أزمة الثقة تتعمّق… لماذا يخشى نتنياهو من الجيش؟
وأعطى نتنياهو تعليماته لطاقم مكتبه وللمقربين منه، بحظر تسجيل أي مداولات ومناقشات تتعلق بسير الحرب مع انكشاف حجم الإخفاق الاستخباراتي بمنع عملية “طوفان الأقصى”، بعد مرور أسبوع على بداية العدوان على قطاع غزة.
وأعقبت هذه الإجراءات انتقادات شديدة اللهجة وجهها رئيس الوزراء إلى قادة الجيش والأجهزة الاستخباراتية، وهي الانتقادات التي قوبلت بالاستهجان من قادة المعارضة والشركاء في حكومة الطوارئ وأعضاء “كابينت الحرب”، وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس “المعسكر الوطني” بيني غانتس، الذين طالبوا نتنياهو بالكف عن انتقاد الجيش وتوظيف الحرب على قطاع غزة لأهداف سياسية.
وسط هذه الإجراءات ونهج نتنياهو في إدارة الحرب على غزة وتعامله مع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، وتخصيصه ميزانيات ضخمة للأحزاب المشاركة بالائتلاف لمنع تفكك حكومته، تعالت الأصوات في “المعسكر الوطني” بمطالبة غانتس الاستقالة من حكومة الطوارئ والانسحاب من “كابينت الحرب”.
ووصل التوتر بين نتنياهو وغانتس، إلى ذروته مع المصادقة على الموازنة المعدلة لعام 2023 في القراءة الأولى، ورفض نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريش تحويل أموال الائتلاف الحكومي إلى احتياجات الحرب، حسب المحللة السياسية بالموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” موران أزولاي.
وأشارت أزولاي إلى تعالي الأصوات داخل حزب “أزرق أبيض” برئاسة غانتس، للانسحاب من حكومة الطوارئ، بينما أبدى الشركاء في “المعسكر الوطني” أعضاء حزب “أمل جديد” برئاسة غدعون ساعر، معارضتهم لخطوة تفكيك الحكومة خلال فترة الحرب.
ويعتقد بعض أعضاء “المعسكر الوطني” أن نتنياهو يوظف الحرب لأهداف سياسية تزامنا مع مرحلة الحملة الانتخابية، وأن المعسكر سيتضرر في حال بقي شريكا بائتلاف حكومة الطوارئ، بينما يعتقد آخرون أنه من الخطأ الانسحاب من الحكومة في هذه المرحلة الحرجة من الحرب، حسب ما نقلت عنهم أزولاي.
وبعد سماع آراء معظم أعضاء “المعسكر الوطني”، طلب غانتس تلخيص المناقشة، قائلا “أنا لا أتصرف لاعتبارات سياسية، أنا أفعل ما هو جيد لإسرائيل، لا أنهض وأغادر عندما لا يكون الأمر جيد، وعلى أي حال عندما تفعل ما هو صحيح لإسرائيل، فإن الشعب يدعمك سياسيا”.
وأوضح الصحافي الاستقصائي أفي بار إيلي، أن تعليمات نتنياهو لطاقمه بحظر تسجيل أي مداولات وجلسات سواء للحكومة والوزارات و”كابينت الحرب” على وجه الخصوص، تهدف إلى ضمان بنية تحتية للمناورة السياسية لنتنياهو وأتباعه في إدارة الحرب على غزة، وتوثيق تقدم سير الحرب من وجهة نظره هو فقط.
وأشار إلى أن اعتراض حارسة الأمن بمكتب رئيس الوزراء لرئيس الأركان وتفتيشه قبيل دخول إلى جلسة “كابينت الحرب”، تعكس أزمة الثقة بين قادة الجيش ونتنياهو، الذي رفض تحمل مسؤولية شخصية عن الإخفاق في منع الهجوم المفاجئ، وألقى المسؤولية على قادة الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
وأورد إيلي، وهو مسؤول قسم التقارير الاستقصائية في صحيفة “دى ماركر”، منع مكتب نتنياهو ضباط الجيش الإسرائيلي من تسجيل مناقشات مجلس الوزراء والكابينت بشأن سير وتطور الحرب على غزة، وأمرهم بترك أجهزة التسجيل في الخارج، وذلك على الرغم من أن التسجيلات مطلوبة لاحتياجات عملياتية ومطبقة منذ سنوات.
