلة، طمس جرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين، و تغطيةعمليات الاغتيال لرموز المقاومة البارزين وممارسةالاعتقال التعسفي المخالف للقوانين والاعراف الدولية في زمن الاحتلال، ومنع المساءلة والملاحقة القضائية الدولية عن مرتكبيها والقائمين عليها.
وهكذا وعلى مدى العقود الماضية، شكلت وسائل الإعلام العالمية الموالية للصهيونية العالمية، السلاح الامضى بيد إسرائيل، في حروبها مع الدول العربية منذ قيام الدولة العبرية، مقابل غياب اعلام عربي شبه كامل ، ما قلب الموازين لمصلحتها، ومن خلاله استطاعت الاستحصال على أضخم المساعدات المالية والاقتصادية والعسكرية المتواصلة في تاريخ الدول من دول الغرب حتى يومنا هذا، للاحتفاظ بتفوقها على الدول العربية والاستمرار في سياسة الاستيلاء على مزيد مما تبقى من الاراضي الفلسطينية، والانقلاب على كل المعاهدات والاتفاقات المعقودة مع الفلسطينين والعرب، وتقويض كل مقومات اقامة السلطة الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي.
هذه المرة، وبالتزامن مع عملية طوفان الأقصى التي وجهت فيها حركة حماس ضربة قاسية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شريط غزّة، افقدت فيها إسرائيل صوابها، لجأت الدولة العبرية الى تكرار نفس اسلوب تطويع وسائل الإعلام العالمية الموالية لها، لاظهار صوابية حربها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والتغطية على سلسلة المجازر التي ترتكبها ضد المدنيين الفلسطينين العزل، بحجة «حق الدفاع عن إسرائيل» اوالقضاء على حركة حماس واستعادة المحتجزين والرهائن من قبضتها، وما الى ماهنالك من مطالب ووعود براقة، تدغدغ مشاعر الإسرائيليين المصدومين من عملية طوفان الأقصى وانعدام الامن والأمان، لكي تبرر من خلالها حربها العدوانية المتواصلة ضد غزة، وتوفر تغطية ودعم الدول الغربية لها، وتمنع اي محاولة للمساءلة القانونية عن المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين في المستقبل.
في هذه الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد قطاع غزّة، انقلبت موازين وسائل الإعلام العالمية، عكس ما كان يحدث في الحروب والمواجهات السابقة بين العرب والفلسطينيين مع الاسرائيليين طوال العقود الماضية، لغير صالح سياسات إسرائيل العدوانية، بعد انفتاح الإعلام الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي امام كل المجتمعات والدول وازال معظم موانع الاحتكار والانحياز، ما افقدها جانبا كبيرا من التفوق والاحتكار الاعلامي، الذي استخدمته إسرائيل على الدوام سلاحا فعالا، ليس لتضليل الرأي العام العالمي فقط، وإنما للاستمرار في ابتزاز مسؤولي هذه الدول، لتاييد سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين وتامين استمرار حصولها على سيل المساعدات الذي لاينضب، وتمكينها من البقاء في موقع الصدارة بمواجهة العرب والفلسطينيين.
وكما لوحظ بوضوح في الاسابيع الاولى من الحرب الإسرائيلية الاجرامية على غزّة، انحازت معظم وسائل الإعلام العالمية المعروفة بتاثيرها على الرأي العام العالمي، للعدوان الاسرائيلي بشكل نافر، وكشفت وقائع حوارات العديد من الشخصيات التي استضافتها شاشاتها، وتغطيتها المنحازة لإسرائيل، عجزا واضحا وفشلا ذريعا في تبرير هذه الحرب وتغطية جرائمها ضد المدنيين الفلسطينين، بعدما خاض الاعلام الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحطات التلفزة العربية والصديقة والحليفة، معركة المنافسة الاعلامية، ليس في تصوير وتغطية جرائمها وفظائعها التي فاقت ابشع الجرائم بالتاريخ، وانما في نقل ما ترتكبه إسرائيل على طبيعته ومباشرة، الى كافة دول وشعوب العالم ولاسيما الحليفة لإسرائيل على حقيقتها، وبوضوح وبادق التفاصيل، ولاسيما منها جرائم القتل التي تمارسها بوحشية مفرطةضد المدنيين الفلسطينين وقتل الأطفال، وكيفية استهدافها المنظم وتدميرها لكل مقومات الحياة، من المستشفيات والجامعات والمدارس ودور العبادة ومخازن الاطعمة والافران ومحطات المياه والكهرباء، ما ادى إلى قلب الوقائع راساً على عقب، وتبدل نظرة الرأي العام في العديد من دول العالم، من التأييد الأعمى للسياسة الإسرائيلية، إلى رفض لممارساتها الاجرامية، والتعاطف وحتى تأييد مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة في التحرر من هيمنة الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة.
أبرز نتائج دخول الإعلام الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، التسبب بالانقسامات في الحكومات والمجتمعات المؤيدة لإسرائيل، والتحولات ضدها، ولو كانت حتى اليوم غير كافية لقلب الرأي العام والسياسية الدولية ضدها، ولكنها بدايه مشجعة، لا بد وان تستكمل بكافة الامكانيات لاستغلال هذه الفرصة، لكسب معركة وقف الاعتداءات الإسرائيلية وحرب الابادة ضد الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية، واعادة الزخم لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.