ويقول الصحفي الاستقصائي، إن مكتب نتنياهو بهذه الإجراءات لا يشدد قبضته على سير الحرب فحسب، بل في تحديد وصياغة الرواية المتعلقة بالمسؤولية عن الإخفاق بمنع أحداث السبت الأسود كذلك، والتطورات الإيجابية والسلبية للحرب.
الطرح ذاته تبناه مراسل الشؤون السياسية للقناة 13 الإسرائيلية سيفي عوفاديا، الذي قدر أن إجراءات مكتب رئيس الوزراء بمنع إدخال أجهزة تسجيل إلى المشاورات والجلسات المتعلقة بسير الحرب على غزة، تهدف في نهاية المطاف إلى احتكار المواد والوثائق والمستندات المتعلقة بالحرب على غزة والإخفاق بمنع الهجوم المفاجئ، إلى ما بعد انتهاء الحرب، حيث ستعقد لجنة تحقيق رسمية.
وأوضح مراسل الشؤون السياسية أن ما يظهر وكأنه صراع وخلاف بين مكتب نتنياهو ورئاسة الأركان بشأن تسجيل وتوثيق المشاورات، يعكس عمق الأزمة بين نتنياهو والجيش، وهي محاولة منه لمنع أن يكون بحوزة الجيش أي توثيق خاص به متعلق بمناقشة الحرب على غزة.
وأشار عوفاديا إلى أن تسجيل جلسات مجلس الوزراء و”الكابينت” من الجيش الإسرائيلي، هو أمر مقبول ودارج منذ سنوات طويلة باتفاق كل الأطراف وسكرتارية الحكومة، وبشكل عام يستخدم الجيش التسجيلات “للاسترجاع السريع” لبروتوكول المناقشة المتعلق بالمبادئ التوجيهية، وشرح النقاط والقضايا الأمنية.
في السياق ذاته، كشف الصحفي غادي فايتس، أن مكتب نتنياهو طلب وثائق سرية من فترة الحكومات السابقة، حيث حُوّلت إلى مكتب نتنياهو، بينما منعت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهاراف ميارا، نقل محاضر الاجتماعات الكاملة؛ لأن نقلها وتسليمها مخالف لأنظمة الحكومة.
وأوضح فايتس، الذي يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات الاستقصائية في صحيفة “هآرتس”، أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يرفض نتنياهو تحمل المسؤولية عن الهجوم المفاجئ على إسرائيل، حيث يسعى إلى إلقاء المسؤولية على المؤسسة الأمنية العليا، ومعارضيه في الحكومة السابقة.
وأشار إلى أن نتنياهو أوكل إلى أحد كبار أعضاء حزب الليكود مهمة جمع الوثائق والمستندات، التي من شأنها أن تعطي انطباعا سلبيا وتشوه صورة المسؤولين بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، وتحميلهم كامل المسؤولية عن الإخفاق الاستخباراتي ومنع الهجوم المفاجئ.
وحيال هذه الممارسات والنهج لنتنياهو ولطاقم مكتبه ولمقربيه من الليكود ومعسكر اليمين، بعثت المستشارة القانونية للحكومة، رسالة إلى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ونسخة إلى رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” رونين بار، طلبت خلالها جمع المواد السرية التي حصل عليها نتنياهو.
وبحسب مراسلة الشؤون القانونية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” طوفا تسيموكي، فإن هذه التعليمات، تهدف إلى منع نتنياهو من احتكار أي وثائق ومستندات تتعلق بسير الحرب على غزة، والحصول على بروتكولات جلسات الحكومة السابقة.
ورجحت تسيموكي أن منع نتنياهو من حيازة بروتوكولات ومواد سرية من جلسات “كابينت الحرب”، سيصعب على نتنياهو ورجاله جمع المواد وصياغة السردية لمساعدته على التنصل من مسؤولية الإخفاق في منع هجوم حماس، أو التباين بالمواقف والإخفاق بتحقيق أهداف الحرب المعلنة.